سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زيارة الى منازل اعضاء "شبكة التخريب" في شمال لبنان ولقاءات بأهاليهم . بيئة الفتاوى التكفيرية في باب التبانة تتسع وتتحول الى منطقة موردة ل"الجهاد" 1 من 2
مقتطفات من القرار الظني الذي سطره القاضي اللبناني رياض طليع بحق مجموعة متطرفة لبنانية قامت بتفجير مطعم الماكدونالدز في بيروت: أقدم في طرابلس وجونيه والدورة وخارجها وبتواريخ مختلفة لم يمر عليها الزمن المدعى عليهم ال47 جميعاً على الانتماء الى جمعية إرهابية بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال. كما أقدم المدعى عليهم الثمانية عشرة الأول على القيام بأعمال إرهابية وارتكاب أعمال تفجير بواسطة المتفجرات والمواد المتفجرة طاولت مطاعم الماكدونالدز والبيتزا هات والوينرز والKFC وسوبرماركت سبينس في طرابلس وجونيه والدورة والمعاملتين بقصد قتل الموظفين والزبائن والمارة ما أدي الى جرح بعض الأشخاص وايذائهم وإحداث أضرار جسيمة بالمطاعم والسوبرماركت المنوه عنها أعلاه. وأقدم الباقون على التحريض على القيام بهذه الأعمال والجرائم. وفي الوقائع: الساعة 34،16 من يوم 5/4/2003، باحة موقف مطعم الماكدونالدز في محلة البوشرية اوتوستراد الدورة نهر الموت، انفجار خافت يصدر من داخل سيارة رينو /18/ لون ذهبي يسفر عن تحطم زجاجها الخلفي وتصاعد خط دخان أبيض من السيارة، يخرج أغلب موظفي ورواد المطعم الى باحة الموقف لمعرفة ما يجري. الساعة 36،12 وبعد دقيقتين من الانفجار الأول انفجار آخر قوي يدّوي داخل حمام المطعم ويؤدي الى تطاير الزجاج وانهيار السقف المستعار والنتيجة سقوط أربعة جرحى وإصابة المطعم بأضرار مادية مختلفة. وتبين ان سيارة الرينو /18/ كانت مجهزة ب/65/ كيلوغرام من المواد المتفجرة موصولة بثلاث قوارير من غاز المكيفات ومعدة للتفجير إلا أنها لم تنفجر بسبب عطل طرأ عليها. توصلت الأجهزة الأمنية الى طرف الخيط وهو الشخص الذي اشترى السيارة في نهاية المطاف ويلقب "أبو الدشم" وتعرفت الأجهزة الأمنية على أبو الدشم انه المدعى عليه الأساسي والعقل المخطط للتفجيرات، خالد محمد علي، وتمت مطاردته وتعقبه الى أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه في طرابلس بتاريخ 3/5/2003 وبحوزته حزام ناسف موضوع على وسطه ومسدس توغاريف. 1 - التحضير: تبين انه في الشهر الثاني من عام 2003 طلب المدعى عليه محمد كعكة، وهو أمير الجماعة من خالد علي تفجير مطعم ماكدونالدز - الدورة بناء لأوامر تلقاها من ابن الشهيد اليمني الجنسية الموجود داخل مخيم عين الحلوة والمرتبط بتنظيم القاعدة. ولتنفيذ ذلك توجه خالد علي أبو الدشم مع محمد طه أبو تراب الى مخيم عين الحلوة وأخذ مبلغ /500/ د. أ. من ابن الشهيد للبدء بالإعداد للعملية وعادا الى طرابلس حيث توجها الى معرض شاكر واشترى سيارة رينو /18/ موديل 1980 لون ذهبي بمبلغ /350/ د. أ. وتوجه بها