لماذا لا تتكلم مصر والمملكة العربية السعودية وايران وسورية بصوت واحد مع الولاياتالمتحدة؟ لا أطلب المستحيل، فلا أطلب حلفاً سياسياً أو عسكرياً، أو تكتلاً ضد هذا البلد أو ذاك، وانما أطلب أن تجتمع هذه الدول للدفاع عن مصالحها، قبل أن تستفرد بها الولاياتالمتحدة خدمة لإسرائيل، فكل دولة منها بمفردها لن تفعل شيئاً، وانما ستسقط أو تُدجّن، غير انها مجتمعة تستطيع أن تصمد وأن تفوز. أمامي مجموعات من الأخبار والمقتطفات من دور البحث والجهات الرسمية ووسائل الإعلام المختلفة عن البلدان الأربعة، وإذا لم تكن القراءة مخيفة فهي مغيظة. عن السعودية هناك خبر أصبح دورياً، فالسفارة البريطانية أو الأميركية تتوقع ارهاباً وتحذر رعاياها، وشركة الطيران هذه أو تلك توقف رحلاتها أو تفكر في وقفها. وقرأت تحذيرات من هذا النوع في منتصف الشهر الماضي كان من اثرها ان زملاء لي رفضوا الاقامة في فندقين في الرياض اعتبرا مستهدفين كما قرأت التحذيرات نفسها قبل يومين. وفي كل مرة ثبت ان التحذيرات غير صحيحة. ولعل هذه السطور لا تنشر حتى نسمع بتحذير آخر. عندي مشكلتان مع هذه التحذيرات، الأولى أنها صادرة عن أجهزة استخبارات فاشلة، لم ترَ الارهابيين حولها، ولن تراهم على بعد عشرة آلاف ميل، والثانية انه إذا صدر تحذير كل يوم، فسيأتي يوم يقع فيه حادث ارهابي مع صدور التحذير، ويزعم أصحابه انهم يعرفون ما لا تعرف به السلطات المحلية. أسوأ من التحذيرات الكاذبة، ان هناك أخباراً جديدة عن وقاحة اسرائيلية متناهية، هي الاعتراض على مرابطة طائرات حربية سعودية في قاعدة تبوك، على مسافة قصيرة من اسرائيل. بكلام آخر هناك حكومة يمينية متطرفة في اسرائيل تحاول أن تفرض نفوذاً على تحركات عسكرية سعودية داخل السعودية. ولكن إذا كان الموضوع هو ما تمثل القاعدة من خطر، فهو خطر نظري أو أكاديمي، لأن الطيران السعودي لم يشن يوماً غارات على مدنيين في أي بلد، ولم يقتل أحداً، فالخطر من اسرائيل ومجرمي الحرب الذين يقودونها، وإذا طبقنا منطقها عليها، فإن من الواجب نقلها كلها من الشرق الأوسط، لإبعاد خطرها عن دوله، فهو خطر أكيد، بعكس خطر قاعدة عسكرية سعودية. الأخبار عن ايران أسوأ، وكلنا تابع الضغوط الأوروبية، نيابة عن الولاياتالمتحدة، على ايران لوقف برنامجها النووي الذي تصر الحكومة الايرانية على انه للأغراض السلمية، وكلنا تابع زيارة الفرسان الثلاثة طهران، وقد قرأت ان ايران وافقت على طلبين من ثلاثة للأوروبيين، فالثالث يعني وقف برنامجها النووي نهائياً. لماذا توافق ايران على الطلب الأميركي - الأوروبي؟ ادعو ايران ان تسرّع برنامج انتاج أسلحة نووية، فقبولها وقف البرنامج ليس مجرد تراجع أو هزيمة، بل هناك مع هذا أو ذاك اهانة كبرى فيه. الطلب من ايران جاء فيما كانت اسرائيل تعلن انها تملك اسلحة نووية، وانها تستطيع اطلاقها من البر والبحر والجو. وبلغ الهوان بالعرب والمسلمين ان اسرائيل تتبرع بهذه المعلومات، فتسرع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي الى الضغط على ايران لوقف برنامجها المحدود. يا جماعة، والله العظيم عيب. أرجو أن تتابع ايران برنامجاً نووياً كاملاً، وأن تفعل كل دولة عربية أو مسلمة قادرة مثلها. وكان الاسرائيليون اتهموا الرياض بمحاولة الحصول على أسلحة نووية من باكستان، وأسرعت الحكومة السعودية الى نفي ذلك. غير انني أتمنى لو ان الحكومة السعودية تكذب، وانها حصلت فعلاً أو ستحصل على أسلحة نووية من باكستان، وان تسلح بها صواريخها الصينية، فهذا هو الرد المنطقي على الترسانة النووية الاسرائيلية. وهو رد يجب ان ترد بمثله كل دول المنطقة حتى يتفق على تجريدها من أسلحة الدمار الشامل. ثم هناك سورية، وهناك كل يوم خبر عن عقوبات أميركية أو تهديدات، وقد زادت الجرعة أخيراً مع ازدياد الصعوبات الأميركية في العراق، والحاجة الى ايجاد طرف يحمّل مسؤولية الفشل الأميركي. لا أحتاج هنا الى تكرار التهم الموجهة الى سورية، مثل استضافة منظمات المقاومة الإسلامية الفلسطينية وغيرها، فهذه معروفة، ولكن اكتفي بالتهمة الرائجة هذه الأيام، وهي ان سورية لا تضبط حدودها مع العراق، وان "الارهابيين" يتسللون منها ليشنوا هجمات على قوات الاحتلال. هل هذا صحيح؟ بول بريمر نفسه قال هذا، وقدم ارقاماً، غير ان أمامي "واشنطن بوست"، وهي تنسب الى "قادة القوات الأميركية المسؤولين عن مراقبة الحدود بين العراق وسورية" قولهم حرفياً: "انه لا يوجد دليل من مصادر الاستخبارات على الأرض، ومن المراقبة الجوية بالرادار ان اعداداً مهمة من المقاتلين الأجانب يعبرون من سورية الى العراق بطريقة غير شرعية". هل نصدق القادة في الميدان أو أنصار اسرائيل الذين "فقدوا صبرهم" مع سورية، مثل النائب اليهودي الأميركي - الهنغاري توم لانتوس، والنائب المتصهين توم ديلاي الذي قال ان العقوبات "مجرد بداية". الأميركيون يزعمون الآن ان في المصارف السورية ثلاثة بلايين دولار لأركان النظام السابق في بغداد. وأقول انه لا توجد ثلاثة بلايين دولار في المصارف السورية لأي أشخاص أو أطراف. مع خطف أنصار اسرائيل السياسة الخارجية الأميركية، ومع وجود حكومة متطرفة قادرة على الجريمة في اسرائيل، لم يبق في المنطقة بلد آمن على نفسه وعلى مواطنيه. وصحيح ان الحملات على مصر أقل الآن، إلا ان دورها في الطابور محفوظ، خصوصاً ان الحركات الإسلامية المتطرفة كافة خرجت من تحت عباءة الاخوان المسلمين. أقول لمصر والمملكة العربية السعودية وايران وسورية انها إذا لم تتكلم بصوت واحد فلن يسمعها أحد وسيضيع صوتها وتضيع معه.