هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    إطلالة على الزمن القديم    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    أرصدة مشبوهة !    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصيلة عام 2000 - خطوات انفتاحية عدلت قوانين عمرها نصف قرن . الحكومة السورية تطوي صفحة "التأميم" بالسماح بمصارف خاصة والانفتاح التدرجي
نشر في الحياة يوم 22 - 12 - 2000

يعتبر خبراء اقتصاديون القرارات والقوانين التي أصدرتها القيادة السورية في إطار برنامجها للاصلاح الاقتصادي في البلاد بمثابة "ثورة"، كونها صدرت في فترة قياسية، ولأنها تعكس "الارادة والتصميم في السير قدماً نحو الشفافية والانفتاح التدرجي".
يأتي القرار الأخير للقيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم بفتح مصارف خاصة في البلاد واستحداث سوق للتدوال بالأسهم والموافقة على قانون السرية المصرفية على رأس هذه القوانين. ويعد القرار "تحولاً اساسياً في الاقتصاد السوري" وحسماً للجدل الذي دار بين المؤيدين والمعارضين لهذه الخطوة، ما يلبي مطلباً مستمراً منذ أعوام عدة للمستثمرين العرب والأجانب الذين اعتبروه من أهم أولويات المناخ الاستثماري.
وبذلك تطوي الحكومة صفحة التأميم التي تعود الى مطلع الستينات، خصوصاً بعدما سمحت في حزيران يونيو الماضي بإقامة مصارف خاصة في المناطق الحرة السورية، مشترطة ان يكون المصرف من الدرجة الأولى ويزيد رأس ماله على 11 مليون دولار.
وفي الوقت الذي يتوقع اقتصاديون ان يساهم قرار السماح بمصارف خاصة "في اعتماد موارد القطاع الخاص لتمويل القطاعات الانتاجية والتجارة والمنتجات ذات المنفعة الاجتماعية كقروض الاسكان من دون ان ينسجم عن ذلك أي تضخم"، قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد العمادي ان القرار "يلبي مقتضيات منطقة التجارة العربية الكبرى والشراكة السورية - الاوروبية المقبلة". كما أوضح أن القرار سيحقق "نقلة حقيقية" باحاطته بواقع العمليات والايداعات المصرفية السورية والتعاملات الجارية و"نقلها الى قلب سورية" ليشكل سوقاً مالية قادرة على جذب المدخرات وتأمين السرية لها بموجب قانون السرية المصرفية. وتوقع الوزير أن يؤدي قرار المصارف الى زيادة النشاط وموارد الدولة من الضرائب المتحققة من هذه المصارف وتكامل السوق المالية السورية مع السوق العربية.
ويبلغ الحد الادنى لرأس مال المصارف الجديدة بليون ونصف ليرة سورية 30 مليون دولار. ومعلوم أنه بعد تأميم القطاع المصرفي في سورية في الستينات، ارتكز تمويل الاقتصاد على "المصرف التجاري السوري" الذي يستحوذ على 75 في المئة من موجودات القطاع المصرفي فيما يتوزع رصيد الموجودات على خمسة مصارف متخصصة تجارية وصناعية وزراعية وعقارية وتسليف شعبي مملوكة من قبل القطاع العام.
وقد منح "المصرف التجاري"، إضافة الى المصرف المركزي، الحق الحصري للقيام بعمليات قطع محددة وتمويل التجارة الخارجية. وأصبح مع فروعه ال52 المنتشرة في انحاء البلاد الوحيد الذي يقوم بصيرفة التجزئة بمعناها المحدود جداً.
وأولى الرئيس بشار منذ تسلمه الحكم في تموز يوليو الماضي مسألة تعديل بعض القوانين او الغائها الاهتمام الاول من اجل اعطاء دفعة مهمة للاقتصاد، خصوصاً أن هذه القوانين "تشكل محور عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولها آثار عميقة على التحولات الجارية والتطورات التي يشهدها الاقتصاد والحياة الاجتماعية".
ويتجاوز عمر عدد من القوانين الأساسية نحو نصف قرن وبعضها يعود الى آخر أيام الانتداب الفرنسي وبداية عهد الاستقلال، ما يعني تخلفها عن مجاراة التطورات في قطاعات اخرى داخل البلاد او التغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي.
