قرأت مقالة الكاتب سامي شورش "الحياة" في 29 رمضان 1424 الموافق 24 تشرين الثاني / نوفمبر. والكاتب يفصّل الأمور في الديموغرافية العراقية المعقدة على شكل سوالف حكايات قد تحكى في المقاهي بين العاطلين من العمل، وعشاق القهوة والشاي. فمن المجحف في حق الشعب العراقي، أكراداً وعرباً من سنة وشيعة وحق إخواننا من الطوائف الأخرى، ان نختزل ما يسمى بالمقاومة بالطائفة السنية، بل هناك كثير من الشيعة مثلاً من يقاوم، على اختلاف الأساليب. وتعليل المقاومة السنية أنها وقعت لأن هذه الطائفة في أول طائفة الخاسرين، يثير الاستغراب من أي عراقي. وأرجو ان يذكر لنا الاستاذ شورش من هم آخر الخاسرين، إن كان العرب السنة أولهم؟ إن الأكراد يستقبلون القوات الأميركية بفرح ظناً منهم أنهم جاؤوا ليحلوا العدل والمساواة بين الطوائف، والديموقراطية. ويتناسون عمداً ان القوات الأميركية لم تأت إلا لمصالحها الذاتية، غير مبالية لا بكردي ولا غير كردي، وأود هنا ان أبرئ الشيعة مما ذكره الاستاذ شورش من انهم مضطرون الى حسابات ايرانية إسلامية، لذا فهم يفرحون فرحاً خفياً، وما كان لشيعة العراق أن يفرحوا باحتلال بلدهم، ولكن شأنهم شأن كل العراقيين، فهم فرحون بسقوط صدام. كعراقيين، على اختلاف طوائفنا، يجب علينا ان نعمم فكرة العراق الواحد، والمواطن العراقي الواحد، بكرده وعربه وغيرهم. وإن فكرة ان السنة العرب كما سماهم في المقال لا يريدون خروج القوات الأميركية، لأنهم سيكونون في مقدمة الخاسرين من جديد، فأسألك: بالله عليك، ألا ترى تناقضاً في طرحك؟. فتارة تقول ان العرب السنة خسروا بسقوط صدام، وتارة تقول انهم يقاومون من أجل الحفاظ على وجودهم، وتارة تقول انهم لا يريدون خروج القوات الأميركية لأنهم سيكونون في مقدمة الخاسرين. وهذا تكريس يكاد يكون مبرمجاً لزرع الفرقة بين العراقيين! قال شورش في مقالته ان العرب السنة كانوا مسيطرين على العراق "بشكل مطلق". وانهم تعموا بامتيازات سياسية واقتصادية وعسكرية. وأعتقد ان الاستاذ شورش يتناسى ان طه ياسين رمضان، نائب صدام، كردي، وان طارق عزيز مسيحي، ومحمد حمزه الزبيدي شيعي. وهناك كثير من غير العرب السنة، استفادوا بشكل فاحش من النظام السابق. ولعلي اذكر من مدينة الموصل التي انتمي اليها، بكل فخر، السيد أرشد الزيباري، وهو كردي وكان يلقب بالمستشار، وقد كان برتبة وزير في النظام السابق. وكان المذكور يجند من كانوا يسمون الفرسان، وكان رجل أعمال بالبلايين، لطيف الزيباري أيضاً، وعائلة السوره جي، وغيرهم. وكان الشاب العراقي العربي يؤخذ الجبهات، إبان حرب الخليج الأولى ليعاد الى امه مقتولاً، بينما كان الشاب الكردي يسجل نفسه فيما كان يسمى "أفواج الفرسان" عند هؤلاء المستشارين، ولا يحتاج لأداء الخدمة العسكرية، ويأخذ راتبه ويستغله هو والمستشارين المتخمون "وعلى هالرنه طحينج ناعم"، كما يقول المثل العراقي. أما أسباب الاستقرار النسبي في المنطقة الكردية، والمناطق الشيعية، فيعود الى وجود تنظيمات في هذه المناطق قبل سقوط صدام بسنين طويلة. وعدم استقرارها في مناطق العرب السنة يعود الى عوامل كثيرة، منها غياب تنظيمات ذات خبرة في هذه المناطق، لأنهم لم يحصلوا على فرصة الأكراد والشيعة في السنوات السابقة، ولنزوح غير أهل مدنهم اليها مثل اجتياح الأكراد، فور سقوط النظام، للموصل وكركوك حيث عاث الاخوان الاكراد، مع الأسف، من اتباع الاحزاب والجماعات في الأرض فساداً. ولهذا الحديث بقية. ألا ترى، يا استاذ شورش، ان أفكارك تخدم كل الأطراف عدا العراقيين. وتخدم دولاً كثيرة الا العراق. ألا ترى ان على المثقفين والكتّاب العراقيين، في هذا الوقت، ان يلعبوا دور الأداة الموحدة للشعب العراقي، والدعوة الى نبذ الفرقة والطائفية لأنها لا تخدم العراق الجديد، ولا أي طائفة من طوائفه. إن الشيعة لا يرضون بما تدعو أنت وأمثالك اليه، لأنهم عاشوا مع السنة في وطن واحد، كما انهم لا يرضون فكرة التفرقة مع الاكراد والطوائف الأخرى. وأخشى ان يكون الاكراد مروجين لأفكار الفرقة بعد سقوط نظرية العداء بين السنة والشيعة العرب. وهذا ما أثبتته الأيام. ولعل هذا ما دعا الفصائل الكردية الى الاسراع في محاولة ابرام تحالف مع الشيعة، وهو وشيك بحسب وصفك. وعندما كان أحد الصحابة ينادي يا معشر المهاجرين، والآخر ينادي يا معشر الأنصار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنه". صدق رسول الله. ألمانيا - هاني صلاح آل بليش مدير مكتب مجلة الطب البديل