الى محل حدادة في التبانة لصاحبه المدعى عليه حسين القرحاني الذي قام بحدادة باب السائق والرفراف الخلفي للسيارة من دون أن يعلم غاية محمد من استعمال السيارة في عملية تفجير بحسب زعمه ودون أن يتقاضى أجراً عن ذلك ثم أخذ - خالد علي - السيارة الى المدعى عليه خالد عبدالقادر الملقب أبو طابه ويعمل دهان سيارات وقام الأخير بدهنها له مقابل مبلغ /50/ د. أ. وكان محمد علي قد كلف المدعى عليه وسام المغربي الملقب "بالأسمر" أن يؤمّن له عسكري للمشاركة بعملية التفجير وكذلك الأمر من المدعى عليه عبدالإله الجاسم الملقب "أبو عبيدة" فقام الأسمر - وسام المغربي بتجنيد أحد المجندين هو المدعى عليه وليد عمرية "أبو أنس" كما قام خالد علي بنفسه بتدبير العسكري الثاني وهو المدعى عليه لقمان كعكة الملقب "أبو الفداء" ووافق المجندين على المشاركة في العملية بدافع جهادي كما أفهما. وتبين ان خالد علي طلب تمويل اضافي من ابن الشهيد فأرسل له الأخير مبلغ /200/ د.أ. من مخيم عين الحلوة مع المدعى عليه أبو ابراهيم مجهول الهوية والذي عمل كصلة وصل بين خالد علي وابن الشهيد. واستمرت تحضيرات المجموعة للعملية بكثافة وتركيز أكبر، وطلب محمد علي من المدعى عليه محمود حمود تأمين /5/ قوارين فارغة عائدة لغاز المكيفات بهدف تعبئتها من مادة المازوت ووضعها داخل سيارة الرينو المفخخة لتأمين قوة اشتعال هائلة تقضي على كامل أجزاء السيارة منعاً للتعرف عليها، فأمن محمود حمود هذه القوارير ونقلها خالد علي الى مكان وجود سيارة الرينو ا لمخبأة في موقع غير ظاهر في منطقة التبانة قرب مدرسة دار السلام ووضعها في صندوقها الخلفي... 2 - التنفيذ: ... انطلقت السيارتان الهوندا بقيادة محمد طه وبرفقته نعمان كعكة والرينو/18/ المفخخة بقيادة خالد علي يرافق وليد عمرية وسيارة الهوندا في المقدمة لتأمين الطريق من أية حواجز أمنية ولدى وصول السيارتين الى محلة القلمون سلكتا طريقاً فرعياً وتوقفتا تحت جسر حيث قام المجندان بتغيير ملابسهم المدنية وارتداء الزي العسكري ثم تابعا سيرهما باتجاه محلة الدورة وتوقفت السيارتان قرب جسر الدورة حيث ترجل خالد علي - أبو الدشم من سيارة الرينو /18/ المفخخة التي قادها المجند وليد عمرية "أبو أنس" وجلس بجانبه لقمان كعكة "أبو الفداء" وانطلقا باتجاه المطعم خلف سيارة الهوندا التي يقودها محمد طه "أبو تراب" بينما بقي خالد علي بانتظارهما تحت الجسر، بحجة أن لحيته طويلة ومن الممكن أن يثير الشبهات، وبعد دخول موقف المطعم ركن محمد طه سيارة الهوندا على طريق الخروج من الجهة الشرقية بينما ركنت سيارة الرينو ما بين مطعم الماكدونالدز ومعمل شركة بيرة الماسة المحاذي لخزانات المحروقات العائدة للشركة بغية احداث أكبر ضرر ممكن. حيث قام لقمان كعكة بوصل الصواعق وتشغيل العبوات بعد أن تم ضبط توقيت الانفجار بعد /45/ دقيقة من وقت ضبط الساعة وتشغيلها وكانت الساعة وقتها حوالى الرابعة