"لا أعرف لماذا لا تريدون أن تفهموني"، جملة غالباً ما نسمعها من فتيات وفتيان قريبين منا يعانون من الجدار الذي يرتفع بيننا وبينهم، ونحن على رغم ادراكنا بمدى "خطورة" المرحلة العمرية التي يعيشونها أي المراهقة إلاّ أننا نبدي جهلاً كبيراً في التعاطي معهم. وننسى، نحن الكبار، أننا عشنا المراهقة أيضاً هذه المرحلة، نسيناها بحلوها ومرها وكل المشاعرالتي اجتاحتنا أو سيطرت علينا، كذلك الغضب الذي رافقنا أياماً طويلة تجاه عدم تفهم الآخرين لنا، ممزوجاً بفرح الإعتداد بالنفس، حين كان يعتقد كل منا أنه يملك العالم كله بيد واحدة. نسينا المراهقة واسقطناها من دفاترنا، مع أنها شديدة الأهمية في تكويننا، ألا يردد المحللون النفسيون دائماً أن الجرح الذي نعرفه في المراهقة صعب جداً أن يندمل بسهولة، والندب التي يحدثها لا تمحوها عمليات التجميل السطحية. ليس كل فرد منا وحده المذنب، نسيان المراهقة جزء من سلوك عام لدى النخبة المثقفة ولدى التجار والسياسيين والتربويين... وكل البالغين، نعود إلى هذه المرحلة حين يكبر أولادنا و"نعاني من تصرفاتهم". لا كتب عن المراهقين في العالم العربي - أو هي شبه نادرة - ولا دور ولا محلات مخصصة لبيع ما يهتمون به، لهم المدرسة وعدد ضئيل جداً من النوادي الرياضية أو الفنية. أهمية المراهقين كقوة شرائية تروي الصحافية الكندية نعومي كلايم في كتابها No Logo، كيف تخطت الشركات العابرة للقارات المنتجة للملابس والأحذية والعطور والأكسسوارات محنتها في بداية التسعينات من القرن الماضي، فقد تراجعت مبيعات هذه الشركات التي كانت تعتمد على الإعلانات فقط لجذب المستهلكين الى منتوجاتها. استراتيجيتها هذه كانت ناجحة في الثمانينات من القرن الماضي لكنها فقدت بريقها في العقد التالي. كان المخططون لاستراتيجيات المبيعات في شركة "نايكي" المنتجة للأحذية والأدوات الرياضية أول من تنبه إلى أهمية المراهقين كقوة شرائية، بدأوا في انتاج ما يهمهم، غيروا ملامح بضائعهم واعلاناتهم، اختاروا المشاهير الذين يحبهم المراهقون للترويج لبضائع الشركة، خفضوا أسعار منتجاتهم في شكل كبير، لم تعد بضائع للنخبة التي تملك قدرة شرائية عالية، المراهقون حلوا محلها. ولم تعد "نايكي" مجرد شركة منتجة لبضائع تباع في السوق، صارت أحد الشعارات الرائجة في حياة المراهقين. شركات كبرى كثيرة سارت على خطى "نايكي" وروجت لبضائعها وشعاراتها. عرفت الشركات العالمية كيف تتخطى أزمة خانقة تهدد بقاءها، وهي بالطبع عرفت كيف تخفي سياسات الاستغلال التي تنتهجها تجاه عمالها. واستندت الى مدى تعلق المراهقبن بها لتكمل "مسيرتها". تجربة الشركات العابرة للقارات دليل جديد و"عصري" و"معولم" الى أهمية المراهقين، والى ضرورة الإلتفات إليهم، ليس بنية استغلالهم كما فعلت هذه الشركات، إنما للتعرف اليهم والى مستقبلنا عبرهم. وإذا ما تلفتنا حولنا في العالم العربي ننتبه الى أن الشركات الأجنبية وحدها القادرة على جذبهم. أخيراً، صدر