شكل التوجه نحو اقتصاد السوق وتحرير التجارة وتشجيع الاستثمار وتقليص الاعتماد على النفط والغاز في ايرادات الخزانة، واصلاح الرواتب والأجور، اضافة الى اتباع سياسة أسعار صرف موحدة، وتحرير اسعار الفائدة وجعل الليرة قابلة للتحويل وانشاء سوق الاسهم والاوراق المالية وحل مشكلة البطالة وزيادة معدل نمو الناتج المحلي، أهم ملامح برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي طرحته الحكومة السورية للنقاش منذ 15 شهراً. وتوصلت اللجنة المكلفة بالاصلاح الى وضع تصور نهائي له تحت عنوان "تدني كفاءة الأداء الاقتصادي ومحدودية عدالة توزيع الدخل الوطني". وحددت تطبيق هذا التصور في سبع سنوات ابتداءً من مطلع السنة المقبلة وإلى نهاية سنة 2010. ويعتمد البرنامج على توصيف وتحليل الوضع الراهن للاقتصاد وتحديد مرجعيات عملية الإصلاح. اوضح البرنامج ان دخل الفرد في سورية عام 2000 يشكل نحو 45 في المئة من متوسط دخل الفرد في الدول العربية في العام نفسه، وهو ادنى من دخل الفرد في العديد من الدول ذات الظروف التنموية المشابهة للعام نفسه ايضاً. وبالمقياس العالمي فإن نصيب الفرد السوري من الدخل هو اقرب لمثيله في الدول الاقل دخلا في العالم، ويشكل 22 في المئة من متوسط دخل الفرد في العالم و57 في المئة من متوسط دخل الفرد في الدول المتوسطة النمو. وان حجم الناتج بالقيم المطلقة في سورية يزيد بنسبة 20 في المئة عن مثيله في لبنان، ويقل بنسبة 7 في المئة عنه في تونس. وعلى رغم أن عدد السكان في سورية يبلغ 404 أضعاف عدد سكان لبنان و1.73 ضعف عدد سكان تونس. وفسر البرنامج الانخفاض في دخل المواطن السوري بانخفاض معدلات النمو الاقتصادي على مدى سنوات عديدة سابقة مقارنة بالارتفاع النسبي لمعدلات النمو السكاني. ودعا البرنامج إلى اقرار استراتيجية وطنية للسكان حتى سنة 2020، تتضمن اهدافاً كمية ونوعية تتعلق بالنمو السكاني وتركيبه وتوزيعه، علماً أن عدد سكان سورية تضاعف ثلاث مرات في الخمسين سنة الماضية. وكان عدد السكان في سورية 3.5 مليون نسمة عام 1950 ليصل الى 16.2 مليون نسمة عام 2000، وفي هذه الفترة تباينت معدلات النمو السكاني ويبلغ حاليا 2.5 في المئة. ويشكل السوريون دون سن العمل نحو 40.2 في المئة من السكان. وبلغ عدد الموظفين حسب قوة العمل لعام 2001 نحو 4.7 مليون عامل وبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 545 الف نسمة ما يشكل نحو 10.33 في المئة من قوة العمل. ورأى برنامج الاصلاح ان حل مشكلة البطالة يعتمد اساسا على تطوير اداء الاقتصاد الوطني بكافة قطاعاته، ما يجعله اكثر قدرة على استيعاب الوافدين الجدد الى سوق العمل. واكد البرنامج على اصلاح الرواتب والأجور التي تعاني في سورية من التدني حيث لا يكفي مستوى الرواتب والاجور وتعويضاتها لمعيشة اسرة مكونة من خمسة اشخاص، سواء في القطاعين العام والخاص، اذ يبلغ متوسطي الرواتب لنحو 66 في المئة من العاملين في الدولة والقطاع العام اقل من 7500 ليرة نحو 150 دولاراً. وأكد ان انخفاض مستوى الاجور يضيق السوق الداخلية ويسبب الركود الاقتصادي ويحد من فرص الاستثمار ويؤدي لتدهور الفئة الوسطى في المجتمع وانقسام المجتمع بين فئتين غنية وفقيرة. وشدد البرنامج على ضرورة ترشيد دور الدولة وحصرها في القطاعات الاستراتيجية مع استمرارها في الانفاق على التعليم والتدريب والصحة والخدمات الاجتماعية. ويتوجه البرنامج الى الحفاظ على القطاع العام الذي يسهم بنحو 39 في المئة من الناتج المحلي ورفع كفاءته بما يساعد على تطويره من الرعاية الى الشراكة، وإدارته ادارة اقتصادية عن طريق الفصل بين الملكية والادارة والأخذ بآليات السوق في ما يتعلق بالمنافسة والربح والجودة والسعر. ودعا الى فتح جميع قطاعات الاقتصاد الوطني