من بعد الظهر من نهار السبت وهو الوقت الذي يشهد ازدحام سير خانق في منطقة الدورة وخصوصاص على الطريق العام قرب مطعم ماكدونالدز. دخل بعدها محمد طه المطعم بمفرده تبعه بعدها المجندان عمرية وكعكة وكان الأخير يحمل في جيب السترة العسكرية عبوة ناسفة بزنة حوالى اربعماية غرام من مادة TNT بداخلها صاعق توقيت ويتم تفجيرها بجهاز تحكم ذاتي بعد أن تم ضبط توقيت الانفجار بعد /35/ دقيقة من وقت ضبط الساعة وتشغيلها... ولكن عناية إلهية وخللاً بسيطاً ناتج عن عدم تثبيت أحد الصواعد الأربعة، وهو الصاعق الوحيد الصغير داخل الحشوة المتفجرة، بشكل جيد أدى الى انفجار الصاعق الصغير الأول. وبعد انفجاره واحداثه دوياً بسيطاً وخافتاً وتحطم زجاج السيارة الخلفي نتيجة لذلك خرج المتواجدون داخل المطعم الى الخارة لتقصي الأمر فانفجرات العبوة زنة /400/ غرام داخل حمام المطعم ما أدى الى أضرار مادية في المطعم وإصابة أربعة أشخاص بجروح طفيفة كانوا داخل المطعم لم يسمعوا انفجار الصاعق في السيارة. حين طرقنا باب منزلها في منطقة باب التبانة في مدينة طرابلس شمال لبنان، كانت ام جمال مستلقية على مقعد غرفة الجلوس في منزلها، تستريح بعد افطارها مع اولادها الستة، وكان التلفزيون يرسل صوت الممثلة المصرية يسرا التي يواظب سكان المدن اللبنانية على متابعة مسلسلها الدرامي الرمضاني. هواء المنزل ما زال مشحوناً بروائح المائدة، والطفلة التي فتحت الباب قالت انهم لا يرغبون في الحديث عن شقيقهم الموقوف والمتهم الرئيسي بقضية تفجيرات المطاعم الأميركية في بيروت، لكن الوالدة نهضت من على مقعدها بتثاقل وزجرت ابنتها ووقفت على الباب قائلة ان خالداً ليس ابنها وهي متبرئة منه منذ سنوات طويلة، وبعد وقت قصير انتبهت الوالدة انها تتحدث على الباب، فدعتنا الى الدخول واستدعت بناتها الجالسات في الغرفة الداخلية التي بدت وحيدة في المنزل. انها ام جمال او "ام الدشم" كما يسميها سكان باب التبانة، والدة خالد العلي احد "امراء" الجماعة التي وقفت وراء تفجيرات عدة وقعت في مناطق مختلفة من لبنان. وخالد هو بكرها ولكنها تفضل بأن تنادى ب"أم جمال" شقيقه الأصغر بعدما وقف خالد في المحكمة قبل عشر سنوات وكيلاً عن والده في قضية طلاق والديه. المنزل يقع على الشارع الذي يفصل باب التبانة عن منطقة بعل محسن. انه تماماً في محاذاة خط التماس السابق الذي كان يفصل في ثمانينات القرن الفائت بين حركة التوحيد الاسلامي المتمركزة في باب التبانة آنذاك والحزب العربي الديموقراطي الموالي لسورية. السلم المفضي الى المنزل شديد التآكل والاهتراء. انها حال المبنى كله الذي وفور مباشرتك صعوده تبدأ بتحسس ازمنة حديثة عاصرها المبنى وتركت على جدرانه الداخلية روائح وعلامات. ففي المبنى شيء من الذي جرى في باب التبانة، قد يكون تحول المدخل من الطريق العام الى طريق فرعي مثلاً عبر فتح كوة في الجدار وتحويل السلم اليها، في احدى