لا يختلف اثنان حول صعوبة فهم اللهجة الجزائرية لغير الجزائريين، كما لا يختلف اثنان حول استحالة فهم مصطلحات الشباب الجديدة لغير أبناء الجيل الجديد داخل الجزائر نفسها. وعلى رغم عاصفة الرفض التي تواجهها هذه المصطلحات الغريبة من جانب المدافعين عن اللهجة الجزائرية واللغة العربية السليمة، فإنها نجحت في فرض نفسها لتشكل لغة قائمة بذاتها يمكن للشباب التواصل بها، الأمر الذي خلق مشكلة اتصال فعلية بين جيل الشباب وآبائهم. ويعتبر شباب الأحياء الشعبية الأكثر استخداماً لهذه المصطلحات وقد يكون السبب في ذلك بسيطاً، وهو أنهم المنبع الأصلي الذي تخرج منه هذه الكلمات قبل أن تغزو الجامعات والأحياء الراقية. وإذا كانت كل منطقة تشتهر بقاموس خاص بها، فإن بعض المصطلحات أصبح مشتركاً وتتحدث بها غالبية الشباب الجزائري، مثل مصطلح "حجرة" الذي يعني "مليون سنتيم"، ومصطلح "الحديدة" أي السيارة. بينما تبقى مصطلحات "دفرة" و"هوبلة" التي تعني تباعاً عشرة دنانير ومئتي دينار، حكراً على شباب العاصمة. واللافت أن مصطلحات الشارع التي يخترعها الشباب في الوقت الضائع تتغير بمرور الزمن حتى يصبح لكل جيل مصطلحات خاصة به. ومثال على ذلك مصطلح "شبرق" الذي يعني الشخص الذي لا يواكب عصره وسبقه في التسعينات مصطلح "كافي" للدلالة على المعنى نفسه. كذلك يعتبر مصطلح "زلة" الذي يعني الفتاة الجميلة هو الآخر اختراعاً جديداً، اختاره الشباب ليكون بديلاً لمصطلحات "بومبة" أو "شدة" أو "قريفة". وفي هذا الاطار، يطلق الشباب على فتيات الثانويات وحتى الجامعات اللواتي يحرصن على مواكبة الموضة اسم "البابيش" هذا المصطلح الذي ظهر خلال السنوات الأخيرة أصبح بديلاً لمصطلح "تشي تشي"، بعد أن كان شباب سنوات السبعينات يطلقون على جميلات ومراهقات جيلهم تسمية "زازو". ويؤكد خير الدين 25 عاماً أن الشباب الجزائري "أصبح يملك قاموساً خاصاً به، يصعب على الآخرين فهم مصطلحاته التي تعتبر مزيجاً بين كلمات من اللهجة الجزائرية وأخرى من اللغة الفرنسية وحتى الإنكليزية"، ويقول: "في الحقيقة أعترف بأن الكثير من المفردات التي أقولها بطريقة عفوية لا يفهمها والدي ، ما أصبح يخلق لي بعض المشكلات معه". ويضيف: "أتذكر في أحد الأيام رأيت في الحافلة مشهداً مضحكاً ومؤسفاً في الوقت نفسه، حيث ركب معي رجل متقدم في السن وكان شاب في العشرينات من عمره جالساً بجانبه. وبعد أن طلب الرجل من الشاب أن يغلق النافذة، فقال له الشاب "نعم يا موستاش؟" وهي كلمة فرنسية تعني الشنب، وبمجرد أن سمع الرجل هذه العبارة حتى جن جنونه وكاد يضرب الشاب لولا تدخل بقية المسافرين". ويحظى عالم السيارات ايضاً بنصيبه من اهتمام الشباب اللغوي، بدليل أنهم ما إن يظهر موديل سيارة جديد في السوق، يطلقون عليه اسماً يبقى مرتبطاً به لفترة طويلة. وتبقى السيارات الفخمة التي يعجز شباب الطبقات المتوسطة على اقتنائها من أكثر الموديلات التي تشتهر بمصطلحات غريبة، وخصوصاً سيارات "مرسيدس" التي يطلق على كل نوع منها مصطلح معين. فهناك "المرتاحة" و"الكاوكاوة" و"اللوزة". ويسمي الشباب سيارة "غولف من الطراز الرابع" ب"ربيعة"، كما يشتهر آخر موديل لسيارة "كليو" بمصطلح "دبزة" تعبيراً عن شكلها الدائري. وفرضت التطورات التي شهدتها البلاد ظهور مصطلحات جديدة تعكس الواقع المعاش. فبعد الانفتاح الذي شهده القطاع الاقتصادي في البلاد ، برزت طبقة جديدة من الأغنياء، وظهر معها مصطلح "البقارة" الذي يرتبط أساساً بفئة من الأشخاص الذين كانوا يسكنون في القرى والأرياف، وبعد أن جمعوا ثروات طائلة سواء من وراء الأعمال الزراعية، أو من خلال بيع الماشية و"الأبقار"، استقروا في العاصمة أو في بعض المدن الجزائرية الكبرى، وعادة ما يشتهرون بالتردد على الفنادق الفخمة والملاهي الليلية برفقة "البابيش". "ريهام" طالبة لغات في الجامعة المركزية في العاصمة، وتعتبر مثالاً للكثير من الشباب والشابات الذين يرفضون استخدام المصطلحات الجديدة، لأنها تعتبر أن هذا الاستخدام يساهم في تراجع اللهجة الجزائرية وتعقيدها أكثر بالنسبة الى الأجانب. وتقول بلغة المثقف: "من المؤسف أن هذه المصطلحات لا تمت بصلة الى اللغة العربية الأصيلة أو حتى الى اللغة الفرنسية السليمة"، وتضيف: "صحيح أن هناك عوامل عدة تسببت في أن تكون لهجتنا عبارة عن خليط بين العربية والفرنسية بحكم الاستعمار الفرنسي الذي ركز أساساً على غزو الجزائر ثقافياً، لكن الشيء الذي لا أفهمه هو لماذا يستخدم الجامعيون مصطلحات غريبة ليس لها أي معنى، وتصبح للأسف في مدة وجيزة هي الأكثر تداولاً في الحياة اليومية"؟