ما كاد الإرهاب يضرب اسطنبول مرة ثانية خلال اقل من اسبوع الشهر الماضي، حتى بدأت ابحث عن "المؤامرة" وراء هذا الإرهاب، فقد كنت واثقاً من ان اصحاب نظرية المؤامرة سيطلعون بشيء يقصر عنه خيالي المحدود. ولم يخب ظني فقد وجدت بسرعة ما خلاصته ان تحالف العسكر التركي والبيروقراطية، وهو حكومة داخل الحكومة، تغاضى عن الإرهاب وسهّل وقوعه لإطاحة حكومة رجب طيب اردوغان الإصلاحية، وتبرير عودة العسكر. عسكر تركيا "يعملوها"، وهم قاموا بثلاثة انقلابات عسكرية بين 1960 و1980، وأسقطوا حكومة نجم الدين اربكان سنة 1997، إلا انني لا أعتقد انهم تغاضوا عن الإرهابيين، او انهم يريدون العودة الى الحكم اليوم، فيما تركيا تحاول جهودها الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وانقلاب عسكري سيعني القضاء على هذا الحلم نهائياً، ومعه اي احلام تركية برخاء اقتصادي. بصراحة انا معجب بخيال اصحاب نظرية المؤامرة، وفي حين ان النظرية التركية لم تخطر ببالي، فإنني وجدت ان بعضها ليس جديداً، فالتحالف العسكري - البيروقراطي التركي يذكرني بالتحالف العسكري - الصناعي الذي حذر منه دوايت ايزنهاور في الولاياتالمتحدة. فكرة المؤامرة قديمة، لذلك قال رجل: صحيح انني مهووس، ومع ذلك فالناس يتآمرون عليّ. غير انها اكتسبت زخماً جديداً بعد إرهاب 11 ايلول سبتمبر قبل سنتين، فسمعنا ان الموساد وراء ذلك الإرهاب، وقلنا "يا ليت"، ثم سمعنا ان خمسة آلاف يهودي في مركز التجارة العالمي ابلغوا سلفاً عن موعد ضرب البرجين فغابوا عن العمل صباح ذلك اليوم. ونحن نقول: "كل سر جاوز الاثنين شاع" ولا افهم كيف حفظ خمسة آلاف، افترض ان نصفهم من النساء، بهذا السر. كان اتهام الموساد تحصيل حاصل كما يقولون، فنحن نحمّل اسرائيل والاستعمار المسؤولية عن كل بلية نحن مسؤولون عنها. وقد شاركت في برامج تلفزيونية كان جميع المشاهدين الذين اتصلوا بها مصرين على ان الموساد، او كالة الاستخبارات المركزية نفسها، وراء ذلك الإرهاب. وشعرت مع بعض المشاهدين بأنه يصعب عليهم ان يتصوروا ان مسلمين مثلهم يرتكبون مثل هذه الجريمة. الإرهاب من دون عقل والإرهابيون لم يكتفوا بقتل الأبرياء في نيويورك، وإنما قتلوا المسلمين في الرياضواسطنبول، ما هز ضمير الأمة كلها. وسمعت اخيراً نظرية مؤامرة جديدة عن 11 ايلول هي ان القاعدة قدرت بدقة حجم الرد الأميركي، وهي أرادت استدراج الولاياتالمتحدة الى حرب لتصبح المعركة بينها وبين المسلمين حول العالم. القاعدة قادرة على الجريمة، إلا انها ليست قادرة على التفكير التآمري هذا، فهو يحتاج الى عقل من الواضح ان اركان القاعدة يفتقرون إليه افتقارهم الى الضمير، وإلا ما كانوا قتلوا الأبرياء، وهم يعملون او يصلّون او يلهون، ووضعوا الإسلام والمسلمين في قفص الاتهام معهم. وسمعت من نوع ما سبق، ان الولاياتالمتحدة وراء الإرهاب في المملكة العربية السعودية، فهي تريد ان تكمل احتلال منابع النفط في الشرق الأوسط، غير انها لا تستطيع اجتياح المملكة العربية السعودية التي ربطتها دائماً بالولاياتالمتحدة علاقات وثيقة، وإنما تريد ان يشتد الإرهاب فيها، وحتى ان ينتصر، وعند ذلك تتدخل عسكرياً لمقاومته فيؤيدها العالم الذي سيعارضها بشدة لو حاولت شيئاً الآن. اغرب ما وجدت في موضوع المؤامرة ان بعض المروجين لها، او المؤمنين بها، سياسيون كبار، او مثقفون جداً. وقلت مرة للأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودي ان هناك من يصدق فعلاً ان الموساد وراء إرهاب 11 ايلول، فقال ان السبب الأهم هو ان اسرائيل هي المستفيد الوحيد، أو الأكبر، من مثل هذا الإرهاب، لذلك يعتقد بعض الناس انها وراءه. وفوجئت بعد نحو شهر بأن هناك من ينسب الى الأمير نايف قوله ان الموساد وراء الإرهاب، إلا انه لم يقل ذلك وعندي ما سجلت في مكتبه من ملاحظات عن الموضوع. اليوم هناك في ألمانيا كتاب من تأليف اندرياس فون بولوف، وهو وزير سابق للبيئة، يقول ان وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وراء إرهاب 11 ايلول لأن الإدارة الأميركية تريد السيطرة على العالم. وقد قفز الكتاب بسرعة الى رأس قائمة اكثر الكتب مبيعاً، ما يذكّرنا بكتاب الفرنسي تييري ميسان بعنوان "المحتال الفظيع" الذي زعم ان الهجوم على البنتاغون لم يكن بطائرة، وإنما من الداخل، ولم يستهدف وزارة الدفاع وإنما المركز الجديد لقيادة البحرية. والإقبال على مثل هذه الكتب يعكس شعوراً اوروبياً عاماً بالعداء للولايات المتحدة، اكثر منه قناعة بتآمر الاستخبارات الأميركية على المواطنين الأميركيين. ومع ان بريطانيا حليف للولايات المتحدة، وقد رحبت غالبية من البريطانيين بزيارة الرئيس جورج بوش، على رغم التظاهرات الصاخبة ضده، فإن الوزير البريطاني مايكل ميتشر سبق الجميع عندما زعم ان الأميركيين عرفوا بالمؤامرة الإرهابية، ولم يحاولوا وقفها، لتنفيذ اغراضهم السياسية. لا بد من ان ادلي بدلوي وعندي نظرية مؤامرة اهم من كل ما سبق، هي ان القاعدة والمسيحيين الصهيونيين من قاعدة الرئيس بوش تنظيم واحد. وتفسير ذلك ان المسيحيين الصهيونيين ينتظرون ان يخرب العالم على يدي المسيح الدجال لتتحقق العودة الثانية للسيد المسيح فيخلص العالم. وهكذا فالمسيحيون الصهيونيون بحاجة الى ان تخرب القاعدة العالم مع المسيح الدجال، الذي قد يكون اسامة بن لادن، او ايمن الظواهري، قبل ان يرثوا هم العالم. والمشكلة في هذا السيناريو ان المسيحيين الصهيونيين يعتقدون انهم سينقذون وحدهم، ما يعني انني والقارئ سنروح هباء منثوراً.