جولات الحرب الماضية، لكن السكان لم يصححوا ما اقدموا عليه على رغم انتهاء الحرب. علماً ان هذه الحرب ما زالت مقيمة في الكثير من مشاهد باب التبانة، وفي اساليب عيش اهلها وتبادلاتهم. "ام الدشم"، يعرفها الجيران بهذا الاسم اكثر مما يعرفونها ب"ام خالد" او "أم جمال"، هذا ما قاله الطفل الذي كان واقفاً على مدخل المبنى. اما سبب هذه التسمية فيعود الى ايام الحرب التي ما زالت محتفظة في باب التبانة بالكثير من الصور والاشارات. فزوج ام خالد كان يعمل بنّاءً، وبعدما انقسمت المنطقة بين مؤيدين لحركة التوحيد في باب التبانة وموالين لسورية في منطقة بعل محسن، تحول زوج السيدة الى بنّاءٍ للدشم والسواتر. اعتمدته حركة التوحيد ليشيد جدراناً من الاسمنت المسلح لحماية مراكزها، واعتمده السكان لتحصين منازلهم. ويبدو ان مخيلته اشتغلت واسعفه شيطانه فراح يبتكر انواعاً من الدشم والسواتر المتحركة على عربات، تمكن العابرين من اجتياز الشوارع الخطرة، فأطلق عليه السكان تسمية "ابو الدشم" وعلى زوجته "ام الدشم"، وكذلك ورث ابنه التسمية ولقبه اليوم في السجن "ابو الدشم". السيدة تعيش اليوم من دون زوجها الذي انفصل عنها قبل نحو عشر سنوات. ول"أم الدشم" اصل مصري هو الذي ساعدها ربما على البقاء مختلفة عن نساء باب التبانة على رغم كل السنوات التي قضتها في هذه المنطقة. فهي تشهر تعلقها بالحياة التي يكرهها ابنها، كما تقول، وهي ترى ان في اعماله ما يستدعي التبرؤ منه. الحياة التي تعيشها هذه المرأة وعائلتها لا تمت الى حياة اهل المنطقة بالكثير. في المنزل الذي يُدلف اليه من حارات باب التبانة ومن بين ورشها، ووسط ضجيج الآلات الحادة المصطدمة بالمعادن والخردة وبأيدي الأطفال العاملين في الورش، تشعر ان صوتاً مختلفاً وقوياً تطلقه هذه المرأة، ولكن لهذا الصوت ايضاً عمقاً حديدياً يتقاطع مع اصوات الآلات الحادة المتعالية اصواتها في المحيط. "ام الدشم" نموذج مصري في باب التبانة، تواجه ثقافة المحلة باستنكار الغريب وقوته. تقول انها مؤمنة ولكن بطريقة مختلفة، ولا تريد لبناتها ان يتحجبن. شعرها بصبغته الشقراء الهزيلة والمربوط بإحكام حول رأسها، وسمنتها الفائضة والمتعبة لا يبديانها مستسلمة. وفي اثناء حديثها يدخل الى المنزل طفل لم يبلغ العاشرة، يده مضرجة بالدم. انه ابن الجيران ويقول انه كان يلهو بقنينة زجاج فانكسرت بين يديه، وانغرست في احداهما. نظرة سريعة من "ام الدشم" الى الجرح تقول بعدها ان الأمر لا يحتاج الى تقطيب، ثم تخرج المرأة من تحت المقعد حقيبة قديمة تحتوي بعض العقاقير والمطهرات، فتضمد الجرح وتحكم لفه وتقول للطفل: "اذهب الى والدتك، ولا تخرج الليلة من المنزل". ما جرى كان مشهداً عادياً من الحياة الداخلية لباب التبانة. اما "ام الدشم" فتقول انها ممرضة الحي، وهي على رغم سخطها على سكانه مستسلمة للقدر الذي قذفها اليه. مشهد الطفل حاملاً يده المضرجة بالدم ومن دون ألم في