سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مونديال الشباب في الإمارات ... خطوة نحو المستقبل - الانجازات الكروية وليدة التحولات الاستراتيجية وليس الصدف والحظ . تألق الامارات يقرب الاحلام من الواقع
اوجد تألق المنتخب الإماراتي في مشواره الاستثنائي في مونديال الشباب القناعة الرسمية والشعبية الراسخة بقدرة الارتقاء من قاع الدول المنسية في كرة القدم الى مصاف النخبة الكروية المؤثرة آسيوياً. وإمتزجت هذا القناعة بشحنة عواطف اقتربت من الأحلام اكثر من الواقع المقترن بإحتلال هذا المنتخب المركز 90 في التصنيف العالمي للمنتخبات والصادر من الاتحاد الدولي فيفا، واستمرار عيشه على امجاد تأهله السابق الوحيد الى نهائيات المونديال عام 1990 في ايطاليا 1990، في حين ان ضعف عدد السكان وبالتالي عدد المنتسبين الى الاندية الكروية والذي لا يتجاوز ال30 ألفاً في أفضل الحالات يحتّم عدم ارتفاع سقف الطموحات... ولعل توالي مؤشرات جيدة في سماء الكرة الإماراتية مع بداية الألفية الجديدة أبرزها تتويج نادي العين بلقب دوري أبطال آسيا، وعبور منتخبها الى نهائيات كأس آسيا التالية في الصين والأداء الاستثنائي لشبابها في المونديال وبروز مواهب جديدة، يعكس حال النهوض الكروي في هذا البلد ويسمح بمعانقة أجمل الأحلام في المستقبل... واذا أضيف الجدل القائم والزخم الفكري الذي شغل قادة الرأي العام الرياضي وجماهيره حول كيفية توظيف هذه الانجازات في بناء الأسس الجديدة للنهضة الكروية المنشودة، والذي تجسد تحديداً في مؤتمر "واقع الرياضة الاماراتية" والذي إنعقد اخيراً، ندرك رغبة قوية رسمية وشعبية في أن تتخطى كرة القدم ابعاد الارتباط بالمجتمع الى التعبير عن نهضتها التنموية والحضارية وصورة انخراطها في الحداثة، كما جاء في تعريف الرياضة في القانون الاتحادي الحامل رقم 12 و25 المؤرخ في منتصف السبعينات. لا شك في أن أولى اسئلة التقدم يطرح حول اسباب التأخر الذاتي في مقابل تطور الآخرين... وهنا نفهم تباين تجارب الجيران الخليجيين في سعيهم للنهوض بواقعهم الكروي وحساسية الأخذ بأسباب نجاح الجار ذي القربى، في حين لا يمكن في اي حال من الاحوال مقارنة التجربتين الآسيويتين المتألقتين في كوريا الجنوبيةواليابان وتجربة الكرة الإماراتية الناشئة من حيث التراكم التاريخي والرصيد الكروي والعقلية الادارية اذ لا معنى للاستنساخ في عالم كرة القدم. ولكن حجم الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الامارات، ووجود نسيج قوي من المؤسسات المحلية والعالمية المتنبهة لأهمية كرة القدم وأنديتها كجسر حيوي لتعزيز صورتها لدى الجمهور، ربما مثلت القاعدة المالية الملحة للاقتباس من النموذجين الكوري والياباني في تحقيق حداثتها الكروية. "حنين" الهواية طوى العالم صنعة الهواية بذكرياتها الجميلة منذ نهاية السبعينات، وشكلت دورة الألعاب الأولمبية عام 1988 في سيول قاعدة ارتكاز النهضة الحديثة في كورية الجنوبية، وحكومتها التي تبنت شعار "دولة قائمة على الرياضة". وفي السياق ذاته، مثلت هزيمة المنتخب الياباني أمام جاره الكوري الجنوبي في تصفيات مونديال المكسيك عام 1986 جرحاً عميقاً في نفوس اليابانيين وشعورهم القومي، لكنهم لم يقفوا للبكاء على الأطلال وقادهم بحثهم الطويل عن الفارق الذي يفصلهم عن اخوتهم - الأعداء الى أدراك أن العقد الزمني الفاصل بين الكرتين يكمن في ان الدولة الكورية حسمت موضوع اعتبار الرياضة جزءاً من صورتها الخارجية في العالم، وفي إلتزام المؤسسات الاقتصادية المحلية باستحقاقات المرحلة الجديدة عبر تبني الأندية والانخراط في لعبة كرة القدم... واللافت ان اليابان أجرت ثورة "قانونية" عشية مونديال المكسيك، وعدلت تشريعاتها الكروية لتتلاءم مع عهد الاحتراف، ما ادى الى تخلي المؤسسات الاقتصادية عن ترددها في الدخول الى هذا العالم الجديد، في حين اسقطت ذهنيتها المنتصرة لتراثها الرياضي الخاص وهويتها واستعانت بالخبرات الأجنبية واهمها المدرب الفرنسي فيليب تروسييه الذي قاد منتخبها في المونديال السابق من اجل ان يتعلم ابناؤها ثقافة الأوروبيين المتقدمين كروياً... لن نقارن ما بين سرعة الاستجابة العربية للتحديات بنظيرتها الكورية أو اليابانية، اذ يعلم الجميع الاختلاف الثقافي في قيمة العمل والتنظيم بين شعوب آسيا... ولعل الأفكار التي طرحتها القيادة السياسية والرياضة الاماراتية اخيراً على صعيد اعتبار كرة القدم رمزاً لحداثة الأمة الناشئة ودعمها بالاحتراف الكامل والانتقال من مرحلة الاعتماد على الاشخاص الى المؤسسات، ومن نظام التعيين الى الانتخاب وتفهماً لمتطلبات وجود الأجانب والتجنيس، تشكل مؤشراً جيداً لتحولات عميقة في استراتيجية الدولة ورؤيتها. ان الانجازات الكروية الإماراتية الأخيرة لم تكن وليد الصدفة وحسن الطالع والحظ... وهي تؤسس لنموذج كروي يعكس سعي عربي حقيقي للافادة من التجارب الناجحة والإبداع