للاستثمار امام القطاع الخاص، الذي يسهم بنحو 61 في المئة من الناتج المحلي وذلك باستثناء بعض القطاعات ذات الوضع الخاص او الطابع الاستراتيجي. واشترط البرنامج لتحقيق النجاح في مهامه، القيام باصلاح اداري شامل لأن "اتساع حدود الفساد الاداري المتمثل بوضع الشخص غير المناسب في مواقع المسؤولية له آثار سلبية متعددة". وأكد "اهمية تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات الذي اكد عليه الدستور". ويحض البرنامج على العمل على تخفيض مديونية الدولة تجاه "المصرف المركزي"، واتباع سياسة اسعار صرف موحدة وواقعية تستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني في الداخل وتساعد على اجتذاب القطع والتحويلات الخارجية ومدخرات السوريين بالقطع الاجنبي الى المصارف السورية. كما دعا الى وضع موازنة سنوية بالقطع الاجنبي ذات علاقة وثيقة بالموازنة العامة للدولة، واستخدام المدخرات الحقيقية وتقليل الاعتماد على الاصدار النقدي في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وذلك باصدار "إسناد الدين العام" لامتصاص المدخرات المتاحة لدى القطاع الخاص وتحرير اسعار الفائدة الجامدة والثابتة والعمل تدريجاً للوصول الى نظام حرية التحويل، لأن تحرير نظام التحويل الشرط الاساسي والضروري لترسيخ الثقة بالنقد السوري وجذب الاستثمارات العربية والاجنبية والمدخرات السورية الموجودة في الخارج. كما طالب البرنامج بالبدء الفوري بتحرير التحويل على الحساب الجاري لميزان المدفوعات والاصول والاستثمارات العربية والاجنبية والأرباح الناجمة عنها، واعادة النظر بأساليب تمويل مستوردات القطاع بنظام التسهيلات الائتمانية واستخدامات قطع التصدير باتجاه اساليب مبسطة وواقعية وشفافة وتوفير الغطاء القانوني والشرعي لكافة العمليات التجارية التي كانت تتم عبر الاطر المذكورة. ومن الناحية المصرفية اكد البرنامج على ضرورة اعادة النظر كليا بمهام المصارف المتخصصة والتحول التدريجي باتجاه المصارف العامة والشاملة التي تقوم بالعمليات المصرفية كافة. ودعا الى توسيع دائرة خدماتها لتشمل النشاطات والعمليات المماثلة لما يجري في البلدان الاخرى وتفعيل دور "مصرف الاستثمار" والبدء باحداث سوق لتداول الاسهم والأوراق المالية، وتعبئة الموارد الائتمانية المتاحة في الجهاز المصرفي ككل والتوسع باقراض القطاع الخاص وتسهيل عملية الاقتراض الاستثماري والاستهلاكي وزيادة عدد فروع المصارف العامة والقيام بحملات اعلامية لزيادة الوعي المصرفي واعادة النظر كلياً بالأجهزة المصرفية. وتشجيعا على الاستثمار، شدد البرنامج على اهمية اتباع نظام "النافذة الواحدة" بين المستثمر والجهة المسؤولة عن الاستثمار ومتابعة تطوير الجهاز المصرفي القائم واقامة "مصرف اسلامي" يساعد على اجتذاب المدخرات المالية بين أيدي الناس. وحض البرنامج على تطبيق سعر الصرف الفعلي السائد في الاسواق المجاورة على كامل عائدات التصدير، وتوحيد اسعار القطع، وجعل الليرة السورية عملة قابلة للتحويل والتداول في الاسواق الاجنبية. كما دعا الى اقامة مناطق صناعية صغيرة مجهزة بالخدمات الاساسية في المدن السورية كافة، ووضع خريطة استثمارية شاملة للمشروعات القائمة العامة والخاصة والمشتركة ومنح مزيد من التسهيلات في احكام "قانون الاستثمار" وتفعيل دور المناطق الحرة لزيادة حجم التبادل التجاري بين سورية والخارج ورفع معدل الاستثمار في المناطق الحرة. وافرد البرنامج فصلاً مطولاً للحديث عن الطاقة في سورية حيث يسهم هذا القطاع بين 14 و20 في المئة من اجمالي الناتج المحلي متأثرا بالاسعار الدولية. وتسهم صادرات قطاع النفط بنحو 60 الى 75 في المئة من صادرات سورية وبنحو 60 الى 70 في المئة من واردات الحكومة من العملات الصعبة وبين 45 