قال وزير الطاقة والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي، في كلمة القاها في مؤتمر الغاز في واشنطن ان التوقعات تشير الى ان كميات الغاز الطبيعي التي ستُكتشف ضمن "مبادرة الغاز" سيتم استهلاكها محلياً لتلبية الزيادة في احتياجات الاقتصاد السعودي من الطاقة واللقيم، وليس لدى الحكومة حالياً اي خطط لدخول سوق تصدير الغاز الطبيعي السائل. وشدد على "ان هذه الخطط قابلة للتغيير اذا اثمرت جهودنا وجهود شركائنا في ايجاد احتياطات كافية زائدة على حاجة السوق المحلية... وعندها سندرس جميع الاحتمالات، بما في ذلك تصدير الغاز الطبيعي السائل لما فيه مصلحة الاقتصاد السعودي". وأوجز النعيمي ما سيواجهه قطاع الطاقة، على مدى ال25 سنة المقبلة، من تحديات غير مسبوقة بالاسباب الاربعة الآتية: 1 - ضخامة كميات الطاقة التي ينبغي توفيرها للاسواق. اذ تشير توقعات وزارة الطاقة الاميركية الى ان الطلب الدولي على الطاقة سينمو من 404 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية عام 2001 الى 640 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية سنة 2025، اي بزيادة 236 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية او 58 في المئة من الحجم الحالي، وهذا يعني انه سيتوجب على منتجي الطاقة اكتشاف نحو ثلاثة آلاف كوادريليون وحدة حرارية بريطانية واستغلالها خلال هذه الفترة لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب على الطاقة ما يعني ان العالم سيكون بحلول سنة 2025 بحاجة الى اضافة خمسة عشر ملجأ للطاقة لكل منها طاقة الانتاج السعودية. 2 - وصول نسبة ملحوظة من احتياطات المواد الهيدروكربونية في العالم الى طور النضج وبلوغ بعض حقولها اوج انتاجه بل واتجاهها الآن للانحدار. ومع ذلك لا يساورنا شك في ان الاحتياطات ستظل كافية لتلبية مستويات الطلب المتوقعة في المستقبل. واحتياطات السعودية ومنطقة الخليج ضخمة ويمكن الاعتماد عليها للوفاء باحتياجات العالم المتزايدة من الطاقة. لكن مصاعب وتكاليف اكتشاف احتياطات جديدة وتطويرها ستزداد عما قبل، خصوصاً خارج منطقة الخليج العربي. ففرص اكتشاف حقول جديدة ضخمة للنفط والغاز اصبحت ضئيلة، واحتمالات ايجاد احتياطات غير مكتشفة اصبحت محصورة في حقول صغيرة في مناطق منعزلة. 3 - وجود عقبات كبيرة تقف دون توفير كميات معقولة وجديدة من الطاقة نظراً الى تنامي الاهتمام بالتأثيرات السلبية على البيئة الناشئة عن انتاج الطاقة واستهلاكها. واتخذ بعض الحكومات مواقف متشددة في هذا المجال، وبدأ بمنح معاملة تفضيلية لبعض مصادر الطاقة المميزة، وأخذ بعض الأنظمة يتحكم في اساليب واماكن انتاج الطاقة واستخدامها، ما يزيد من التحديات القائمة في وجه صناعة الطاقة. 