صدر أخيراً كتاب The Oath: A Surgeon Under Fire لمؤلفه الطبيب الجراح حسن باييف بمعاونة روث ونيكولاس دانيلوف، عن دار النشر Walker Publishing في نيويورك. والجراح الشيشاني حسن باييف سبق أن عينته منظمة Human Rights Watch عام 2000 واحداً من أربعة مراقبين لحقوق الإنسان في العالم باعتبارهم دافعوا عن العدالة في بلدانهم، ومنحته الولاياتالمتحدة حق اللجوء السياسي منذ عام 2000، نال بطولة رياضة الجودو في الاتحاد السوفياتي السابق، ومارس الطب ملتزماً قسمه الانساني وأجرى جراحات خلال الحرب الشيشانية - الروسية. وبين الوجه الإنساني لعمل الطبيب والواجب القومي تدور جدلية هذا الكتاب ليفيد في النهاية أن القضايا العادلة لا ينفصم بعدها القومي عن بعدها الإنساني. يتحدث الدكتور باييف في الجزء الأول من كتابه عن طفولته متذكراً حكايا والده الذي لم تشفع له مشاركته في "الحرب الوطنية العظمى" - كما كان السوفيات يسمون الحرب العالمية الثانية -، ولا الأوسمة التي نالها جراء تلك المشاركة، من ألاَّ ينفى مع شعبه الشيشاني الى كازاخستان على يد ستالين بتهمة التعاون مع ألمانيا النازية، لينشأ الطفل وهو مدرك أن جرح شعبه غائر. ويروي بعد ذلك وجوهاً من تقاليد الشيشان وعاداتهم ليعرج إلى الحديث عن دراسته الطب في إقليم المجاور "كراسنودار"، كما يتحدث عن ترشيحه ليمثل الاتحاد السوفياتي في مباريات الجودو بعد أن أحرز المركز الأول في منافسات أولية، إلا أن رفضه التعاون مع جهاز KGB ضد زملائه في الفريق حرمه من المشاركة في المباريات الدولية. ويروي كيف أن البعض سعى الى عرقلة دراسته الطب حيث كانت تعد، إلى حد ما، في فترة الحكم السوفياتي، من "المهن" الروسية. إلا أنه درس الطب بمعاونة ألقابه الرياضية، بتخصص الأسنان والجراحة، ما سيدفعه إلى التخصص في الجراحة التجميلية عملياً بفعل الحرب. ترك باييف عمله في موسكو، على رغم ما كان يحققه من تقدم، مالياً واجتماعياً، وعاد إلى الشيشان وبدأ العمل فيها قبل اندلاع الحرب الشيشانية - الروسية الأولى في مجال الجراحة التجميلية وأصبح مشهوراً. إلا أن الحرب دفعته إلى العمل في المستشفى العام في غروزني ليعالج الجرحى والمتضررين من الحرب، ويروي في الكتاب كيف كان يعالج الشيشان والجنود الروس على حد سواء لأنه التزم في قسم "ابقراط". ويتناول تفاصيل مجزرة ساماشكي من 7 الى 9 نيسان أبريل 1995 حينما قامت القوات الروسية بمسح كل القرية من شيوخ، ونساء، وأطفال، ويروي كذلك حوادث الاغتصاب التي جرت، ويشبه تلك العملية بأنها أقرب إلى فعل العصابات المنظمة منها إلى جيش نظامي يفترض فيه احترام القوانين والأعراف الدولية. ويروي في هذا السياق ما عاناه هو وطائفة من الممرضات في قريته "الخان كالا" حيث افتتحوا مستشفى بمساعدة الأهالي، بعد تدمير القوات الروسية المستشفى العام في غروزني. ويورد كيفية المضايقات التي تعرض لها في نقاط التفتيش الروسية حتى تعرفه يوماً على ثلاثة جنود من "كراسنودار" إقليم دراسته، ويشير إلى اولئك الجنود بأنهم صغار السن، وغير مدربين على عكس الجنود "المرتزقة" كونتراكتي Kontrakty أولئك الذين يوقعون عقوداً مع الجيش الروسي ويرسلون إلى الشيشان. عالج باييف أثناء الحرب القائد الشيشاني الميداني سلمان راديوف وساعده طبيب روسي كان أسيراً لدى الشيشان اسمه ساشا الذي كان الشيشانيون يريدون استبداله بشقيق لأحد