ابحث بين حفنات الغبار عن واقع التردد، المرسوم بألوان المرايا النازفة من رحم الأرض، لأستيقظ من تلك الأساطير النائمة وأجد شمساً ساكنة حقائبنا. عناق طويل يجمع بين ترانيم جسد ونوافذ مزهرة، الأمطار تقبل أجساد روح راحلة، عيون الموتى معلقة كمصابيح تفحص كآبة الشواهد، ينساب ضوء فاشل في الوصول إلى الهديل. عيون الموتى تتردد في صباح يغزل خيوط الموت ببرود، تزرع المرايا واقع المأساة في خاصرة المأساة. التفت خلسة هناك لأجد الرحيل يحزم حقائبه من دون إذعان لصرخات جدران صامتة ندفن تسعة عشر زوجاً من العيون في باحة الملائكة البيضاء. حبيبات تراب تتراقص فوق العيون وتأتي بلآلئ كتذكار. موسيقى عيون الموتى تتسكع في شوارع بلدتنا القديمة، يتثاءب الزمن في غفلة عن زمن اللانهاية، أشجار تخلع أثوابها غارقة في جسد القصيدة، نجوم تستقيل من صلوات الغمامات. فاليوم، ترسم القيثارة أحزاناً راعفة، يحضن الموت تفاصيل الملحمة، يفتح القبر تلك الأبواب المتكاسلة لقطرات المطر على معاطفنا التي تنبت في غيمة الذكريات، اليوم، حين تتراقص عيون الموتى من غمامة إلى أختها من غيمة إلى أختها، كالفراشات بين خاصرة الضوء وضلع السماء. تزغرد السنابل عند قطفها بدلاً من البكاء، عند ولادة أخرى للربيع في آخر احتضار للحياة وفي اصعب معانقة لعيون الموتى. غداً سيبحث الوقت في أنقاض الأيام ويخنقها بغبار الزمن باحثاً عن صورة لورقة ليمون قديمة، سيعلن الخريف ميلاد أول عاصفة لتذوب التفاصيل الصغيرة فتذوب معها ذكريات مثقلة بالسكون. ستقلع أجنحة تراتيل الفجر عن صحوها من غمامة الليل البعيد ستنفض الشوارع الندى فوق أكتافها وتستعد للرحيل صهيل الموتى سيعانق عجز الحياة، وعبير السماء سيحضننا جميعاً في قبر جماعي، قد لا نجد أي ريح لتنصب أي تذكار. في وسط الباحة البيضاء، أو حبيبات تراب تناثر فوق عيوننا. كان امسنا قصة قديمة تتراقص على أوتار قد مزقت منذ زمن، تتراقص داخل ورقات الزهر لتقتل عطره فلم تعد هناك حبيبات ثلج على أجسادنا فلا نجد ورود السماء معلقة، وخناجر الحروف لا تمزق أي ورقة لتسقط القصة. تتناثر كالزجاج على وجه بحيرته مفجرة من رحمها خرافة الموتى خرافة تتراقص بين نيران مأساتهم وتعبث بمن يعتقد انه يحيا على أرضها ما من أحد يقتلها؟ ستقتل نفسها لتلفظ بأخرى. إننا نموت كثيراً راسمين إنسانيتنا، صانعين مفارقة بين لحن رائحة الخبز وجدلية الدم. الآن، ندفن تسعة عشر زوجاً من العيون في باحة الملائكة البيضاء حبيبات تراب تتراقص فوق العيون، وتأتي الرياح بلآلئ كتذكار، فربما يرضي هذا سيدتنا الخرافة.