أطل ملف التسوية مع عملاء المصارف المصرية المتعثرين من اصحاب التركات الثقيلة، ليكون أحد أبرز شواغل الجهاز المصرفي في اليومين الماضيين، بعد الكشف عن المساعي الحثيثة التي تبذل حالياً لتسوية مديونيات رجل الاعمال عمرو النشرتي الذي تأزم وضعه بخروج "سلسلة متاجر سانزبوري" البريطانية من مصر وإنهائها استئجار سلسلة محال "ايدج مارك" التي يملكها. وأدى ذلك الى عجز النشرتي عن السداد ومن ثم قرر الفرار من البلاد. ولم يكن من قبيل المصادفة ان تأتي عملية التسوية التي تجري وقائعها الآن في توقيت مواكب مع اجراءات التسوية التي تتم منذ نحو شهرين، مع رجل الأعمال مصطفى البليدي، نتيجة اكتشاف المصارف صعوبة توفيق اوضاعها في ضوء الاشتراطات التي وضعها التشريع الجديد الصادر منذ نحو 4 شهور والذي يقضي برفع الحد الادنى لرأسمال المصرف المحلي الى 500 مليون جنيه، ما يقتضي إعادة النظر في مدى جودة الاصول التي تمثل الديون المتعثرة جانباً مهماً منها. وهذا يعني مجدداً فتح ملف التعثر، ولكن السؤال: هل تشهد محاولات التسوية هذه المرة استراتيجية واضحة المعالم، تحقق لحالات التعثر التي تدخل في مفاوضات جادة مع المصارف التوصل الى تسويات فعلية قابلة للتنفيذ أم تظل تراوح في حدود "النيات الحسنة" التي يقود بعضها الى العدم، والفشل الذي تكرَّس في محاولات سابقة؟! ويرى وزير الاقتصاد الاسبق الدكتور حسن عباس زكي ان "ملف المصرفي المتعثر" اخذ اكبر من حجمه لأن اجمالي المديونيات التي تنطبق عليها مواصفات التعثر الحاد لا يزيد على 16 بليون جنيه، وهو رقم لا يدعو للانزعاج في ظل موجودات واصول المصارف التي تجاوزت 390 بليون جنيه، ما يعني ان نسبة التعثر الى هذه الموجودات لا تزيد على 4 في المئة وهو معدل يقل كثيراً عن المعدلات الدولية السائدة، وهذا لا يقلل من اهمية استعادة هذه الاموال، بقدر ما يعطي تقييماً واقعياً لهذا الملف الذي تتم اثارته بين الحين والاخر من دون ان تتوافر اكثر من النيات الحسنة، ومع ذلك، فهذا الوضع لا يغيب اهمية التوصل الى حل حاسم للقضية. ويلفت زكي الى ان المصارف عندما تطغى عليها ظروف السوق وتراجع معدلات النشاط، فغالباً ما تشرع في فتح هذه الملفات سواء بالبحث في امكانية ترتيب تسويات جديدة لاسترداد اموالها، او على الاقل محاولة اعادة تقييمها وبحث امكانية تحويلها الى ديون معدومة لوقف تكوين المخصصات التي ترهق موازنات المصارف وتؤثر في تصنيف جودة اصولها. وفي ظل الوضع السابق تكون المصارف راغبة فعلا في التوصل الى تسويات ولكنها تفتقر الى حرية التصرف حيث يدخل "المصرف المركزي" المصري طرفاً في التسوية التي لا بد أن تمضي من خلال لجان متدرجة لفرز العرض الذي يقدمه العميل قبل عرضه على لجان عليا لتحديد مدى ملاءمة اقتراحات التسوية وقابلية العميل للتعويم. وخلاف البليدي والنشرتي حيث قَطع الاول شوطاً مهماً في التسوية مع "بنك القاهرة" وعدد من المصارف الاخرى، ويحاول الثاني التوصل الى انجاز مماثل. تبقى اسماء رجال اعمال متعثرين آخرين مثل رامي لكح الذي تقترب مديونيته من بليوني جنيه وتيسير الهواري الذي تقدر مديونياته بنحو 950 مليون جنيه، وحاتم الهواري، وتقدر مديونياته بنحو 5.1 بليون جنيه ومحمد الجارحي وتبلغ مديونياته نحو 700 مليون جنيه، وجميع هؤلاء، بدأت اتصالات عدة معهم منذ آب اغسطس عام 2002، عندما اطلقت الحكومة المصرية مبادرتها الشهيرة لتسوية تلك المديونيات ومنح اصحابها تخفيضات كبيرة من حساب الفوائد المتراكمة، إلا أن محاولات التسوية تكاد تكون اجهضت بسبب كثرة الاشتراطات الاجرائية، الامر الذي يفسره مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامي الدكتور محمد عبدالحليم عمر بعدم وجود استراتيجية محددة المعالم لدى السلطات المصرفية تحدد مواصفات الحالات التي تتم معها التسوية والمدى الزمني اللازم لهذه العملية. ويؤكد عمر أن غياب هذه الاستراتيجية، تسبب في تردد العديد من قيادات المصارف في إتمام حالات عدة من التسويات المقدمة بسبب الرغبة في تفادي استخدام الصلاحيات المخولة خوفاً من الاتهام في مرحلة لاحقة بالاشتراك في التعثر على محاولات البعض لتبديد أموال المصارف. ويرى ضرورة اسراع السلطات المصرفية بانجاز إطار عام لهذه الاستراتيجية يساعد في تحديد معدلات انزال الفائدة في حالات التسوية المختلفة بحيث يكون هناك جرأة في تنفيذ مراحل التسوية، والنظر في حجم النسبة التي يتعين ان يقدمها العميل من اصل المديونية المتراكمة عليه حتى يذهب العميل للتسوية وهو على دراية بطبيعة الحلول التي يواجهها، وفي المقابل لا بد أن تغلظ العقوبات على المماطلين والمتهربين، وبحث تشكيل لجنة لمتابعة هذا الملف واقتراح الحلول المساندة حيث يفترض ان يشارك في عضوية اللجنة ممثلون عن الحكومة والمصرف المركزي والمصارف الخاصة، لضمان فاعلية دورها في انجاز حل حاسم لملف التعثر المصرفي.