وفي إطار التغيير، فتحت الحكومة في تموز أيضاً وبعد مضي أكثر من 35 عاماً على منع استيراد السيارات، باب الاستيراد بعدما كانت هذه العملية محصورة ب"مؤسسة سيارات" افتوماشين أو تتم عن طريق اجازة مغترب تُشترى من قبل رجال الاعمال بمبلغ 300 ألف ليرة، أو مشوهي الحرب واعضاء مجلس الشعب والمعوقين.
ويرى خبراء ان الدولة "لم تحقق من منع استيراد السيارات أي مكاسب ولم تجن سوى السلبيات"، حيث حُرمت خزينة الدولة ملايين الدولارات فيما تم استيراد قطع تبديل قديمة ومستعملة للسيارات بكلفة ملايين الدولارات. وأشاروا إلى أن السماح بالاستيراد سيساهم في تلبية حاجة السوق من السيارات السياحية الجديدة التي ستحل حتماً محل السيارات المستهلكة بالاسعار العادية غير الاحتكارية، وتوفير الاموال التي تُصرف سنوياً في مجال صيانة السيارات القديمة واعادة التوازن في اسعار السيارات ليصبح سعر السوق هو السائد وليس السعر الاحتكاري الناشئ عن منع الاستيراد". ويمنح القرار المواطن امكان استيراد سيارة سياحية شخصية له على ان يتم تأمين قيمتها من مصدرين الاول: من قطع التصدير، أي شراء القطع من احد المصدرين وضمن حدود نسبة 10في المئة، او من القطع الاجنبي المودع لدى "المصرف التجاري" بعد مضي ستة اشهر عليه.
وكان المواطنون لجأوا في الفترة الأخيرة الى الاقبال على شراء واستخدام سيارات ال"بيك اب" التي سُمح للمزارعين باستيرادها بسبب منع وحصر السيارات السياحية، إلى أن وصل عددها الى 75 ألف.
خفض الضرائب
وتدرس الحكومة حالياً امكان خفض نسبة الضرائب على السيارات الى النصف، فيما تفرض حالياً نوعين من الضرائب: الاول على السيارات ذات وزن أقل من طن، حيث تصل الضريبة الى 185 في المئة، فيما تتجاوز في الثاني 175 في المئة من القيمة التي تقدرها لجنة "افتوماشين" وادارة الجمارك العامة ووزارة المال على السيارات التي تزن اكثر من طن. ويساهم القرار في حل التجاوزات التي تم ارتكابها من قبل مشاريع النقل والتسويق السياحي المرخص لها وفق قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديله، والتي وصل عددها الى نحو 525 شركة، حيث اجاز القرار لهذه المشاريع تسوية اوضاع السيارات حتى نهاية السنة الجارية.
كما أتاح القرار للمواطنين فتح وكالات بعد ان تتم تسميتهم من الشركات الصانعة للسيارات مباشرة، علماً ان عدد السيارات في سورية يقدر بنحو 1.2 مليون سيارة تعود نسبة 13 في المئة منها الى القطاع العام، وانتاج 40 في المئة منها الى ما قبل 1980. وتعتبر أسعار السيارات الأغلى في العالم.
ومن القوانين التي تم تعديلها وتحديثها في الأشهر الأخيرة قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 الذي أعطى تسهيلات جديدة للمستثمرين العرب والاجانب تؤكد مبدأ حماية الاستثمارات من التأميم والمصادرة ونزع الملكية، وإعطاء الحق بشكل واضح للعرب والأجانب في تملك الأراضي اللازمة لمشاريعهم وادخال واخراج اموالهم بحرية.
ويشار الى ان حجم الاستثمار الكلي في سورية تراجع من 17.4 في المئة عام 1995الى 8.5 في المئة عام 1999، ما ساهم في شكل مباشر في بدء مرحلة الركود التي ظهرت فيها السلع مكدسة والايدي العاملة عاطلة عن العمل، في الوقت الذي توجهت غالبية استثمارات السوريين الى الخارج والتي تقدر بما يزيد على 70 بليون دولار اميركي.