القادة الميدانيين الشيشانيين ما لبث أن قتل في الأسر، ما دفع الشيشانيين إلى المطالبة بقتل هذا الطبيب الروسي ثأراً، لكن ساشا كان يعمل نهاراً في المستشفى ويعود إلى معتقله ليلاً لأنه لا يرى علاقة للطب بأطراف الحروب. وأخيراً اضطر حسن باييف إلى تهريب ساشا الى مواقع القوات الروسية، وبهذا أصبح باييف في عرف بعض المتشددين الشيشانيين "خائناً"، وفي عرف القوات الروسية - حكماً - "طبيب الإرهابيين". واعتقلت القوات الروسية باييف لاحقاً وكاد يقتل إلا أنه انقذ صدفة بأن أطلقه أحد الجنرالات. يروي باييف أنه أثناء تدربه في أحد المستشفيات الروسية دعي الى إجراء جراحة لأحد الجنود الروس، فنصحه صديق بعدم ذكر أنه شيشاني بسبب البيئة العنصرية المتزايدة، إلا أنه بعدما نجحت العملية قال انه شيشاني. مع بداية الحرب الثانية بين الشيشان وروسيا وإعادة فتحه المستشفى في "الخان كالا" بمساعدة الأهالي مرة أخرى، يذكر قصته مع عربي بارييف القائد الميداني الذي عرف بالقسوة، واتهم بحوادث خطف قبل أن يقتل منتصف عام 2001، وهو يعتبر بارييف مجرماً. ويشير إلى فرضية يتداولها كثرة من الشيشانيين بأنه متعاون مع الأجهزة الاستخبارية الروسية. ويروي كيف ان بارييف حاصره وطاقمه في المستشفى في "الخان كالا" ويقبض علىه ويقدمه الى "محكمة شرعية" تحكم بقتله لأنه "متواطئ مع الروس"، إلا أن اندلاع القتال وجلب جرحى ومتضررين من مقاتلي بارييف يدفع الطبيب المحكوم عليه الى اجراء جراحات مستعجلة، لكن بارييف يتوعد بإعدامه لاحقاً ويضطر لمغادرة المستشفى. مع مطلع عام 2000 انسحب المقاتلون الشيشان من غروزني بسبب الألغام الأرضية التي نصبتها القوات الروسية، فأصيب القائد الشيشاني شامل باساييف، فأحضر مع مقاتلين إلى المستشفى الذي يديره حسن باييف، وكان "باساييف" ثاني من عولج وكان قد فقد 50 في المئة من دمه، وكان، في رأي الطبيب، سيفقد حياته خلال نصف ساعة، وعلى رغم ذلك فإن باساييف كان مصراً على معالجة صغار السن أولاً لأنهم أولى منه بالعلاج. وقد بتر الطبيب الشيشاني قدم "باساييف"، ويشير الى أنه في تلك الأيام الثلاثة أجرى 67 جراحة بتر و7 جراحات تجميل. وبعد ذلك اعتقله الجنود الروس ونجا منهم بمساعدة الأهالي، خصوصاً النساء الشيشانيات اللواتي تظاهرن أمام مقر القوات الروسية، وأصبح بذلك مطلوباً في كل الشيشان، من القوات الروسية ومن بعض المتشددين أمثال عربي بارييف، وهو الأمر الذي دفع ضابطاً انغوشياً في جهاز FSB الاستخبارات الروسية اسمه رسلان، إلى مساعدته، فقام بتهريبه إلى أنغوشيا المجاورة، وقد قتل رسلان بعدها مع زوجته وألقى الروس جثتيهما في الشيشان بهدف أن يكونا عبرة. ومن انغوشيا وبمساعدة المنظمات الانسانية، استطاع الطبيب الشيشاني الهرب إلى الولاياتالمتحدة. في ختام كتابه يستذكر باييف بلاده ويصمم على العودة اليها ويتحدث عن حالته الجديدة وأسرته في الولاياتالمتحدة، ويشير إلى أن جهاز الأمن العام الروسي، وعبر اصدقاء، طلب منه، أثناء حادثة احتجاز المسرح في موسكو في تشرين الأول أكتوبر والتي نفذها مقاتلون شيشان، بالتوسط لحل الأزمة، فقام بالاتصال بعد أن أخذ ضمانات من الشرطة الروسية، بعدم اتهامه بدعم الإرهاب، وحاول الطلب من موسر بارييف قائد العملية تحرير المدنيين، إلا أن وساطته لم تنجح بسبب الحل الدموي الذي لجأت إليه القوات الروسية. * كاتب وباحث أردني مقيم في جدة.