منزل "ام الدشم" يردك الى كلام مدرب فريق كرة القدم في المنطقة الذي تحدث عن اطفال باب التبانة الذين طالما تتبع اوضاعهم باحثاً عن لاعبين في فريقه، اذ قال ان اوضاعاً يعيشها هؤلاء قد لا يكون سبقهم اليها احد. تحدث المدرب عن ظاهرة السكاكين التي في حوزة الأطفال، واشار الى ان من علامات الانتقال من الطفولة الى الفتوة في باب التبانة ان يقتني المنتقل سكيناً يضعها تحت ثيابه وغالباً ما يستعملها في مواقف كثيرة، اذ تحدث المدرب عن خمسة حوادث طعن بالسكاكين شهدتها المنطقة في الأسبوعين الفائتين. واضافة الى ظاهرة السكاكين هناك ظاهرة شم مادة "التينر"، فهذه المادة التي تستعمل في دهن السيارات يستعيض فيها فتية باب التبانة عن المخدرات التي يصعب عليهم شراؤها، ويقول المدرب ان مسألة اقدام مئات من اطفال التبانة وفتيتها على شم "التينر" مسألة محسومة وهو عاينها بنفسه اثناء متابعته لفتية في المنطقة ولقائه بهم. ومدرب كرة القدم يتحدث ايضاً عن صعوبة ضبط لاعبيه وجمهورهم، ويلفت الى انه حين ينقلهم الى مناطق اخرى في الحافلة للقاء فرق اخرى يضطر الى اصطحاب زوجته التي ما ان يشاهدها هؤلاء الفتية حتى يهدأوا ويكفوا عن تبادل الشتائم واللكمات، فحضور امرأة بينهم امر كاف لكبح الكثير من الميول العدوانية، وباعث على خجل مقيم في قلب هذا العنف. الوجوه السمراء لفتية باب التبانة تحمل قدراً من التصلب والتغضن ربما ساعد على انكشافها على هذا النحو انتشار هؤلاء الفتية في الأحياء الخربة. الرصاص ما زال ناخراً الكثير من الجدران، والبيوت المصدعة بفعل قذائف انفجرت قبل نحو 15 عاماً لم يرمم الكثير منها. الناس في باب التبانة لم يتجاوزوا بعد مشهد الحروب التي عاشتها منطقتهم. هؤلاء الأطفال الذين ولد معظمهم بعد انتهاء الحرب مستمرون في صلتهم بعالمها من خلال البيئة العمرانية التي يعيشون فيها، ناهيك عن ان الكثير من اهاليهم متصلون بها بحكم استمرارهم في خوض غمارها بأشكال اخرى. لكن من الصعب على من يعيش في باب التبانة ان يبقى في منأى عن ذلك المناخ المعدني، وعن صور العيش المفرطة في عنفها ومفارقتها. فأم الدشم اليوم هي امتداد لحياة عاشتها في الماضي الى جوار زوج اشتهر بوظيفة طبعت العائلة بطابع خاص في كل المنطقة، والمرأة ما زالت متصلة بهذا الماضي من خلال الاسم على الأقل، ومن خلال استعادتها للكثير من ذكرياتها في تلك الحقبة اثناء حديثها عن ابنها خالد، وزوجها الذي غادر المنزل مخلفاً اسماً وسمعة من الصعب تفاديهما. قالت انها زوجت خالد قبل ان يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى يتلهى بعروسه ولا يدخل الأحزاب، لكنه اخذ العروس وانتمى الى حركة التوحيد الاسلامي. حصل هذا خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة منتصف ثمانينات القرن الفائت. لكن خالد العلي المسجون اليوم في سجن رومية قرب بيروت بتهمة اعترف بها وتتمثل في قيامه قبل اشهر عدة