كما شكل تعديل القانون 24 بالمرسوم رقم 6 أحد أهم القرارات التي اتخذتها الحكومة، حيث أصبحت حيازة العملات الأجنبية والمعادن الثمينة مهما بلغ حجمها مسألة غير خاضعة لعقاب، بعدما كانت غير قانونية في السابق.
وشهدت البلاد حركة من قبل المستثمرين العرب والأجانب الذين زاروا سورية لاستطلاع المناخ الاستثماري "الذي بات مقنعاً في ضوء القرارات الجديدة". وعقد في قصر المؤتمرات في هذا الاطار "مؤتمر الاستثمار الدولي" الذي حضره اكثر من 500 مستثمر عربي، اضافة الى المغتربين السوريين الذين تحمسوا لإقامة مشاريع استثمارية في بلدهم، مستفيدين من الخفض في البدل النقدي الذي نص عليه قانون السماح للمغتربين بتسديد البدل النقدي.
وتظهر احصاءات "مكتب الاستثمار" ان عدد المشاريع في الاشهر السبعة الماضية بلغ نحو 1551 مشروعاً في قطاعات الصناعة والزراعة والنقل تقدر كلفتها ب324 بليون ليرة سورية توفر نحو 93 ألف فرصة عمل. وبلغ عدد المشاريع المشتركة بين مستثمرين سوريين وعرب وأجانب نحو 250 مشروعاً توزعت على 37 بلداً اجنبياًَ منها 12 بلداً عربياً.
وقال مدير "مكتب الاستثمار" السيد محمد سراقبي ان تعديل قانون الاستثمار بالمرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2000 حقق زيادة في عدد المشاريع الصناعية والزراعية المشملة، إذ بلغ عددها منذ صدور التعديل 91 مشروعا صناعياً وزراعياً موزعة على 17 نشاطاً مختلفاً، ويبلغ مجموع رأس مالها نحو 5،44 بليون ليرة سورية وتوفر 4912 فرصة عمل مباشر واضعاف هذا العدد من فرص العمل غير المباشر.
المشاريع المشتركة
كما زادت المشاريع المشتركة بين سوريين وعرب وأجانب أو المشاريع المملوكة بكاملها لمستثمرين من غير السوريين. وبلغ عدد جنسيات المستثمرين من غير السوريين المشاركين في هذه المشاريع 12 جنسية عربية وأجنبية، منها الصينية والتركية والقبرصية والسويسرية والايطالية والفرنسية، إضافة إلى مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.
وانعكس التعديل في زيادة عدد المشاريع الكبيرة والاستراتيجية، أي مشاريع برؤوس أموال كبيرة وذات تكنولوجيا متقدمة، مثل مشاريع الاسمنت والزيوت والاطارات والادوية والحديد والصلب والغزول وحفر آبار المياه والعصائر الطبيعية وغيرها.
غير ان النتيجة الأهم كانت في تجاوب المستثمرين مع المزايا الاضافية التي منحها التعديل لجهة اقامة مشاريع في المناطق النائية والمحافظات الصغيرة. وبلغ عدد المشاريع المقامة في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور والسويداء وادلب ودرعا وطرطوس ما يزيد على 20 مشروعاً.
وقال سراقبي إن خمس مجموعات استثمارية كبرى تقدمت الى "مجلس الاستثمار" لتأسيس شركات قابضة.
ومن المراسيم المهمة التي تم اصدارها، المرسوم رقم 8 الذي عدَّل قانون "العقوبات الاقتصادية" وقانون "العمران والاستملاك" رقم 60 لعام 1979والمتعلق بالاستملاك وتأمين الأراضي للسكن ضمن مدن مراكز المحافظات، ومعالجة الصعوبات الناشئة عن تطبيقه.
وينتظر رجال الأعمال استمرار حملة التحديث وتعديل عدد كبير من القوانين وصدور تشريعات توحد أسعار الصرف وتخفض الرسوم الجمركية والضرائب، إضافة إلى قانون التجارة. لكن القانون الذي ينتظر العدد الأكبر من المواطنين تعديله هو "قانون الايجار" لعام 1952 والذي ساهم في ارتفاع أسعار العقارات في العقد الماضي بنسبة 200 في المئة، إلى حد ان وصل سعر بعض الشقق الى مليوني دولار، ما فاقم الأزمة السكنية، علماً أن هناك أكثر من 40 ألف شقة فارغة في دمشق، ظلت كذلك حتى بعد انخفاض الأسعار في العاصمة بنسبة 50 في المئة. ويتوقع صدور التعديل قريباً بعد ان تنتهي اللجنة المكلفة بذلك من مهامها.
