ترك الهجوم الارهابي على الولاياتالمتحدة في 11 ايلول سبتمبر وراءه من "المؤامرات" بقدر ما ترك من الضحايا. وسمعنا ان الموساد وراء الهجوم، وأن اربعة آلاف يهودي يعملون في مركز التجارة العالمية حذروا من الهجوم، فلم يذهبوا الى العمل في ذلك اليوم. صناعة "المؤامرة" غربية خالصة، لا يمكن ان يفلت حادث كبير منها، ويكفي مثلاً اغتيال الرئيس كنيدي في 22 تشرين الثاني نوفمبر 1963، فقد قتله لي هارفي اوزوالد، ومع ذلك فهناك ما يعادل "مؤامرة" لكل يوم مضى منذ ذلك الحادث في مدينة دالاس، حتى أنني سمعت اخيراً ان جون كنيدي انتحر. الجريمة الارهابية في الولاياتالمتحدة كانت فظيعة، وانتشار المؤامرات حولها طبيعي جداً. ولكن ما إن ادلى العرب بدلوهم في هذه البئر حتى اتهموا بالتهرب من المسؤولية، او المشاركة في الجريمة، او الجنون. لماذا يقول اميركي ان مكتب التحقيق الفيديرالي وراء الهجوم لتجريد الاميركي من حرياته، ولا يتهم بالجنون، ويقول عربي ان الموساد وراءه، فيتهم بما هو اكثر من الجنون تهمة المسؤولية اخطر لأن الجنون يعفي صاحبه من المسؤولية. جريمة 11 ايلول ارتكبها ارهابيون من القاعدة، والمسؤول الأول هو اسامة بن لادن، والثاني حاميه الملا عمر. شخصياً، سجلت هذا في كل مرة كتبت عن الموضوع او تحدثت عنه منذ 11 ايلول، واعتبرت مؤامرة الموساد او مكتب التحقيق الفيديرالي نوعاً من التسلية، لا يقلل من قيمته سوى انه منتظر او متوقع، ولا يخرج كثيراً عن المألوف. غير انني اعود الى الموضوع اليوم لأقول ان هناك مؤامرة حقيقية، مع انه يفترض ان ابتعد عن هذه الكلمة حتى لا اثير حملة على رأسي، وهذه المؤامرة وراءها اسرائيل وأنصارها في الولاياتالمتحدة للنيل من العرب والمسلمين، ولتحويل الانظار عن ارهاب اسرائيل في الاراضي الفلسطينية. فالارهابيون الحقيقيون في اسرائيل وخارجها جعلوا من روايات المؤامرة العربية وكأنها شيء لم يسمع بمثله من قبله، وأنه بالتالي جريمة اخرى يرتكبها العرب والمسلمون المتخلفون ضد الغرب المتقدم المتحضر المتمدن. اولاً وثانياً وثالثاً، فكرة المؤامرة نفسها اختراع غربي خالص، نقلناه عنهم، ولا اعتقد اننا زدنا عليه او طوّرنا من أدائه، او اجترحنا جديداً او اخترعنا. والقارئ العربي الذي سمع عن دور الموساد في ارهاب 11 ايلول، وقصة اليهود الاربعة آلاف، قد لا يعرف ان في مقابل مؤامرة او اثنتين طلع بهما العرب هناك بضع عشرة مؤامرة او خرافة او اسطورة نشأت في الولاياتالمتحدة، والعالم كله، من دون ان يتهم اصحابها بشيء. هناك صفحات على الانترنت تضم مؤامرات لم يسمع بها العرب فقد نشأت في الغرب للغربيين، ولعل اكثرها تردداً، بصيغ مختلفة، عن امرأة تساعد عربياً لا يملك ثمن بطاقة قطار الأنفاق، او مكالمة هاتفية، فيقول لها: لا تركبي القطار يوم الجمعة، او لا تأكلي كعكاً رشّ عليه سكر ناعم هذا الاسبوع. القطار لم ينسف، والكعك في نيويورك او لندن او اي مكان آخر لم يسمم، ومع ذلك فهذه الاسطورة اكثر تردداً من اي مؤامرة طلع بها العرب. وإذا أراد القارئ جنوناً مطبقاً فهناك صفحة انترنت للرياضي ديفيد ايك الذي يقول ان جورج بوش الابن، مثل ابيه، جزء من مؤامرة دولية شريرة، فالحكام امثالهم يتحدرون جزئياً من مخلوقات من الفضاء الخارجي لها شكل زواحف او سحالي. بل ازيد انني اختبرت مؤامرة اميركية بنفسي فقد كتبت الرحلة Q33NY بحرف معين من مايكروسوفت، وطلعت بصورة طائرة وبرجين، بعدهما جمجمة وسط عظمتين، ونجمة داود. وهذا مثير فعلاً لولا ان رقم الرحلة كان AA11. لماذا يعتبر الانكليزي او الاميركي مسلياً، او مضحكاً، ويعتبر العربي صاحب فكرة المؤامرة متآمراً على الغرب ومدنيته؟ اليوم، اريد ان ازيد "مؤامرتي" عن علاقة اسرائيل وأنصارها، مع تحذير بسيط، او تنبيه، فما فينا يكفي ويزيد، ولا تحتاج اسرائيل الى تشويه الصورة العربية، لأنها كاريكاتورية اصلاً، وشر البلية ما يضحك. مع ذلك اقول جاداً انني منذ عرفت نيويورك، وأنا اسمع اسطورة يعرفها اهلها والأميركيون وربما اكثر العالم، عن وجود تماسيح في مجارير المدينة. وقد اشتريت مرة كتاباً بمثل هذا العنوان ضم عدداً كبيراً مما يسمونه "اساطير حضرية"، اي في المدن. ومثل هذا، بشكل او بآخر، موجود في كل بلد، وعندما يقع حادث كبير، من نوع اغتيال كنيدي او تدمير مركز التجارة العالمية، تبرز اساطير جديدة، او تعاد صياغة اساطير قائمة ومؤامرات، او تنقل هذه من بلد الى بلد. على كل حال، حديث المؤامرة فتح شهيتي، فأختم لتسلية القارئ بقصة حقيقية، فقد بدأت اكتب هذه السطور يوم الاثنين، وأنهيتها امس. وكنت وضعت اوراقي وملاحظاتي، وما استنبطت من الانترنت، امامي وكتبت فقرة او اثنتين عندما رن جرس الانذار من الحريق في المبنى. وأسرع الموظفون بإخلاء المكان، وبقيت وحدي، فقد قررت ان وراء الجرس مؤامرة صهيونية غاشمة لمنعي من كتابة مقالي. واتصل بي زملاء من الساحة الخارجية للانضمام إليهم، ورفضت بإباء وشمم. بصراحة، لم تكن المسألة شجاعة، وإنما نحن في بناية حديثة معظمها من زجاج، واحتمال اندلاع حريق فيها صعب جداً. وقد توقف جرس الانذار بعد دقائق، وتبين ان السبب خلل كهربائي، ما حرمني من فكرة المؤامرة التي طلعت بها، وهذه مؤامرة اخرى.