4 - ضخامة الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتطوير هذا الكم الهائل من المصادر الجديدة للطاقة. وتُقدر وكالة الطاقة الدولية الاستثمارات الجديدة من عام 2001 الى سنة 2030 التي يحتاجها قطاع الطاقة عالمياً بنحو 16 تريليون دولار. لكننا مع ذلك نرى ان الاسواق المالية ستستجيب لهذه المتطلبات وتؤمن رؤوس الاموال الكافية لتطوير مصادر الطاقة المطلوبة. واشار الى ان الاسواق تفضل "الاستقرار ووضوح الرؤية المستقبلية" وبالتالي فإن تدفق الاستثمارات الرأسمالية على صناعة الطاقة بشكل مطرد، سيتوقف على مدى تحقق هذين العنصرين: الاستقرار والشفافية، واذا لم توفر الاسعار عائداً جيداً للمنتجين لن تكون هناك استثمارات وستزداد احتمالات نقص الامدادات في الاسواق وارتفاع الاسعار بشكل حاد. ومع استقرار تدفق الاستثمارات يكون طريق المستقبل معبداً وسهلاً، ومن دون الحوافز الملائمة تكون الطريق شائكة تؤدي الى اسواق تتأرجح في تقلبات مفاجئة بين الازدهار والتعثّر او الكساد. نقص امدادات الغاز الاميركية ولاحظ الوزير النعيمي ان سوق الغاز في الولاياتالمتحدة الاميركية، على مدى العامين الماضيين، كانت نموذجاً للصعوبات التي تواجهها صناعة الطاقة في سيرها نحو المستقبل، وشهد الطلب على الغاز الطبيعي ارتفاعاً مستمراً فيما كانت الاستثمارات غير كافية لمواكبة تلك الزيادة المطلوبة. وازدادت صعوبة الموازنة بين العرض والطلب المتزايد بسبب طبيعة احتياطات الغاز الاميركية التي وصلت حد النضج، مع عدم وجود امدادات بديلة جاهزة فوراً. ونتيجة لذلك حدثت حالات نقص في الامدادات وارتفاع في الاسعار كلما ازداد الطلب. وكان ما حدث في سوق الغاز الاميركية بمثابة انذار استرعى انتباه صناعة الطاقة وصنّاع القرار في العالم، بعدما ادركوا ان تلك المشكلة لم تكن عابرة كما ان بقاء الحال على ما هي عليه لم يعد هو الخيار المفضل في هذه الصناعة الحيوية. واعطى النعيمي امثلة على تشابه بين النفط والغاز الطبيعي، منها ان اكبر الاسواق المستهلكة لهما تقع في مناطق بعيدة جغرافياً عن اماكن الاحتياطات، وقال: "ان البعد الجغرافي النسبي لاحتياطات النفط لم يشكّل في السابق، عقبة كبيرة امام التحول الى موارد أبعد بسهولة نسبية، ذلك لأن الخصائص الطبيعية للنفط تسمح بنقله مسافات طويلة بشكل آمن وبكلفة زهيدة نسبياً". واضاف: "الامر مختلف بالنسبة الى الغاز الطبيعي، حيث شكّل بعد المسافة بين الاحتياطات والاسواق المستهلكة عائقاً كبيراً امام قدرة الغاز الطبيعي على الوصول الى تلك الاسواق، وهكذا تجزأت اوصال سوق الغاز الدولية من دون تواصل بين مختلف المناطق الجغرافية... وكان تطور اسواق الغاز مرتبطاً بتطوير الاحتياطات المحلية واستغلالها. وبذلك ظل مقدار كبير من مجموعة الاحتياطات الدولية للغاز الطبيعي غير مستغل نتيجة لارتفاع كلفة نقل الغاز الى الاسواق المستهلكة". ولاحظ ان الوضع تغيّر اذ ارتفعت اسعار الغاز في الولاياتالمتحدة الاميركية كرد فعل لتدني قاعدة الاحتياطات التقليدية، فيما خفض التطور التقني تكاليف نقل الغاز لمسافات بعيدة، كما ان الدول ذات الاحتياطات الكبيرة من الغاز اخذت مدفوعة بتوقعات العائدات المجزية بتطوير عدد من المشاريع لنقل الغاز الطبيعي السائل الى الولاياتالمتحدة الاميركية، لذلك يبدو ان التجارة العالمية في الغاز الطبيعي ستشهد، بكل تأكيد، نمواً وازدهاراً. ورأى ان اسواق النفط تمتاز على اسواق الغاز من حيث وجود طاقات انتاج احتياط يمكن استخدامها للمحافظة على مستوى معقول للاسعار والموازنة بين العرض والطلب. الطاقة الاحتياط وقال "من طبيعة اسواق السلع، بمختلف انواعها ان تمر بحالات يرتفع فيها الطلب وتضطرب الامدادات، وليست اسواق النفط