بتفجيرات في انحاء عدة في لبنان. خالد هذا لم يكن حين انتمى في اواسط الثمانينات الى حركة التوحيد ملتزماً دينياً، واستمر كذلك الى العام 2000 كما تؤكد والدته وكما يؤكد اصدقاؤه واخوانه في التيارات السلفية التي تحول اليها في السنوات القليلة الفائتة معظم شباب باب التبانة ومنطقة القبة في مدينة طرابلس. وتتحدث والدة خالد عن زوجته التي ارسلت بطلبها فور سماعها خبر اعتقاله فأحضرت الأخيرة اولادها الستة واقاموا جميعاً في منزل الجدة، واحضرت الزوجة كيساً طلبت من والدة زوجها اخفاءه وتبين لاحقاً انه يحتوي اغراضاً لخالد هي عبارة عن مسدس وقنبلتين يدويتين عادت الزوجة واعترفت للمحققين بوجودها لدى امرأة عمها. منزل خالد الذي لا يبعد اكثر من مئة متر عن منزل اهله يتصل بالمنزل بأكثر من القرب الجغرافي والعائلي على رغم القطيعة بين المنزلين. فالجارة التي كانت تزور منزل الأهل توجهت فور خروجها بعد انتهاء المسلسل المصري الى منزل زوجة الابن السجين. هذا ما قالته شقيقات خالد اللواتي رحن يلمن والدتهن على استقبال ناقلة الأخبار هذه. هذا النوع من الوقائع الذي قد يبدو عادياً في بيئة مدينية، يشكل هنا في باب التبانة حاضنة لعلاقات اعنف واعقد، خصوصاً اذا دار حول اقتناء الأسلحة وتبادل المسؤولية عن انحراف شاب. ويبدو ان مجتمع باب التبانة محاصر بالآذان المصغية دائماً، فالشاب الملتحي الذي تطوع لارشادنا الى منزل محمود، وهو احد المفرج عنهم بعد اتهامه بحيازة اسلحة، هذا الشاب ابدى حماسة اعتقدنا في البداية ان سببها صداقة تربطه بهذا الشاب لنكتشف لاحقاً انه يكاد لا يعرف منزله. وما ان وصل الشاب برفقتنا الى المنزل حتى طلب سجادة صلاة لقضاء فريضة العصر. بدا هذا التصرف عادياً، ولكن ذلك ترافق مع حذر واضح ابداه محمود الذي قال ان رجال الأمن اوصوه بعدم التصريح عما اصابه في السجن مشيراً الى ان الاعترافات التي انتزعت منهم ليست سوى ما اراد المحققون سماعه وتحقق لهم ذلك بفعل الضغوط والتعذيب. "انه مخبر لدى الأجهزة" هذا ما غمز لنا به رجل من الحي قاصداً الشاب الملتحي الذي رافقنا. المبنى الذي يقيم محمود في الطبقة الثالثة فيه ينتمي الى ذلك النوع من المباني غير القديمة ولكن المتآكلة، والذي يوحي بأن سكانه كانوا في فترة ما ليست بعيدة على اهبة الانتظام بحياة مختلفة ولكنهم غرقوا فجأة في فوضى وهم الى اليوم لا يعرفون الخروج منها. ليس بعيداً من منزل "ام الدشم" في باب التبانة يقع الزقاق الذي يضم محلات لتصليح السيارات في اسفل مبان سكنية، وهي المحلات التي اختارها خالد العلي لاصلاح السيارة التي قام مع "اخوانه" في الخلية بتفخيخها وركنها امام مطعم "ماكدونالدز" في منطقة الدورة في بيروت. ومن بين هذه المحلات واحد يملكه الشيخ حسين القرحاني "ابو علي" لحدادة السيارات. انه الشيخ الذي قام بأصلاح الرفراف الخلفي لسيارة ال"رينو" التي فخخت، وهو اليوم طليق بسند اقامة بعدما قضى