الموازنة العامة
وفي اطار الخطوات التدريجية التي تتخذها الحكومة "في محاولة للتغلب على مسببات الركود الاقتصادي" الذي هيمن على البلاد في الأعوام الثلاثة الماضية، أقر مجلس الشعب البرلمان مطلع الشهر الجاري، مشروع الموازنة العامة للسنة المقبلة. وهذه المرة الأولى التي يتم إقرار الموازنة في موعدها الدستوري، إضافة الى ان هذا العام سجل اقرار ثلاث موازنات في عهد الحكومة الجديدة التي لم يمض على تعيينها ثمانية شهور.
وتبلغ اعتمادات الموازنة 322 بليون ليرة سورية نحو سبعة بلايين دولار بزيادة نحو 46.6 بليون ليرة عن موازنة السنة 2000 يأتي معظمها نحو 35 بليون ليرة سورية، أي ما يعادل 760 مليون دولار من زيادة عائدات النفط.
ويضمن مشروع الموازنة تأمين 65.9 ألف فرصة عمل، في الوقت الذي وضعت فيه الحكومة مسألة "امتصاص قوة العمل الفائضة" في السوق في مقدمة اولوياتها. وبعد الزيادة في الرواتب والأجور بنسبة 25 في المئة السنة الجارية للموظفين الذين يشكلون مع عائلاتهم نحو 40 في المئة من السكان، أقرت الحكومة مشروع "البرنامج الوطني لمكافحة البطالة" خُصص له مبلغ بليون دولار من الموارد الوطنية لحل مشكلة البطالة، التي يقدر اقتصاديون نسبتها بنحو 20 في المئة، فيما تقدرها الاحصاءات الرسمية بنحو 9.5 في المئة أي نحو 432 ألف عاطل عن العمل.
ولا يهدف البرنامج إلى توفير فرص للعمل موقتة، ولكن ايجاد "عمالة مستدامة" للعاطلين عن العمل في الأمد الطويل. في الوقت نفسه يشدد اقتصاديون أنه ليس هناك بديل في الأمد الطويل عن ايجاد الظروف الملائمة لتحقيق معدل نمو اقتصادي يعادل 6 في المئة سنوياً، إذا ارادت الحكومة استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل والذين يقدر عددهم بما يراوح بين 250 الف و300 الف سنوياً ويحتاجون الى استثمارات تصل قيمتها الى ما لا يقل عن خمسة بلايين دولار، علماً ان كلفة توفير فرصة العمل الواحدة تراوح بين 15 ألف و25 ألف دولار.
خطط التنمية
وتاريخياً، اصطدمت خطط التنمية المتعاقبة في سورية في محاولاتها تأمين فرص عمل للأفواج المتزايدة من السكان بعائقين، الأول ارتفاع معدل النمو السكاني، والثاني تنوع طبيعة بيئة العمل مع زيادة دخول النساء مجال العمل، ما أدى إلى ارتفاع عدد الداخلين الى سوق العمل سنوياً خلال الثمانينات الى نحو 180 ألف شخص قبل انخفاضه في النصف الثاني من التسعينات الى نحو 160 ألف سنوياً. وبلغ معدل نمو قوة العمل بين عامي 1981و1995 ما يزيد على 5 في المئة سنوياً، إلا أنه انخفض الى 3.5 في المئة سنوياً خلال الأعوام الخمسة الماضية نتيجة انخفاض النمو السكاني خلال هذه الفترة الى 2.37 في المئة وارتفاع بسيط في معدل النشاط الاقتصادي.
وتزيد هذه الاعداد المتزايدة الداخلة الى سوق العمل عن حجم الطلب السنوي على القوى العاملة نتيجة عدم قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل تقابل هذه الاعداد، ما أوجد نوعاً من عدم التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل وارتفاعاً في نسب البطالة، خصوصاً في التسعينات، حيث ارتفعت نسبة البطالة من 4.8 في المئة عام 1981 أي نحو 99 ألف شخص الى 8.5 في المئة عام 1993 نحو 300 الف شخص قبل أن تنخفض عام 1995 الى 6.7 في المئة نحو 276 الف عاطل عن العمل. ويعود هذا الانخفاض إلى نمو معدل الاستثمارات نتيجة صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991.
