لا إحصاءات دقيقة في لبنان عن نسبة الدين الذي ترزح تحت وطأته الفتيات المقيمات في العاصمة بيروت، غير أن الأمر المؤكد الوحيد هو إتقان المرأة اللبنانية، على رغم محدودية مواردها، فن الإنفاق والاستدانة أكثر من أي امرأة في العالم ربما. قروض مصرفية، قروض للتعليم، سحب على الحساب، إضافة إلى بطاقات الاعتماد والتقسيط، هي خدمات مغرية تجعل كل شابة أسرتها بسبب متطلبات الحياة الاجتماعية، تفقد السيطرة على نفقاتها وتعجز عن التحكم بالمصروف، لا سيما أن الرواتب لا تكفي. بطاقة الاعتماد هي وسيلة عيش فتيات بلد يفوق عددهن عدد ذكوره أضعافاً. فما من شابة لبنانية تعيش بلا ديون. وتستصدر كل متخرجة حديثاً فور حصولها على وظيفة، بطاقة اعتماد أو تعتمد التقسيط لتسديد ثمن مشترياتها. غير أن المشكلة الرئيسة تكمن في جهل الشابات كيفية التصرف أمام الديون المتراكمة حتى يخرج الأمر عن سيطرتهن. فالإغراءات الكبيرة تقودهن إلى الاستدانة اكثر.. وتتراكم الأرقام.. تقول فيكي البالغة من العمر 33 عاماً: "تراكمت عليّ الديون من حيث لا أدري، أخذت قرضاً لشراء سيارة، واقترضت بعد عام على ذلك المال لتجديد مفروشات غرفتين في المنزل - على اعتبار أن والدي متقدم في السن ولا يملك وظيفة لتجديدها - وقرضاً ثالثاً لإحضار شابة تعتني بوالديّ العجوزين خلال وجودي في العمل. لكن ما سحبت من مال لم يكن كافياً، لا سيما ان الحياة مكلفة في بيروت. بعد ثلاثة أعوام من العيش تحت وطأة الدين وتحوّل ثلثي راتبي لتسديد ديوني المتراكمة، لا يمكنني تجديد بطاقة الاعتماد. ها أنا اليوم غارقة في الدين ولا اعلم ماذا أفعل". أما جنان 27 عاماً فتقول: "تخرجت في الجامعة اليسوعية بفضل نظام المساعدات الاجتماعية والتقسيط، على اعتبار أن والدي موظف دولة وهو وحده من يعمل، بينما والدتي ربة منزل. بعد تخرجي ساعدته في تسديد ديون تعليمي ثم تعليم أخي، الذي، بعد تخرجه يساعدنا اليوم في تسديد أقساط أختي الصغرى الجامعية". أما ريّان 30 عاماً، فحكايتها مع الدين أقدم بكثير. تقول: "نزحنا من البقاع إلى بيروت في الحرب. صادرنا منزلاً ومكثنا فيه. كان والدي عاطلاً من العمل فاضطررت إلى ترك المدرسة بعد الشهادة الابتدائية والعمل". وتقول: "مع انتهاء الحرب وعودة كل مواطن إلى منزله كان لا بد لي من أخذ قرض لشراء منزل، قرض أسدده منذ سنوات وحتى عام 2012، ثم قرض لتقسيط المفروشات، وتبع ذلك قرض لشراء سيارة. وكوننا في المنزل 6 أشخاص، كان لا بد من قرض سيارة أخرى. هذا من دون إهمال التأمين الصحي لوالدي. اليوم، ديوني متراكمة ولدي بطاقة تقسيط فارغة منذ ثلاث سنوات، ثلاثة أفراد في المنزل يعملون لتسديد الديون". أما مارلين 35 عاماً، فهي أم عاملة وتدرك تماماً مخاطر الدين، اضطرت للخوض في لعبة التقسيط عند زواجها لمساعدة شريكها في شراء منزل. وضعها المهني مستقر وهي تملك بطاقة اعتماد لا تستخدمها إلا للضرورات القصوى. تقول: "لا استخدم بطاقة الاعتماد للتسوق أو لتناول وجبة غداء في مطعم، فهذا أمر لا تقوم به إلا الفتاة الساذجة. استخدام بطاقة الاعتماد يكون للضرورة القصوى، عند دخول مستشفى أو لتسديد قسط أولادي المدرسي". "ليدي كارد" من جهتها، أكدت مديرة التسويق وتطوير الأعمال في "فرنسبنك" السيدة رندة بدير أن برامج الشراء عبر بطاقات الائتمان والبطاقات الإلكترونية وبطاقات التقسيط هي برامج مربحة للمستهلك وللمصرف على حد سواء، معتبرة سياسة التبضع في بلد مستهلك كلبنان ناجحة. 3 آلاف بطاقة من أصل 16 ألفاً من تلك التي طرحها "فرنسبنك" في السوق مستخدموها نساء، 20 في المئة من بطاقات الائتمان المخصصة للديون حاملاتها نساء. ولفتت بدير إلى أن قيمة الإنفاق النسائي على بطاقات التسليف بلغت العام الماضي 12 مليون دولار من محفظة "فرنسبنك"، وهو مبلغ مرتفع يثبت أن المرأة اللبنانية مستهلكة من الطراز الرفيع. وتشير بدير إلى أن 30 في المئة من زبوناتها يستخدمن بطاقات الدين، بينما تنفق الباقيات عبر بطاقات مختلفة الاستعمالات. تقول: "من منظار العمل المصرفي، سياسة الإنفاق تناسبني، خصوصاً إذا كان زوج الزبونة مقتدراً، فهي تنفق وهو يدفع". أما بالنسبة الى الشابات العاملات فتقول: "هي شريحة أخرى من المجتمع نحاول كسبها، ذلك أنهن شابات قادرات على التسديد طالما أن مهنهن ومداخيلهن ثابتة، البطاقة تقدم لكل امرأة 3 أضعاف المبلغ المطلوب، وهي تسدد 10 في المئة فقط شهرياً من الدين". واستحدث المصرف بطاقة "ليدي كارد" المخصصة لربات المنزل، خدمة دفع مسبق موجهة لمن يعطيها زوجها آخر الشهر مبلغاً معيناً كمصروف للبيت. تعمد الزوجة عبر ال"ليدي كارد" إلى الإنفاق والتوفير في آن عبره. وهي مناسبة لزوجات ذوي الدخول المحدودة اللواتي يرغبن التمتع بحياة لا تقل عن تلك التي تعيشها صديقاتهن من الميسورات". أما بطاقات التقسيط، واسمها "بطاقات الصداقة"، فهي مغرية لشرائح المجتمع المختلفة وتقدم لمستخدمها رصيداً بثلاثة أضعاف الراتب. الحديث عن سيئات سياسة التقسيط وضررها المجتمعي وإرهاقها للمجتمعات، تعتبره بدير فلسفة "بالية وقديمة"، مؤكدة أن المجتمعات المتحضرة تسعى باستمرار إلى تحسين مستواها المعيشي. وبما أن الرواتب لا تكفي، تعتبر سياسة الاستدانة على الراتب الحل الأفضل لحياة سهلة. وتختتم قائلة: "الجميع يعيش بالدين عبر فلسفة التقسيط، وهو دين جيد وليس سيئاً، فالتسهيلات متوافرة للجميع".