في السجن اسابيع افرج عنه بعدها، ليعود ويعتقل بتهمة اخرى بريء منها ايضاً وتتعلق بصلته بعملية اطلاق صواريخ على مبنى تلفزيون "المستقبل". للشيخ حسين على ما يبدو علاقة في تحول خالد العلي الى الالتزام الديني وانتهاجه السلفية مبدأ ايمان وعيش. فخالد علي وهو معلم باطون بنّاء كان باشر قبل ثلاث سنوات عملاً يتمثل في تسلمه ورشة بناء مسجد عباد الرحمن الذي كان يبنيه الشيخ علي طه من مساعدات خارجية. ويقول الشيخ علي: "تعرفت على خالد في حينها، ولم يكن ملتزماً، فهو ابن حركة التوحيد، ولديه حمية الحرب ولكن من دون التزام. صار يحضر دروساً دينية اعطيها في مسجد هنا في باب التبانة كان والدي في السابق اماماً له". ويضيف: "خالد رجل مستقيم. تربى على حمل البندقية واعتاد الحرب وهو ما سهل عليه التفكير بما اقدم عليه. جاءني ذات يوم بسيارة وطلب مني اصلاح الرفراف الخلفي، فقمت بذلك لقاء اجر زهيد. لم اكن اعلم انها السيارة التي سيتم تفخيخها... ضُخّمت هذه المسألة لأن التيار السلفي مستهدف هنا في الشمال. اني اجزم ان لا علاقة لأي جهات خارجية بما اقدم عليه الشباب. فقط ارادوا ان يعبروا عن غضبهم من الأميركيين، فقاموا بخطوة رمزية. صحيح انهم اخطأوا ولكن الأمر ضُخِّم، وحكاية تفجير المطعم الأميركي لم تروَ كما حصلت". ويتابع: "غير صحيح ان زنة العبوة كان 60 كيلوغراماً من المواد المتفجرة. زنة العبوة عشرة كيلوغرامات. وهي لم تنفجر لأن الشباب عطلوها، لا لأن عطلاً اصابها من تلقائها. فما جرى بحسب ما تحدث الشباب لاحقاً في السجن، ان الخطة كانت تقتضي وضع عبوتين واحدة في الداخل صغيرة تفجر اولاً وثانية في السيارة المركونة في الموقف الخارجي تنفجر بعد 10 دقائق، على ان يتم التفجير في الرابعة فجراً اي في الوقت الذي يكون المطعم خالياً تماماً بحيث تبلغ الرسالة من دون خسائر بشرية. لكن عطلاً اصاب العبوة الداخلية التي انفجرت قبل موعدها بكثير، وهرع الزبائن الى الخارج فقام الشباب بتعطيل العبوة الثانية تفادياً لخسائر بشرية". ومن الدلائل التي يسوقها حسين قرحاني لتأكيد ميول التضخيم التي ترافق عمليات التحقيق في قضية شبكة باب التبانة، ما سئل عنه اثناء التحقيق لجهة اقناعه خالد العلي بعدم تفجير اذاعة للموسيقى في منطقة ابي سمرا في طرابلس، فقال حسين: "ان كل ما في الأمر ان احد الشباب ابلغني ان خالد ينوي ضرب شاب يملك اذاعة للموسيقى موقعها في احد ازقة منطقة ابي سمرا. فمن هذا الزقاق تعبر فتيات مراهقات ويطلبن من صاحب الإذاعة بث اغان يرغبون في سماعها، وقد تمكن هذا الشاب من استدراج عدد من الفتيات بهذه الوسيلة ومن بينهن ابنة شيخ، فأراد الشباب تأديبه". ويضيف حسين: "ارسلت بطلب خالد الذي كان غاضباً جداً ويريد تربية الشاب صاحب الإذاعة وقلت له ان الأمر لا يسوى بهذه الطريقة، ويمكن ابلاغ اهل الفتاة بالأمر ونصح صاحب الإذاعة وهذا ما حصل فتحول الأمر الى اتهامه بمحاولة تفجير