لكن انخفاض هذه الاستثمارات في النصف الثاني من التسعينات، لا سيما في القطاع الخاص، وتزامن ذلك مع موجة الجفاف التي أصابت القطر، خصوصاً في السنوات الأخيرة من التسعينات أديا إلى ارتفاع نسب البطالة في نهاية العام الماضي الى ما يزيد على 9.5 في المئة بعدد، أي ما يزيد على 432 ألف شخص، وفقاً لنتائج مسح جرى عام 1999. ومع إضافة عدد السكان الذين يتوقع دخولهم إلى سوق العمل السنة الجارية نحو 150 ألف شخص إلى هذا الرقم، يصبح عدد الذين يتعين تأمين فرص عمل جديدة لهم العام الجاري نحو 582 ألف شخص، يضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير المنظم خلال الأعوام الخمسة الماضية من نحو 34 في المئة عام 1995 إلى نحو 43 في المئة السنة الجارية من مجموع قوة العمل.
علاقات مع الجوار
في مقابل اهتمام القيادة بالشأن الاقتصادي الداخلي، ركزت خارجياً على اقامة علاقات مميزة مع معظم دول العالم لا سيما المجاورة، حيث وقعت اتفاقات عدة وبرتوكولات تعاون وأسواق حرة مع غالبية الدول العربية، مثل لبنان والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها. اضافة الى ذلك، برز اهتمام القيادة في الاستجابة السريعة لتسوية كل مسائل الديون مع الدول الاجنبية، حيث وقعت سورية مع المانيا أخيراً اتفاقاً نهائياً في شأن دمج الديون بمبلغ نحو 1.3 بليون مارك يتم تسديدها حتى سنة 2020، ما يضع حلاً نهائياً لمشكلة متأخرات القروض الالمانية المستحقة على سورية والتي تبلغ 1.8 بليون مارك نحو 960 مليون دولار اميركي.
وكانت مشكلة متأخرات القروض المستحقة على سورية عرقلت تطوير علاقاتها مع المانيا وتمويل الاتحاد الاوروبي لمشاريع في سورية، علماً ان دمشق حلت مشاكل الديون الخارجية مع البنك الدولي وفرنسا وإيران.
ونتيجة للاتفاق، أعلنت مصادر المانية ان التعاون المالي والفني بين البلدين سيتم من خلال تحرير مبلغ 62 مليون مارك لمواصلة تنفيذ مشاريع قائمة كمرحلة اولى واضافة اعمال جديدة الى برنامج المشاريع في مرحلة ثانية.
ولا يزال النفط يشكل الدعامة الاساسية للاقتصاد السوري الذي يمول نحو 60 في المئة من الموازنة العامة للدولة. ويبلغ اجمالي الانتاج النفطي 600 ألف برميل يومياً يُصدر منها 320 ألف برميل يومياً. وشهدت الفترة الأخيرة زيادة في عدد الشركات العاملة. وتشير مصادر مطلعة إلى أن اكثر من 60 في المئة من الاراضي السورية تتضمن احتياطاً نفطياً ولم تجر فيها أي عمليات تنقيب بعد. وتعول سورية على معاودة تشغيل انبوب النفط السوري - العراقي في سد حاجتها من الاستهلاك المحلي وتصدير نفطها الى الخارج.
وكانت مصادر غربية أشارت إلى أن الانبوب بدأ تشغيله منتصف تشرين الثاني نوفمبر بعد توقف استمر اكثر من 18 عاماً، وذلك في اطار اتفاق ينص على ان تصدر بغداد إلى سورية 200 ألف برميل يومياً من النفط ب"اسعار مخفضة" تستخدم في المصافي السورية، ما يساعد دمشق على رفع صادراتها النفطية والافادة من فرق السعر.
وفي الوقت الذي لم يعلن أي موقف رسمي سوري أو عراقي ازاء هذا الأمر، توقعت المصادر أن "تراوح قيمة العائدات السورية من هامش الفرق بين 500 ألف دولار ومليون دولار يومياً".