تقرير تنمية المرأة العربية 2003 تحت عنوان "الفتاة العربية المراهقة، الواقع والآفاق" الذي أعدته مؤسسة "كوثر" التونسية ومتخصصون عرب بعد عامين من العمل الميداني، وتناول المراهقات والمراهقين في سبع دول عربية هي البحرين واليمن ولبنان ومصر والجزائر وتونس والمغرب. وتابعت من خلال شهادات حرة للمراهقين المحاور التالية: الهوية وصورة الذات، البلوغ والصحة الإنجابية والحب، العلاقات الأسرية، المدرسة والعمل، ثقافة المراهقة والسلوكيات، والمواقف والقيم. وأصدرت المؤسسة هذه الدراسة في محاولة لفهم مستقبل المرأة العربية. وشملت الشبان الى جانب الشابات لأن الفتاة المراهقة يمكن أن تكشف الفتى المراهق، والعكس صحيح. فجوة معلوماتية العقبة الأولى التي واجهها فريق العمل لاعداد الدراسة تمثلت في صعوبة الحصول على بيانات إحصائية خاصة بالمراهقين في الدول العربية، والمتوافر منها مستخلص من بيانات معدة لدراسات متنوعة للسكان، ويظهر المراهقون في الفئة العمرية من 15 عاماً إلى 19 عاماً. لكن ما هي خصائص المراهق العربي، وكيف التعرف الى شخصيته؟ تجدر الإشارة بداية الى أن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الكثير من الدراسات المتخصصة والأبحاث الميدانية التي تسمح بسد الفجوة المعلوماتية التي أحدثها الإهمال المزمن لهذه الفئة العمرية. لكن الملاحظة الأولى التي تفاجئ قارئ الدراسة تتمثل بالاستنتاج الذي يتحدث عن علاقات المراهقين والمراهقات بأسرهم وهي علاقة صراعية نسبياً ولكن يحدها موقف متفهم من المراهقين للأهل مع حالات قليلة من الإمتثال المطلق أو النزاع المفتوح. ويلفت منسق التقرير أديب نعمه الى أن فريق الدراسة فوجئ بغياب فكرة "المراهق المشاكس"، وفكرة رفض الأهل. وتبين أن المراهقين والمراهقات العرب - عموماً - ليسوا على تصادم مع أهاليهم في القضايا المهمة، وهم لا يرفضون أنواعاً متعددة من السطلة، ولديهم ميل كبير للجوء إلى الحيلة والتسويات، كما تبين أنهم في شكل عام محافظون أكثر من أهاليهم، هذا على رغم أن نظرة أولية تظهر أن ثلثي المراهقين العرب يعيشون في مصر والجزائر والسودان والمغرب والعراق، أي أنهم في دول تعاني حروباً وأزمات سياسية أو اقتصادية. يبدو المراهق العربي أكثر تأثراً بمفهوم الفرد المستهلك من الأجيال التي تكبره، ويتشابه أبناء الطبقات الميسورة في الدول العربية، وهؤلاء يمكن تسميتهم ب"المعولمين"، فسلوكياتهم واحدة، وكذلك خياراتهم والأماكن التي يقصدونها أو ما يعرف ب"المول". أما الفقراء فهم أكثر تأثراً ببيئاتهم المحلية، المراهق الفقير في اليمن شديد التعلق بالانتماءات العائلية والقبلية، والفتيات المراهقات الفقيرات أكثر تعلقاً بهذه البيئات من الفتيان، والمشكلة الرئيسة بالنسبة إليهم تتمثل بضيق مساحات الحوار داخل الأسرة والتمييز بين الفتيان والفتيات، وهذه مشكلة لم تتجاوزها المجتمعات العربية على رغم مرور السنين وزيادة نسبة المتعلمين - من النساء في شكل خاص. أما وضع المرأة في العالم العربي ف يلقى رفضاً مبدئياً من المراهقين والمراهقات لكنهم في الوقت نفسه يقسمون الى فئات ثلاث، الأولى تدينه، والثانية المحافظة تدعو الى بعض المساواة، والثالثة المتشددة التي تعتبر أن المرأة أقل مرتبة. ويعتبر الدين من جهة ثانية حاضراً بقوة لدى هذه الفئة العمرية ويؤدي دوراً أساسياً في تحديد المواقف والسلوك. إهتمام بالسياسة ماذا عن السياسة؟ أبناء الجيل اللامبالي كما يحلو للكبار تعريفهم، شديدو الإهتمام بالسياسة، يرفضون السياسة الأميركية في شكل مطلق ويجمعون على أنها منحازة لإسرائيل. يتابعون بدقة أخبار الإنتفاضة الفلسطينية وأخبار العراق لكنهم على رغم تأثرهم الشديد دعماً للفلسطينيين عاجزون عن إيجاد آليات تترجم هذا الدعم، ويكتفون بالتفاعل مع النشرات التلفزيونية المصدر الوحيد بالنسبة إليهم لمتابعة الأخبار، فالقراءة غائبة في شكل عام عن اهتماماتهم، قليلون جداً هم المراهقون والمراهقات الذين يبدون اهتماماً بالشؤون والانتاجات الثقافية، وهؤلاء هم عادة أبناء الطبقة الوسطى الذين ينتمون الى أسر يهتم الأبوان فيها بهذه الأمور. أما المدرسة فهي بالنسبة إليهم معبر إلزامي إلى الرشد والعمل والإستقلالية، ولم تبد بالنسبة الى الغالبية مؤسسة ممتعة. ملاحظاتهم على المناهج التعليمية كثيرة، لكنهم على رغم ذلك تخلوا عن تقليد اعتمدته طويلاً الأجيال السابقة التي كانت ترى في الأستاذ مثالاً تشمله هالة تملكه لمزيد من المعرفة، فالمراهقون والمراهقات حالياً يشفقون على أساتذتهم، وينتشر التدخين بشدة في المدارس الخاصة. أما العمل فهو بالنسبة إليهم خيار أساسي في مستقبلهم الشخصي، ولا يعتبرونه تحقيقاً للذات بل سبيل لتوفير للعيش، وفي المقابل كان الحديث من منطلق اقتصادي بحت والنجاح المبني على المشروع الفردي محدوداً جداً. وعبرت خيارات المراهقين في المهن المستقبلية عن أمنيات وعن قيمة بعض المهن المدرة للمال، وكان الكومبيوتر من الخيارات العابرة للحدود. وأبدت الفتيات ميلاً للمهن الإجتماعية كالطب والتعليم. أسئلة كثيرة عن اهتمامات المراهقين لم تطرح، وهم طالبوا بأن تجرى دراسات على الكبار، أي أنهم طالبوا بحقهم في فهم الكبار الذين لا يبدون اهتماماً كبيراً بهم. يجمعهم حبهم للأغاني والموسيقى العربية الشابة، والتلفزيون. فيما يغيب المسرح عن دائرة اهتماماتهم، وتأتي السينما في إطار اهتمامات الميسورين الذين يقصدونها في إطار نزهات في المول. أما "الحلم" فيبدو غير متوافق مع واقعيتهم الشديدة، يتحدثون عن السعادة بصيغة المستقبل وكأنها صعبة التحقيق في حاضرهم. ويخيفهم المستقبل المظلم، ويقلقهم شبح البطالة، يريدون توفير سبل عيشهم، وبهذه الأمور يتلهون عما يشغل أقرانهم في العالم. سناء المصرية إبنة ال15 ربيعاً اعطت الشهادة الأكثر تعبيراً على رغم قساوتها، وردت حينما سُئلت عن صراع الأجيال بقولها: "ليس لدي وقت لصراع الأجيال، فأنا ووالدي وأخي مشغولون بالصراع ضد الفقر".