بمنأى عن مثل هذه المفاجآت. واذا ما تُركت السوق من دون ضوابط ستكون عرضة لتقلبات مفرطة في الاسعار ولنقص حاد في الامدادات وبالتالي فانها ستعاني من عدم الاستقرار. ونحن في السعودية على اقتناع راسخ بأن من مصلحة المستهلكين والمنتجين والقطاعات الصناعية والاقتصاد الدولي كافة، المحافظة على استقرار اسواق النفط وثباتها لذلك نحرص على المحافظة على طاقة احتياط انتاجية يمكننا اللجوء اليها اذا ما دعت الحاجة الى امدادات اضافية". تعاون "اوبك" مع المنتجين من خارجها "وفي حين ان الطاقة الانتاجية الاحتياط للسعودية عنصر ضروري للمحافظة على استقرار اسواق النفط فانها ليست كافية وحدها لتحقيق اهدافنا. ولتحقيق مزيد من الاستقرار نرى ان علينا التعاون، بشكل وثيق، مع المنتجين من داخل "اوبك" وخارجها، لا لضمان عدم اغراق الاسواق فحسب بل لتوفير امدادات اضافية عند الحاجة اليها ايضاً. وكان لهذا المزيج الحيوي، او الحفاظ على الطاقة الاحتياط والتعاون بين المنتجين اثر بالغ في استقرار السوق. ولعل ما حدث مطلع السنة خير مثال على ذلك، فقد واجهنا ست ازمات مختلفة الاولى في فنزويلا، حيث انخفض انتاج النفط، نتيجة للاضطرابات السياسية، من ثلاثة ملايين برميل الى ما يقارب مليون برميل يومياً. والثانية هي الارتفاع الحاد المفاجئ في الطلب في الشتاء الماضي نتيجة لاشتداد برودة الطقس في نصف الكرة الشمالي اكثر من المستويات المعهودة. والثالثة ازمة الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة التي سببت نقصاً في الامدادات وقفزة جنونية للاسعار وتزايداً في الطلب على النفط لإحلاله محل الغاز الطبيعي. والرابعة مشاكل صناعة الطاقة النووية في اليابان حيث نتج عنها ارتفاع كبير في استيراد النفط. والخامسة انخفاض انتاج النفط في نيجيريا بنسبة 40 في المئة بسبب الاضطرابات السياسية واخيراً، توقف انتاج العراق البالغ مليونين ونصف مليون برميل يومياً بسبب الحرب. وعلى رغم كل هذه الأزمات لم تحدث سنة 2003 مشكلة نقص في امدادات النفط، بفضل الاجراءات التصحيحية السريعة التي اتخذتها "اوبك" بمساهمة وتعاون كبيرين من جانب السعودية. ونحن نتوق ان يكون دور منظمة "اوبك" عموماً، ودور السعودية خصوصاً، في الحيلولة دون حدوث ازمة كبيرة في الامدادات، موضع تقدير جميع المستهلكين". شراكات عمل وتُنبىء مؤشرات النمو هذه الى ازدياد الطلب المؤكد على الغاز. وبالفعل، فإن احدث استراتيجية للغاز في السعودية تتوقع ان يتجاوز الطلب المحلي على الغاز 12 بليون قدم مكعبة يومياً بحلول سنة 2025. ومع هذا الارتفاع السريع في الطلب على الغاز بالاضافة الى وجود البنية الاساس الشاملة للغاز المتمثلة في شبكة الغاز الرئيسة تكون الظروف مهيأة اقتصادياً لزيادة امدادات الغاز الطبيعي لجميع انحاء المملكة. ولتحقيق نظرتنا الطموحة في تطوير ثروة الغاز الطبيعي دعت السعودية الشركات الاجنبية الى الاشتراك في هذا الجهد الواعد، وما من شك في ان هذه الخطوة التاريخية، التي تفتح امام الاستثمارات الاجنبية المباشرة آفاق العمل في قطاع التنقيب عن الغاز الطبيعي وانتاجه، دلالة واضحة على التزام المملكة ببناء شراكات عمل طويلة المدى ومفيدة للمملكة وللشركات الاجنبية المستثمرة على حد سواء.