عززت قوات التحالف وجودها العسكري في بغداد وضواحيها، وأحكمت سيطرتها على مداخل العاصمة، مشددة قبضتها على شوارع العاصمة ومحيط المباني الحكومية والرسمية. ومنذ صباح أمس، امتدت في الشوارع الرئيسة المؤدية إلى قلب بغداد طوابير طويلة من السيارات القادمة من المحافظات أو ضواحي العاصمة، وأخضعت حواجز القوات الأميركية التي تحظى بحماية غير مألوفة، من الدبابات والعربات المدرعة وكل السيارات والمركبات لعمليات تفتيش دقيق. أما في الأحياء الساخنة في العاصمة العراقية التي شهدت هجمات عدة على المباني الحساسة التي تتمركز فيها قوات الاحتلال، ومنها على سبيل المثال "فندق الرشيد" حيث يقيم مسؤولون في القوات الأميركية، فإن الإجراءات الأمنية المحيطة بها، تضاعفت في الساعات الأخيرة مع تسيير دوريات على مدار الساعة، وتحليق طائرات مروحية أميركية أقلقت راحة السكان منذ فجر أمس في بغداد، وهي تحوم فوق المباني والشوارع وعلى علو مُنخفض. وركزت المروحيات على "متنزه الزوراء" الذي يمتد على مساحة واسعة وملاصقة للمنطقة الخضراء، وهي المناطق الرئاسية التي يقيم فيها القادة الأميركيون في العراق. من جهة أخرى يتفاقم الوضع الأمني للسكان مع استمرار الفوضى في الحياة المدنية وانتشار الجريمة ومظاهر الانحطاط الاجتماعي الأخرى مع ازدياد حوادث خطف الأطفال والقصر والمطالبة بآلاف الدولارات كفدية مقابل إطلاق سراحهم، إذ لم يعد المواطنون يجرؤون على إرسال أبنائهم لوحدهم إلى المدارس، بل يقومون بمرافقتهم صباحاً وبعد انتهاء الدوام. ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" يندر أن تجد مدرسة في بغداد لم يخطف واحد أو أكثر من تلاميذها، مما اضطر غالبية المدارس على توظيف حراس عند مداخلها، فيما ادى انتشار جرائم الخطف الى امتناع عدد كبير من العائلات عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، في انتظار أن يتحسن الوضع. ويقول ضابط الشرطة العراقي معروف حسين، مدير محطة جميلة في بغداد، أن هذا النوع من الجرائم لم يكن معروفا في العراق في الماضي، وأضاف أن جرائم الخطف انتشرت بعد عودة جهاز الشرطة إلى العمل، إذ أن اللصوص الذين قاموا بعمليات النهب بعد سقوط النظام السابق في نيسان أبريل الماضي، اضطروا نتيجة لازدياد عدد رجال الشرطة في الشوارع إلى البحث عن وسائل أخرى للكسب غير الشريف، باللجوء إلى أساليب جديدة في جرائمهم كالخطف. وفيما قال اللواء حسن علي العبيدي، قائد شرطة بغداد، أن جهازه يفتقر إلى المعدات والوسائل التي تجعله قادراً على محاربة مثل هذه الظواهر الجديدة للجريمة، أعترف الجنرال ريكاردو سانشيز، قائد القوات الأميركية في العراق، بأنه لم يجر تسليح الشرطة العراقية حتى الآن، معرباً عن أمله أن يكون بمقدور الإدارة الأميركية في العراق بدء تسليح الشرطة بعد 45 يوماً. وفي حديث لمراسل الصحيفة مع ضابط الشرطة إياد عبدالرحمن، أشار الضابط العراقي إلى مسدس متدل من وسطه وقال أنه استعار المسدس من صديق له، حتى يكون بمقدوره القيام بواجبه. وأضاف أن المجرمين يعلمون هذه الحقيقة، مما يجعلهم أكثر تجاسراً على ارتكاب الجرائم ويسخرون من رجال الشرطة. وقال: "الشرطة العراقية في ساحة معركة بلا سلاح". ويقول العبيدي أن المواطنين يعلمون أيضاً مدى ضعف الشرطة لذلك يلجأون بأنفسهم للتفاوض مع الخاطفين لإنقاذ أبنائهم. وروى للصحيفة يوسف منجل الشويلي، والد فتى جرى اختطافه في بغداد أخيراً، أنه فاوض الخاطفين لوحده من دون أن تقدر الشرطة على تقديم أي مساعدة له، وقال أن الخاطفين يعملون بجرأة غير عادية، لدرجة أنه عندما ذهب لمقابلتهم أثناء المفاوضات، وجدهم غير مقنعين، دليلاً على أنهم لا يخشون من افتضاح هويتهم الشخصية. وأكد العبيدي أن الإحصائيات الرسمية المتوافرة لدى جهاز الشرطة عن عمليات الخطف ليست دقيقة، نظراً لأن عدداً قليلاً من العائلات المتضررة يلجأ إلى الشرطة. ووفقاً لمصادر الشرطة فإن عدد حالات الخطف مقابل فدية في بغداد وصلت إلى 13 حالة في آب أغسطس، و18 حالة في أيلول سبتمبر، و21 حالة في تشرين الأول أكتوبر، وهي أرقام على رغم كونها لا تعكس الصورة الحقيقية لجرائم الخطف، إلا أنها تكشف عن أنها في ارتفاع مستمر.