حوّلت الشرطة المسلحة العاصمة البريطانية أمس الى ما يشبه الحصن وسط مخاوف متزايدة من هجوم إرهابي عشية زيارة الرئيس جورج بوش الرسمية للندن التي تبدأ اليوم وتستغرق ثلاثة أيام، يحل فيها ضيفاً على الملكة اليزابيث الثانية. وطلب جهاز الأمن البريطاني سكوتلنديارد من الخزانة العامة أمس دعماً مالياً بخمسة ملايين و500 ألف جنيه استرليني لتغطية نفقات تأمين الحماية لبوش التي تتطلب نشر أكثر من خمسة آلاف شرطي في مناطق محدودة من العاصمة لندن والاعتماد على فرقة أمنية مسلحة. وقال إن تكاليف توفير الامن لبوش خلال زيارته تعتبر الأعلى بين العمليات الأمنية في المملكة المتحدة هذا العام. وأكد البيت الابيض، الذي يساوره القلق من هجوم لتنظيم "القاعدة"، اتخاذ اجراءات احترازية مشددة. ولن تدرج مراسم تقليدية مثل موكب العربات التي تجرها الخيول مع الملكة اليزابيث الثانية ضمن برنامج الزيارة. وانتقلت بريطانيا بالفعل الى حالة تأهب أعلى بعد تحذيرات من هجوم محتمل ل"القاعدة" منذ أيام وورود أنباء عن ان وحدة من تنظيم القاعدة زعمت مسؤوليتها عن تفجيرين انتحاريين في معبدين يهوديين في اسطنبول السبت وانها خططت لمزيد من الهجمات على الولاياتالمتحدة وحلفائها بريطانيا وايطاليا واستراليا واليابان. وأغلقت الطرق في لندن وأوقفت الشرطة سائقي العربات لتفتيشهم، وشددت الطوق الأمني حول العاصمة. كما تعززت اجراءات الامن في موانئ ومطارات البلاد. وقال جون ستيفنز رئيس شرطة لندن "إجراءات الأمن غير مسبوقة اولاً بسبب مستوى التهديد الارهابي، وثانياً بسبب طبيعة زيارة الرئيس". وسينتشر قناصة فوق سطوح المباني على طول الطريق الذي سيسلكه بوش، كما وضعت كل وحدات الرد السريع المسلحة في العاصمة في حال تأهب قصوى. ويعتزم عشرات الآلاف التظاهر ضد بوش الذي عارض معظم البريطانيين قراره بغزو العراق على رغم تأييد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الحليف الوثيق للولايات المتحدة القرار. وتلعب القوات البريطانية دوراً رئيسياً في احتلال جنوبالعراق. ووفقاً لتقديرات الحملة المعادية للحرب على العراق في بريطانيا يتوقع أن يصل عدد المتظاهرين إلى مئة ألف، وهذا أعلى رقم في تاريخ بريطانيا للتظاهرات التي تحصل وسط الأسبوع في يوم عمل عادي. ويذكر أن المظاهرات المعادية للحرب في شباط فبراير الماضي اجتذبت أكثر من مليون شخص. وفي استطلاع لمعهد "يوغوف" لحساب صحيفة "ذي صنداي تايمز" وصف 60 في المئة بوش بأنه خطر على السلام العالمي، في حين قال 37 في المئة إنه "أحمق". وتراجعت شعبية بلير منذ حرب العراق والفشل في العثور على اسلحة الدمار الشامل التي كانت المبرر الرئيسي الذي قدمته الحكومة لشن الحرب ولكن بوش قال انه يجب عدم الحكم على قرار دخول الحرب بناء على نتائج تحققت على المدى القصير. وأضاف في مقابلة مع صحيفة "ذي صن" البريطانية نشرت أمس ان الولاياتالمتحدة ستشن حرباً من جديد وبمفردها اذا دعت الحاجة لذلك لضمان أمن العالم على المدى البعيد. وقال عشية زيارته لبريطانيا انه شعر انه مضطر الى التحرك بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر عام 2001 وقال: "كنت فى موقع الحادث بعد الهجمات. اتذكر الضباب والرائحة والموت والدمار. سأتذكر هذا دوماً". وأضاف: "اتخذت قراري في ذلك الوقت. اننا في حرب وسنكسب هذه الحرب. وما زلت اشعر بهذا التصميم اليوم". ونقلت الصحيفة عن بوش قوله ان القوات الاميركية وقوات التحالف أنهت حكم صدام حسين في العراق وسحقت هيمنة تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن في أفغانستان، وأجبرت الاممالمتحدة على الكف عن اعطاء ظهرها للإرهاب. وآثار خيار تخصيص بوش صحيفة "ذي صن" الشعبية بمقابلة الدهشة وسط الصحافيين الاميركيين الذين تساءلوا عن مدى انسجام ذلك مع رئيس يعتنق علانية المذهب البروتستاني الانغليكاني المحافظ. ويملك صحيفة "ذي صن" الواسعة الانتشار والتي تشتهر بنشر صور فتيات شبه عاريات على صفحتها الثالثة شركة "نيوز كورب" التي يملكها روبرت مردوخ وهي اكثر امبراطوريات الاعلام نفوذاً في بريطانيا. وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" في مقال على موقعها على الانترنت انه "بعدما وصل بوش الى السلطة بوعد بإعادة الكرامة الى البيت الابيض، خص صحيفة تابلويد بريطانية تعرض يومياً صور نساء عاريات بمقابلة". وأكدت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية على معارضة البريطانيين اضافة الى عدد من السياسيين المؤيدين لبلير للزيارة وكشفت أمس أن جوانب من الزيارة البروتوكولية لبوش لن تتم بسبب الاجراءات الامنية، فضلاً عن عدم ظهور الرئيس الاميركي في مجلس العموم البريطاني البرلمان خوفاً من تعرضه للمقاطعة من عدد كبير من النواب الذين يعارضون السياسة الاميركية والحرب على العراق والاحتلال الاميركي البريطاني له. من جهتها، دافعت لورا زوجة الرئيس بوش التي سترافقه في هذه الزيارة عن قرار زوجها شن الحرب على العراق من دون الحصول على موافقة من مجلس الأمن الدولي، مؤكدة أنه فعل ذلك لحماية أمن الولاياتالمتحدة وخدمة للسلام العالمي، وأكدت في مقابلة تلفزيونية عشية الزيارة مع شبكة "أي تي في" البريطانية المستقلة أن قرار الحرب على العراق كان "أصعب قرار اتخذه بوش". وأضافت أن زوجها قوي وصريح ويعرف الجميع آراءه. وعبرت عن سعادتها بحلولها وزوجها ضيفين على الملكة اليزابيث في قصر باكنغهام. وقالت أن العائلة البريطانية المالكة أشبه بأسطورة بالنسبة الى الشعب الأميركي. وفى مقابلة أخرى مع صحيفة بريطانية كرر مستشار وزارة الدفاع الاميركية ريتشارد بيرل الذى يتمتع بنفوذ قوي تصريحات بوش. وقال بالطبع سيلتزم بوش هذا المبدأ لأنه مهم في خوص وكسب الحرب على الارهاب، على رغم ان ذلك قد يؤدي الى خلق صراعات مع حكومات اخرى. وأضاف: "ومن ثم فهل يستتبع هذا الخطر ان نجد انفسنا في صراع مع حكومات اخرى. بالتأكيد يستتبع".