المخرج اللبناني الأكثر شهرة في فرنسا وفي العالم هذه الأيام، هو بالتأكيد السويدي يوسف فارس. وليس في الأمر اية مفارقة على الإطلاق. فنحن نعرف ان فارس الذي يعيش في السويد منذ نحو عقد ونصف العقد من السنين، بعدما هاجر وعائلته من لبنان في خضم الحرب الأهلية، صبياً، حقق حتى الآن فيلمين في وطنه الجديد، إن لم يكن كل منهما تحفة سينمائية تعيد امجاد انغمار برغمان وبو وايدبرغ، فإنهما على الأقل حققا نجاحاً تجارياً كبيراً، كما حققا حضوراً في الكثير من المهرجانات. ويوسف فارس نفسه، لم يزعم على اي حال تحقيقه افلاماً عالية المستوى من الناحية الفكرية، لكنه آثر ان يجعل فيلميه، المعروفين حتى الآن، اشبه بوصفة للكيفية التي يمكن ان تكون عليها سينما شعبية مرحة لا تخلو من معان من دون ان تكون مملة، وهذا الوصف انطبق اولاً على فيلمه "يللا... يللا" الذي عرض في بلدان عدة منها لبنان، بعدما حقق في السويد نجاحاً تجارياً كبيراً، وها هو الآن ينطبق على فيلمه الثاني "شرطيون" الذي يمت بصلة قرابة، وإن من بعيد، الى عوالم الأخوين رحباني. "شرطيون" يعرض في فرنسا منذ حين ويلاقي إقبالاً جماهيرياً لا بأس به، اضافة الى استقبال الصحافة والنقاد الطيب له، إذ ان معظم هؤلاء اعطاه في التقويم العام نقاطاً مرتفعة، كما كتبت عنه مقالات نقدية جيدة معتبرة اياه نوعاً من إعادة الاعتبار للسينما الفكاهية ذات الرسالة. و"شرطيون" يتحدث عن قرية ناعسة خاوية من المشكلات في الريف السويدي، يؤدي خلوها من هذه المشكلات الى مشكلة حقيقية: إذ تفكر السلطات بالاستغناء عن رجال الأمن في القرية لانتفاء الحاجة إليهم، إذ لم تسجل اي جريمة او جنحة او مخالفة على مدى سنوات. فما العمل؟ لئلا يفقد الشرطيون، وهم اربعة هنا، ثلاثة رجال وامرأة، عملهم ينفتق ذهنهم عن خطة "رحبانية" بامتياز: سيقترفون هم بعض المخالفات والجرائم الصغيرة، من دون علم احد، وهكذا ستحتاجهم القرية من جديد. هوليوود؟ حول هذا الموضوع البسيط اذاً، ركّب يوسف فارس حكاية فيلمه "شرطيون" مسنداً إحدى البطولات لأخيه الممثل فارس فارس الذي اثنى عليه النقاد، بدوره، ثناء كبيراً، كما انه زرع افراداً آخرين من عائلته في اسرة الفيلم الفنية والتقنية. ورأى النقاد ان الفيلم جاء طريفاً ومحكم الحبك، الى درجة لافتة، ما يجعل يوسف فارس، مخرجاً واعداً حقيقياً في السينما الأوروبية. وكان هذا، بخاصة، رأي مجلة "سينما لايف" الشابة الفرنسية التي افردت ليوسف جوزف فارس، صفحتها الأولى، مشيدة به تحت عنوان "الرهان"، قائلة انه اذا كان "يوسف فارس يصر على ان افلامه ليس فيها اي جانب من جوانب السيرة الذاتية، فإن الطريقة التي ينظر بها الى السويد، تنم تماماً عن موقف هذا اللبناني الذي وصل الى هذا البلد مهاجراً قبل 16 سنة". وتنقل عنه المجلة قوله: "فلنقل انني استوحي كثيراً حياتي الخاصة لكي احقق افلامي". اما السينما التي تنتج من ذلك، فتصفها المجلة بأنها سينما "تجمع بين الطرافة والحنان وكذلك فهي سينما تكتب بصيغة المتكلم، فرداً او جماعة، إذ ان ابن الأسرة الطيب هذا يضع أقاربه في فيلمه وشعاره يقول: يتوجب على المرء ان يساند عائلته. وتلكم هي، في رأي المجلة، طريقته الاندماج نهائياً في مجتمع استقبله استقبالاً حسناً على الأرجح بعدما وصل الى هنا مرتحلاً عن وطنه الأول". وتذكر المجلة بأن الجمهور السويدي قد نجّح الى حد كبير الفيلمين الذين حققهما يوسف فارس حتى الآن، مثمنة الرؤية الساخرة، انما غير الكاريكاتورية التي يتعامل بها هذا المخرج الشاب مع السويد". ففي "يللا يللا" - ودائماً بحسب تعبير "سيتي لايف" - رصد فارس امور الحب والجنس بملعنة. اما اليوم في "شرطيون" فإنه يصل الى حد الهذيان في وصف الحياة اليومية في مركز للشرطة". ويوسف فارس اكتشف شغفه بالسينما وهو، بعد في الخامسة عشرة من عمره... وبسرعة راح يعمل ويعمل حتى حقق اكثر من خمسين فيلماً قصيراً. وهو لاحقاً انخرط في اكاديمية لدراسة السينما، لكن مدرسته الحقيقية كانت افلامه القصيرة الأولى. واليوم إذ يحقق فارس هذا النجاح، في السويد اولاً، ثم في اوروبا وبخاصة في فرنسا، ها هي هوليوود تغازله، كما تقول الصحف الفرنسية. اما هو فإنه، إذ يلفت الصحافيون نظره الى هذا ويسألونه عنه، يقول: "سنرى لاحقاً. اما الآن فأنا بعد في السادسة والعشرين وأحس بالحاجة الى تحقيق فيلمين او ثلاثة افلام اخرى في السويد قبل ان أشعر بأن خبرتي اكتملت"...