غلبت ذكرى القدر مراراً عندما شقت ذاك الطريق الشائك الطويل الذي قادها من تلك الضاحية الصغيرة في تونس الى قلب القاهرة عاصمة الفن، وغلبها القدر مرة واحدة لكنها كانت مرة قاضية حين وضعها على طريق زوج قاتل أطفأت عاصفة جنونه شمعات شبابها وأخرست الى الأبد نبرات صوتها الجميل وفتح عليها رصاص سلاحه نيران الاتهامات المسعورة والأراجيف المجحفة الظالمة فكانت نهاية بلا عزاء. ما كان أغنانا عن كل اللغط الذي تلا حادثة الزمالك المروعة الشنيعة وكفى بها ألماً دامياً لرحيل فنانة موهوبة مجتهدة صاحبة صوت جميل ومقتل انسانة بريئة في جريمة بشعة ذهب ضحيتها ثلاثة أرواح بريئة ومذنب قتل نفسه. اذا لم يكن من بد غداة الحادثة من الإطناب والإسهاب في الحديث عن ذكرى الفنانة لأنها ماتت، كان في مسيرتها على تواضعها ما يقال ويذكر وكان في تجاربها المتنوعة لإيصال موهبتها ما يغطي أعمدة الصحف ويملأ الشاشات ويغني عن الترهات والتجريح الذي قيل في بعض المنابر صبيحة الحادثة عن قصد أو عن غير قصد. وإن كان لا بد من الحديث عن ذكرى القتيلة كجزء من جريمة بشعة فلم يكن من الإنصاف لضحايا جريمة مات كل شهودها، التباري في تقديم سيناريوات أطوارها واستنباط تهم وذنوب لضحايا مات متهمهم وجلادهم وما كان يجدي البحث عن أسباب منطقية لجريمة عبثية. في تعليق على موت الفنانة ذكرى، قال لطفي بوشناق: "لقد عاشت ذكرى غريبة وماتت غريبة" من الغربة ليس من الغرابة وهو وصف بليغ يختصر كلاماً طويلاً ويغني عن كل المهاترات وعن مزايدات مدعي الصداقة ومعرفة الحقائق الذين مع الأسف كثرت أصواتهم في مجالس الغربان التي لم تنفك طوال الاسبوع تنعق وتنهش في الجثث. شكراً لذكرى لأنها أوصلت لنا صوتها الجميل على رغم الفوضى، وشكراً لذكرى لأنها نجحت على رغم الصعوبات... شكراً لذكرى على كل الشدو الجميل الذي أهدتنا إياه في مشوارها الخاطف وذاك الذي كانت تدخره لنا لو كان القدر أمهلها. إنها الحياة كما خبرتها يا ذكرى قلّ ما يكتمل الحلو فيها. * صحافية تونسية.