وكشفت المصادر ان ضخ النفط بدأ منذ اسابيع عدة في اطار تجريب الخط وقدرة تحمل محطات الضخ قبل استخدامه. ويصل الضخ الى معدل 150 ألف برميل يومياً على ان يرتفع ليصل الى 200 ألف. وهو من نوع "البصرة الخفيف"، ما يتيح لدمشق تصدير النفط الخفيف من نوع "السويدا" الى الاسواق العالمية". وأوضحت ان هناك 390 كيلومترا من نظام الانابيب في الاراضي العراقية و461 كلم في الاراضي السورية، فيما يبلغ طول الانبوب الاول 888 كيلومتراً، ويمتد منذ بنائه عام 1945 الى ميناء بانياس، علماً أن أنبوباً آخر إلى هذه المصفاة بني عام 1952.
وكانت المفاوضات السورية - العراقية في شأن النفط بدأت نهاية عام 1997. وتأخر تشغيل الخط لسببين، الأول اهماله طوال نحو 18 عاماً، والثاني استخدام شركات النفط العاملة في سورية احد الانبوبين لنقل النفط من الحقول الموجودة شرق البلاد الى مصفاتي بانياس وحمص وسط البلاد وغربها. يشار أيضاً إلى ان سورية ولبنان اتفقا "على المباشرة فوراً بتأهيل انبوب النفط السوري - العراقي - اللبناني".
وقال خبراء نفطيون إن نظام الانابيب السوري - العراقي يضم اربعة انابيب، بينها اثنان يمتدان الى طرابلس يبلغ قطر احدهما 12 انشاً بطول 851 كيلومترا وبني عام 1934، والآخران بقياس 30 إلى 32 انشاً.
ويأتي الغاز في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة للاقتصاد السوري، حيث تم اكتشاف احتياط كبير منه في العامين الماضيين، يعادل نحو 35 في المئة من احتياط الغاز المكتشف على مدى الاعوام الماضية، وتعقد الحكومة امالاً على استثماره محلياً والسعي الى تصديره الى دول الجوار.
ويقدر اجمالي انتاج سورية من الغاز بنحو 12.5 مليون متر مكعب يومياً في مصانع "الجبسة" للغاز الحر و"عمر" و"السويدية" اللذين يعالجان نحو خمسة ملايين متر مكعب من الغاز المرافق. ويتوقع ان يرتفع الانتاج الى نحو 20 مليون متر مكعب يومياً سنة 2001 عندما يستكمل بناء وتوسيعة معامل الغاز القائمة والجديدة.
وتسعى سورية الى احلال الغاز بدلاً من الوقود السائل في المؤسسات الكبيرة لرفع الطاقة التصديرية من النفط. كما أنها أقامت عدداً من خطوط نقل الغاز من المصانع الى المؤسسات الانتاجية وسط البلاد وشرقها.
تكنولوجيا... وانترنت
ولا بد من الاشارة الى الخطوات الجدية التي قامت بها سورية العام الماضي في سعيها إلى ادخال أدوات التكنولوجيا وتطوير قدرات الشباب للحاق بالعولمة ولعب دور فاعل فيها. حيث قامت "المؤسسة العامة للاتصالات" بتوسيع شبكة الانترنت لاستيعاب اكبر عدد ممكن من المشتركين، بعدما اقتصرت في الاعوام السابقة على عدد محدود من المؤسسات الحكومية، وذلك بالتزامن مع ادخال خدمة الهاتف الخليوي النقال إلى البلاد عبر شبكة تجريبية تستوعب 60 ألف خط.
وعلى رغم ان شبكة النقال لم تحظ بالإقبال المتوقع، نتيجة ارتفاع اسعار تركيب الخط الى نحو 1200 دولار اميركي فيما لا يتجاوز معدل الرواتب في البلاد 100 دولار شهرياً، إلا أن التوقعات تشير الى ان الشبكة الدائمة والتي ستبدأ عملها مطلع السنة المقبلة ستشهد اقبالاً كبيراً، نظراً للأسعار المخفضة التي سيتم تركيب الخطوط من خلالها والتي لن تتجاوز 400 دولار اميركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.