يراوح الرقم من 10 بلايين الى 20 بليون دولار، حسب الصحيفة التي قرأتها والشخص الذي تحدثت اليه، لكن 17 بليون دولار هو الرقم الذي جلب انتباهي. فهناك 17 الف مستوطن اسرائيلي على مرتفعات الجولان المحتلة، وتسعى اسرائيل الى الحصول على 17 بليون دولار من الولاياتالمتحدة كتعويض اذا وافقت على الانسحاب عن هذه الهضبة التي احتلتها خلال حرب الايام الستة في 1967 واقامت عليها مستوطنات واستغلتها من دون اي اساس قانوني. انه شىء شنيع. كانت الذريعة التي اُعطيت آنذاك لاحتلال الجولان هي ان المدفعية السورية استخدمت الهضبة لقصف كيبوتزات في الوادي الذي تطل عليه يوماً بعد آخر. وكشف الجنرال موشي دايان بعد ذلك بسنوات كيف خُطّط بعناية لاستفزاز السوريين، وقدم رواية مختلفة كلياً لما حدث. ومعروف منذ مدة ان الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي على السواء سيقدمان مبالغ كبيرة كجزء من اتفاق سلام بين اسرائيل وجيرانها العرب، وهي خطوة صائبة. فهذا اقل ما يمكن لاطراف اخرى ان تقوم به. لكن حجم ما وصفته صحيفة "اندبندنت" الصادرة في لندن ب "لائحة الامنيات العسكرية" التي قدمها رئىس الوزراء الاسرائيلي باراك وتبلغ قيمتها بلايين عدة من الدولارات كان مثيراً للدهشة. ربما اعتبر باراك هذا المبلغ عرضاً اولياً، لكن عندما يتعلق الامر بتمويل اسرائيل من قبل اميركا لا يمكن اعتبار حتى 17 بليون دولار شيئاً مستحيلاً على مدى سنوات. تمّ توقيت الطلب بعناية. ويقال ان الاسرائيليين يناقشون مسألة التعويضات مع واشنطن منذ 1995. واُعتبرت بداية محادثات السلام في شيبردزتاون في ويست فيرجينيا اللحظة المناسبة تماماً للمطالبة بالتعويضات. وعلى رغم ان انطلاقة المحادثات بين رئيس الوزراء باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع كانت صعبة فإنها تبدو جدية. تبدأ لائحة الطلبات العسكرية الاسرائيلية بصواريخ "كروز" الموجهة من طراز "توماهوك". وهي تتضمن طائرات حربية اميركية، وطائرات مزودة معدات استطلاع الكترونية، وتمويل برنامج الاقمار الاصطناعية الاسرائيلي. فاسرائيل غير قانعة بتقاسم المعلومات الاستخبارية المستقاة من الاقمارالاصطناعية مع القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم، وتريد ان تملك نظاماً مستقلاً خاصاً بها. وهي تسعى للحصول على مساعدة الولاياتالمتحدة لبناء نظام دفاعي مضاد للصواريخ فعال ومكلف جداً. كما تتضمن اللائحة مروحيات مضادة للدبابات من طراز "أباتشي". وادرج الاسرائيليون ضمن اللائحة مبلغاً يصل الى 10 بلايين دولار لتغطية كلفة نقل وحدات الجيش الاسرائيلي من مرتفعات الجولان الى ثكن وقواعد جديدة في اسرائيل. وتبرر اسرائيل المطالبة بصواريخ "توماهوك" كهدية من اميركا بان الانسحاب من مرتفعات الجولان - وربما من جبل الشيخ الذي يعتبر أعلى نقطة في المنطقة حيث تحتفظ اسرائىل بمحطة انذار متطورة - قد يخفض الوقت الحاسم للتحذير من وقوع اعتداء ويضعف بشكل عام القدرة الدفاعية لاسرائيل. وستكون الصواريخ البعيدة المدى بمثابة تعويض عن إعادة منطقة مهمة استراتيجياً الى سورية. وستكون سورية والعراق ومصر كلها واقعة ضمن مدى صواريخ "كروز" الاسرائيلية، وكذلك اجزاء من ايران والمملكة العربية السعودية ودول الخليج. وتعتقد الاوساط الاستخبارية الاسرائيلية بان التوصل الى اتفاق اسرائيلي سوري سيفزع الحكام في طهران ويجعلهم يشعرون بأن ايران معزولة على نحو خطر. وقد يسعى هؤلاء الحكام نتيجة ذلك الى تسريع برامج الصواريخ الايرانية وربما تطوير اسلحة نووية. وتدرك اسرائيل ان العراق لا يمثل خطراً في الوقت الحاضر، لكن يمكن ان يصبح كذلك مرة اخرى في المستقبل. ومن المشكوك فيه اذا كان الرئىس الاميركي او الولاياتالمتحدة سيوافقان على تصدير صواريخ "كروز" الى اسرائيل. فهذه الصواريخ لم تزود حتى الان الاّ لبلد واحد خارج اميركا هو بريطانيا التي اطلقت بعضها خلال ازمة كوسوفو. وتزويد اسرائيل بها سيخلق مشاكل هائلة مع حلفاء اميركا من العرب، مثل مصر، وقد ينتهك القانون الدولي. وحتى الاميركيون سيبدون حذراً بشأن تزويد قوة نووية مثل اسرائيل بصواريخ "كروز". فعملية السلام في الشرق الاوسط، التي أصبحت في صدارة اولويات الرئيس كلينتون الذي يمضي الان سنته الاخيرة في البيت الابيض، يُفترض ان تخفض التوترات في المنطقة والاّ تحفز انعطافاً اخر في سباق تسلح شرق اوسطي. يمثل طلب اسرائيل منحها 17 بليون دولار لشراء الامن ذروة الغطرسة. ويصعب على المرء ان يتصور ان الحكومة الاسرائيلية اولت تفكيراً جدياً لما سيترتب من نتائج على نقل مثل هذا الكم الهائل من احدث المعدات العسكرية والتكنولوجيا العسكرية المتطورة في جزء مضطرب من العالم. تعتبر اسرائيل في العام 2000 القوة العظمى في المنطقة بترسانتها التي تحتوي 200 الى 300 رأس نووي والوسائل التي تمكّن ايصالها الى اهدافها. يُضاف الى ذلك انها الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تعيش في مواقع تبعد كثيراً عن حدودها الرسمية. يتعيّن على اسرائيل ان تعيش في وئام مع جيرانها، لا أن تصعّد بشكل مثير تهديدها لهم. وطلبها تدشين القرن الجديد بالحصول على صواريخ "كروز" يذكّر بكل عيوب اسرائيل في الوقت الحاضر. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.