رمضان هذا العام حقق الكثير من الأماني للعراقيين وكأن الله فتح باب السماء في ليلة القدر في العام السابق ليستجيب لهم. واول ما يمكن ان يتحقق هذا العام هو أن "سفرة الفطور" الرمضانية سوف تكون اكثر دفئاً لان الأبناء يتوافدون على بيوت ووطن هُجروا منها منذ عشرات السنين ويحضرون الطقوس البغدادية ويشربون الشاي من السماور ورائحة الهيل تعطر القلب قبل الفم. و"السفرة" قد لا تكون عامرة بكل الأصناف، ولكنها عامرة بالحب وبحضن والدة عانت سنوات من غياب ابنها، وعاد اليها. عاد الغائب واطل الأحبة على شرفات منازلهم بعد خروجهم من المعتقلات والسجون، وكانت الفرحة بهم اكبر لانهم من عانى اكثر! وتغيب هذا العام مآدب الإفطار التي كان يمدها صدام في كل رمضان وكانت مآدب فخمة ينفق عليها من أموال الفقراء أنفسهم وكانت تذهل البصر والبصيرة وتُقدم للشعب من باب "أتصدق عليك من نعمتك". هذا ما يؤكده أياد الجبوري، أستاذ مادة علم الاجتماع في كلية الآداب، جامعة بغداد، الذي يضيف "ان رمضاناً بلا صدام هو أهم حدث في هذا الشهر الفضيل". وتقول سما عدنان، مترجمة، من ناحيتها "ان إصدار الحكم على طعم ونكهة رمضان من دون النظام السابق ومن دون صدام تحديداً اعتقد انه يجئ قبل أوانه ولا بد من الانتظار لنكتشف التغيير الذي سيحصل في هذا الرمضان". ويقول محمد الخطيب أعمال حرة "ان صدام كان يقلل من ظهوره على الشاشة في رمضان، لذلك كنا لا نشعر به كثيراً ولكن بصورة عامة نتصور ان زمن صدام، بما فيه رمضان افضل من هذا العام بفضل الأمان الذي لا معنى لشيء من دونه". ويرى د. كاظم العنبكي جرّاح أن "الأوضاع السابقة بكل ضغوطها الاقتصادية والنفسية على العائلة العراقية كانت سيئة، ولكن مع البطالة والكساد الذي نعيشه وفقدان الأمان، اصبح الوضع العراقي اسواء بكثير فكيف سيكون رمضان مع تصاعد البطالة والكساد والانفلات الأمني؟". "الستلايت" هو الآخر، جديد هذا العام ودخول هذا الجهاز الذي استضافه العالم العربي قبل عشر سنوات، إلى المنازل العراقية للمرة الأولى، يتيح للأسرة متابعة باقة من المسلسلات التلفزيونية العربية الجديدة، فيها الوثائقي والتاريخي والمعاصر والبدوي والكوميدي والفوازير والمواقف الطريفة، "بحيث اننا سوف نلهث للحاق بما يقدمه التلفزيون من أعمال درامية، على ما تقوله سما عدنان، وتضيف: "المتعة هذه المرة ستكون كاملة لان تلفزيون الشباب السابق الذي كان يشرف عليه عدي صدام كان لا يحترم المشاهد، إذ يسرق بعض المسلسلات الرمضانية ويقطع منها ما يشاء من مشاهد، فيسبب هدم البعد الدرامي للمسلسل وعندما يأتي فاصل الإعلان ونعود لمتابعة المسلسل نعرف ان شريط المسلسل كان مستمراً طول فترة الإعلان فنقف في مواقف جديدة لا نفهم منها شيئاً. اليوم مع دخول الستلايت سوف نشعر بالاحترام". ويقول جعفر الخطيب: "في رمضان هذا العام سوف نفتقد التلفزيون العراقي وهويتنا المحلية ومسلسلاتنا الخاصة". لكن عبير