الى 50 في المئة من الموارد الذاتية لخزانة الدولة، ما يظهر ارتباطا كبيرا لاوضاع الاقتصاد السوري بانتاج النفط وتصديره. ومعلوم ان سورية تنتج نحو 500 الف برميل نفط يوميا ونحو 16 مليون متر مكعب من الغاز ويتم استهلاكه داخليا ويقدر ان يرتفع انتاج الغاز الى نحو 22 مليون متر مكعب في سنة 2006، وإلى 25 مليون متر مكعب في سنة 2007 والى 28 مليون متر مكعب في سنة 2010. وبين البرنامج ان احتياط النفط في سورية لا يشكل احتياطا كبيرا، اذ يقدر الاحتياط المؤكد من النفط القابل للانتاج بنحو 350 مليون متر مكعب، تعادل نحو 2.2 بليون برميل، وهي كمية تكفي لسد حاجة سورية وتصدير نحو نصف هذه الكمية في الفترة الراهنة، ويقدر احتياط الغاز المؤكد بنحو 450 بليون متر مكعبة ويكفي الاحتياط الحالي لانتاج 40 مليون متر مكعب لمدة 22 عاماً او انتاج 30 مليون متر مكعب لمدة 31 عاماً، كما تتم في سورية اكتشافات غازية جديدة يمكن ان تضيف كذلك طاقة انتاجية جديدة. ومن المتوقع ان يتزايد الاستهلاك الداخلي من النفط الى 275 الف برميل في اليوم سنة 2005 والى نحو يتراوح بين 375 الى 400 الف برميل في اليوم سنة 2010 والى نحو يتراوح بين 450 و500 الف برميل في اليوم سنة 2015. واكد البرنامج ان تغطية الحاجات والحفاظ على الطاقة التصديرية اللازمة مستقبلا مرتبطان ارتباطاً كلياً بالاستكشافات الجديدة وزيادة حجم الاحتياط. وأكد البرنامج ان الوضع الراهن للنفط والغاز يظهر حاجة ماسة لتطوير نشاط الاستكشاف وجذب الاستثمارات الجديدة والتكنولوجيا المتطورة وترشيد استهلاك الطاقة والعمل على خلق بدائل. وأوضح البرنامج ان الطلب على الكهرباء ارتفع ليصل الى نحو 29 بليون كيلوواط ساعة سنة 2002. وبلغ متوسط حصة الفرد نحو 1.5 مليون كيلوواط سنويا ويتوقع ان يصل توليد الكهرباء سنة 2010 الى 46 بليون كيلوواط ساعة ويصل سنة 2020 الى 73 بليون كيلوواط ساعة. وسيتم توليد هذه الكميات الاضافية من محطات حرارية. ويشير التزايد الكبير في الطلب على الطاقة البالغ نحو 10 في المئة سنويا الى حاجة كبيرة لاستثمارات اضافية لتوليد هذا الطلب المتزايد على الكهرباء. ويتطلب ذلك طاقة توليد اضافية تبلغ 300 ميغاواط ساعة سنويا أي نحو ثلاثة ميغاواط حتى سنة 2010. وتبلغ الاستثمارات السنوية لتلبية الطلب على الكهرباء نحو 16 بليون ليرة، ما يعني ان هذا القطاع يحتاج الى نحو 125 بليونا حتى سنة 2010، معظمها بالعملات الصعبة. واعتبر برنامج الاصلاح الاقتصادي "ان علاقة الاقتصاد السوري بالاقتصاد الدولي تشكل صياغة احد اهدافه الاساسية. وتنطلق اعادة الصياغة من التوجه نحو تحقيق مستوى اعلى من التكيف التدريجي للاقتصاد السوري مع التوجهات المعاصرة للاقتصاد الدولي، خصوصاً الاخذ باقتصاد السوق وتحرير التجارة وتشجيع الاستثمار والاستفادة من الدول المتقدمة صناعيا في مجال التطور العلمي والتقني". ويؤكد البرنامج الاستمرار في وضع خطط "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى" موضع التنفيذ وفق الجدول الزمني المحدد لها وتكثيف الجهود للوصول الى صيغ اكثر تطوراً وفاعلية مع الدول والتجمعات الاقليمية الكبرى ومع المؤسسات الاقتصادية المهمة والعمل على انجاز "اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي" بسرعة، والاهتمام بموضوع انضمام سورية الى منظمة التجارة العالمية وتوثيق العلاقات مع روسيا الاتحادية ودول الاتحاد السوفياتي السابق ودول اوروبا الشرقية ودول شرق وجنوب آسيا، وخاصة اليابان والهند. وبالنسبة الى تمويل البرنامج، فإن البرنامج يحتاج الى تمويل إضافي يعتمد في جوهره على موارد ذاتية، يتوقع تناميها مع تقدم تنفيذ البرنامج بنجاح بالإضافة الى موارد ذاتية أخرى. وربما دعت الضروروة الى مصادر تمويل من جهات خارجية.