الاذاعة". للكلام الذي يكرره حسين قرحاني والذي ينضح باتصال فعلة ال"ماكدونالدز" والأفعال الأخرى المشابهة بعالم باب التبانة وبأدواته وجه آخر، فأنت هنا حيال عناصر متداخلة لظاهرة العنف المركب والهشاشة الاجتماعية واللفظية. تجاور ركاكة العيش مع افكار شديدة الوضوح والاستهداف. "ابو علي" امام محله الصغير وسيارته التي ينقل فيها طلاباً الى مدارسهم، يتحدث محركاً لحيته التي يهزأ من قصرها بعدما حلقها له الجيش اثناء حبسه قبل اشهر قليلة. ومن امام محله يشير الى محل آخر لدهن السيارات قصده خالد ولكنه لم يتفق مع صاحبه على السعر. وفي اثناء ذلك تعبر افواج من تلاميذ المدارس العائدين الى منازلهم، فينتشر هؤلاء بين القطع المعدنية المهشمة والمركونة امام الورش، ويتحدث بعض هؤلاء التلاميذ بحسدٍ مع مجايلين لهم يعملون في الورش. وفي الزاوية الأخرى من الزقاق يقف رجل ملتح يشير اليه الشباب السلفيون بحذر مؤكدين انه مخبر للأجهزة الأمنية الموجودة بكثافة في المنطقة. لعل كلام سمير وهو رجل اربعيني من باب التبانة ومهتم بمتابعة اوضاعها عن ان الاستمرار في ربط ازدهار هذه الجماعات في المنطقة بأوضاعها المعيشية وظروف الاقامة وكثافتها، اصبح امراً مملاً وغير كاف للاحاطة بهذه الظاهرة. يدعو الى اعادة التفكير بعدد من العوامل التي اهملت في هذا السياق. فإلى جانب فقر هؤلاء وهو فقر مشابه لفقر الكثير من الجماعات اللبنانية هناك عناصر اخرى ساهمت وتساهم في تكوين تطرف هؤلاء الشباب. معظمهم من الجيل الثاني للمهاجرين الى طرابلس من عكار والضنية، وهم ايضاً ورثة تدين متين ومختلف قليلاً عن نوع تدينهم الراهن، واضافة الى ذلك انهم ابناء حركة التوحيد الاسلامي، وفي النهاية هم طرابلسيون ولميولهم المتشددة صور كثيرة في المدينة. فسمير عندما قال انه لم يعد ميالاً لتفسير هذه الظاهرة بالعوامل التي سبق ان فسرت بها كان يقصد امراً آخر "هو اشتداد الخناق على الأمة" كما يقول، وطرابلس مزدحمة بمشاعر مرارة غامضة وعصية على التفسير السريع، لكن مركزها الحرب في العراق والوجود الأميركي في المنطقة. قد تكون هذه المشاعر عامة ولا تقتصر على مدينة دون غيرها، ولكن طرابلس ذروة في هذا المجال. وستبدأ بسماع اخبار تتفاوت بين اشارة الى ان العراق ساحة جهاد مفتوحة هذه الأيام للمشاركة في قتال الأميركيين وان الزحف اليه امر باشره عدد من الشباب من ابناء المدينة، وبين كلام آخر تطلقه "نخب علمانية" حول المعركة مع اميركا، مع ميل ضمني الى تبرئة البيئة المحلية من اي جنوح. "الصورة كئيبة وسوداء ولكن احداً لا يرغب بمشاهدتها" تقول سيدة طرابلسية عن احوال مدينتها، وفي اثناء تجوالك في طرابلس ستشعر انك خارج لبنان فعلاً. المشاهد واللهجات والعبارات، ثم ان اتجاه المشاعر وزخمها يعيد ربط لبنان بعالم يبدو ان المناطق اللبنانية الأخرى ما زالت تقاوم الارتباط به على رغم المحاولات الحثيثة. غداً حلقة ثانية أخيرة.