في العام الدراسي 1973- 1974 غيرت "كلية البنات" في بيروت اسمها لتصير"كلية بيروت الجامعية"- واسمها الحالي الجامعة اللبنانية - الأميركية، وفتحت أبوابها لتستقبل الشبان مع الشابات. لكن الجامعة التي كانت أول مؤسسة تعليم عالٍ للبنات في منطقة الشرق الأوسط لم تتخل عن إرثها الأنثوي، وبحثت كيف الإفادة من تجربتها كحاضنة لفتيات شاركن في كسر جدار الجهل المفروض على النساء العربيات وذلك منذ انشائها عام 1924. في ممرات مبانيها القديمة آثار لهوهن وأحلامهن بعالم أفضل يثبتن من خلاله تميزهن، وفي سجلاتها أسماء لخريجات عرفن شهرة تخطت الجامعة ومحيطها الضيق، كالأديبة اللبنانية أميلي نصر الله. هذا الإرث الذي حفظته ذاكرة الجامعة والعاملين فيها، كان من أهم الدوافع لإنشاء "معهد الدراسات النسائية في العالم العربي"، بناء على اقتراح الرئيس الحالي للجامعة الدكتور رياض نصار ليكون المشروع الذي تكمل من خلاله الجامعة الرسالة التي أنشئت لتحقيقها وهي تأمين التعليم العالي للفتيات والبحث في همومهن. عام 1976 صدرت مجلة "الرائدة" عن المعهد، وهي لا تزال تصدر حتى أيامنا هذه، ولا تزال زاهرة وزاخرة بالمواضيع النسوية، وقد خصصت عددها الأخير للحركات النسوية في العالم العربي. البعد العربي للمعهد لم يتحقق منذ نشأته، فلقد حالت الحرب الأهلية اللبنانية دون تحقيق هذا البعد، وفق ما أكدت مديرته الدكتورة منى خلف، لكن العمل على صعيد العالم العربي بدأ عام 1986 أي قبل انطفاء شرارة الحرب. حالياً ينشط المعهد على أكثر من صعيد، وتتخطى مشاريعه حدود لبنان، فهو كثير المشاركة في مشاريع وورش عمل عن قضايا نسائية في أكثر من دولة عربية. وتلفت خلف عند بداية حديثها عن نشاطات المعهد الى أنها لا تأخذ طابعاً نضالياً، فهو تابع لمؤسسة أكاديمية ويحتفظ بهويته الأكاديمية، وأهدافه الرئيسة يمكن تلخيصها كالآتي: - إغناء منهج الجامعة، - المشاركة في الانتاج البحثي العربي عن المرأة، - اغناء بنك المعلومات والمراكز البحثية بدراسات نسوية، - الإسهام في تقديم اقتراحات للتوصل الى سياسة تؤمن حقوق المرأة في العالم العربي، - الإسهام في تطوير شبكة اتصالات بين الأفراء والمؤسسات والمجموعات المهتمة بشؤون المرأة العربية. أما نشاطات المعهد فيمكن تقسيمها كالآتي: - دورات تدريب لنساء الأرياف والنساء غير العاملات، والأميات على مهارات أساسية ومهن حرفية تؤهلهن لدخول سوق العمل أو تأمين معيشتهن. - إجراء استطلاعات وأبحاث عن قضايا نسائية، تمولها في الغالب مؤسسات دولية. - توثيق المعلومات التي يستقيها المعهد من الدراسات المتنوعة التي يجريها. - الاسهام في كتب ونشرات وأبحاث عن المرأة. في الشق الميداني، نشاطات المعهد كثيرة، وأحدثها برنامج لتعليم شبه الأميات. ويقوم المعهد حالياً بالتعاون مع مؤسسة "دار الأمل" اللبنانية بتنظيم برامج تدريب لتحسين أوضاع السجينات، وتعليمهن مهناً سهلة. وإلى جانب النشاطات البحثية والاستطلاعات وبرامج التدريب، يحرص المعهد على تنظيم نشاطات ذات طابع ثقافي، كالمحاضرات عن نتاج رائدات وحفلات موسيقية تحييها عازفات، وأكثر هذه النشاطات شهرة في بيروت المهرجان السينمائي السنوي الذي ينظمه المعهد منذ عام 2000، وهو بالطبع يهتم بالأفلام التي تتناول أوضاع المرأة، أو بأفلام من اخراج أو إنتاج سينمائيات. رحلة المعهد الطويلة، أغنت ملفاته وأرشيفه بدراسات وخبرات واستنتاجات عن قضايا المرأة العربية عموماً واللبنانية خصوصاً، وعندما تُسأل السيدة خلف كيف تلخص أسباب معاناة المرأة العربية، تقول: "إنه المجتمع الذكوري" مكررة بذلك طروحات كل العاملين من أجل تطوير وضع المرأة، وتضيف: "في العالم العربي النظام الاجتماعي ذكوري جداً، والقرار دائماً للرجل"، وتستشهد في هذا الإطار بنتائج دراسة ميدانية شارك المعهد في إعدادها أخيراً، وسُئلت خلالها نساء عن معيل عائلاتهن فكان الرد دائماً إنه الزوج، والنساء اللواتي استجوبوا ينتمين إلى ثلاث فئات ، العاملات في المعامل وشبه الأميات، واللواتي تمتهن مهناً حرة، ونساء في القطاع المصرفي. وترى خلف أن خضوعهن للزوج - وبالتالي للنظام الاجتماعي القائم - واحد في الشكل والجوهر. وتختم خلف بأن تمكين المرأة من أهم المواضيع التي يجدر بالهيئات المتخصصة بحثها، ومن الضروري أيضاً أن تخرج المرأة العربية من المجال الخاص إلى المجال العام.