جلال الدين تقول إن "الستلايت سيكون نعمة حقيقية لأنني أتصور شهر رمضان بلا زيارات وبلا جلسات سحور وبلا محيبس بسبب الانفلات الأمني سوف نجلس في منازلنا لذلك خير جليس هو الستلايت". وفي رمضان هذا العام دخل الدولار للمرة الأولى بيوت المتقاعدين والمدرسين والمعلمين وغيرهم من الموظفين في ملاكات الدولة والذين كانوا يعانون من ضنك العيش. وتحسنت دخول هذه الفئة نسبياً في حين انحسرت المادة في يد رجال البعث والأمن والاستخبارات وقادة الجيش الذين كانوا من اصحاب التخمة في زمن النظام. وتؤكد نسرين حسن أن مرتبها كمترجمة كان بسيطاً جداً وكانت تعتمد على أسرتها في إعالة نفسها اما اليوم "فالحالة انقلبت، واصبح مرتبها جيداً على رغم ارتفاع الأسعار. وترى الاعلامية سؤدد الصالحي أن "الوضع لم يختلف بالنسبة لغير الموظفين فهم، بوجود النظام او من دونه، من المغضوب عليهم، ولكن سعادتي في رمضان اننا نعيش حياة بلا رقيب وبلا اجتماعات حزبية". رضا علي، 48 عاماً، أحد الذين يضربون الطبول وقت السحور في ازقة مدينة بغداد وهو زاول هوايته هذه منذ اكثر من عشرين عاماً، يؤكد انه قلق جداً هذا العام بسبب تدهور الوضع الامني ويضيف: "على رغم كل ذلك سنحمل الطبول وسوف نخرج لنوقظ ليل بغداد معلنين "يا صايم وحد الدايم.. سحور.. سحور.. سحور". ويؤكد شباب منطقة الكاظمية ناصر حسن، ثامر علوان، طارق عباس الذين تراوح أعمارهم بين 18-20 عاماً، أنهم يواجهون معارضة كبيرة من عائلاتهم منذ الآن، لأنهم يحرصون على منعهم من ممارسة لعبة "المحيبس" البغدادية التي تجمع فريقين ويصل عدد حضورها إلى عشرات الشباب، وذلك بسبب الانفلات الأمني. وعن ممارسة العبادات الرمضانية، يقول الشيخ إبراهيم عبد الله الاعظمي "ان أجواء رمضان ستعود كما كانت. فصلاة التراويح مع الأدعية الرمضانية مع التسابيح مع التسامي والتسامح وأجواء البهجة والفرح، تعلن عودة رمضان لاهله، وعودة الأهل لرمضان بعد سنوات والاكتئاب. ويقول السيد فاضل عيدان الميالي، إمام حسينية الزهراء في الغزالية، "كنا محرومين من أدعية رمضان. فلا نسمع دعاء الافتتاح مثلاً وإذا سمعناه، نسمعه مبتوراً مشوهاً". ورمضان على مستوى السوق هذا العام سوف يكون "رمضان الحسرة" بالنسبة لشرائح واسعة من الناس هذا العام. فالأسعار ارتفعت بمعدلات مبالغ فيها، إذ يباع كيلو اللحم الأحمر بستة آلاف وخمسمائة دينار اكثر من ثلاثة دولارات. وارتفع سعر الدجاج إلى ثلاثة آلاف دينار دولار ونصف للكيلو وكذلك الأسماك التي تباع الآن بأكثر من خمسة آلاف دينار دولار ونصف للكيلو. وشملت الزيادة المفاجئة الفواكه والخضر. ولا ينسى محمد علي العلواني ان يذكرنا بسخونة الأوضاع الراهنة في العراق حيث تشهد الكثير من المناطق فعاليات واسعة ومتكررة لما يصفه ب"المقاومة"، مؤكداً ان مدافع الإفطار ستختلط أصواتها هذا العام مع أصوات الانفجارات ضد المحتلين ويقول: "لن نهدأ أبدا قبل ان نحرر بلادنا".