صار واضحاً الآن لادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ان المقاومة العراقية للاحتلال وطدت وجودها في كل انحاء العراق تقريباً وان عديدها يقدر، حسب احدث تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، بنحو خمسين الفاً. ويضيف هذا التقرير الذي أعده رئيس محطة "سي آي اي" في بغداد ان "الوضع الامني قد يسوء في كل الاراضي العراقية وليس في العاصمة وحدها". ومن الملفت ان الممثل المدني للاحتلال الاميركي في العراق بول بريمر "موافق على تقويم الوكالة" للوضع كما ذكرت شبكة "سي ان ان" التلفزيونية الاميركية. وصارت ادارة بوش تدرك أيضاً أن من المستحيل المحافظة على امن القوات الاميركية والقوات الاخرى المتحالفة معها في العراق وسط اجواء معادية يريد فيها العراقيون استرداد السيطرة على ارض العراق وموارده ومقوماته الاقتصادية وادارته سياسياً واقتصادياً. واثبتت الضربات الاخيرة الموجعة، ومن بينها اسقاط مروحية قرب تكريت ونسف مقر القوات الايطالية في الناصرية حيث قتل 17 عسكرياً ايطالياً، ان المقاومة توسع نطاق عملياتها وتنوّعها لجهة اساليب الهجمات واماكنها واهدافها. ويبدو ان هذه العمليات لن تقتصر على استهداف الاميركيين وانما ستطاول قوات دول اخرى ضمن "تحالف الراغبين"، ما سيوسع دائرة الاحتجاج العالمي على بقاء العراق تحت الاحتلال. ومن الملفت ان الرئيس بوش اعلن امس انه طلب من بريمر "وضع استراتيجية" لتسريع نقل السلطة الى العراقيين، وانه اصدر تعليماته اليه ليناقش ذلك مع مجلس الحكم الانتقالي الذي قال انه يرغب في ان يتحمل اعضاؤه مزيداً من المسؤوليات. وليس خافياً ان الرئيس بوش مضطر الى سحب قواته من العراق قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ أن في حكم المؤكد أنه سيفقد اي فرصة للفوز اذا استمرت الخسائر في صفوف العسكريين الاميركيين بالمعدلات الحالية او ازدادت، كما هو مرجح ان يحدث. ولكن الاميركيين الذين قاوموا سعي الاممالمتحدة الى اعادة سلطات الحكم الى العراقيين وقننوا صلاحيات مجلس الحكم الانتقالي ولم يعطوه اي موازنات مالية ذات قيمة لاعادة اعمار اي من المرافق الرئيسة في البلاد قد يستمرون في مماطلتهم، الامر الذي سيعود وبالاً عليهم، لن يكون أفدح منه سوى التسرع نحو الانسحاب من العراق قبل اعادة بناء اجهزته الامنية والعسكرية واعادة السلطات والسيادة الى شعبه عبر وضع هيئة عراقية مؤهلة دستورا دائما للبلاد واجراء انتخابات على اساسه في اقرب فرصة. ان اي استراتيجية خروج اميركية تتضمن ايصال متعاونين عراقيين مع اميركا الى سدة الحكم ستمنى بالفشل، خصوصاً اذا اشتمّ العراقيون ان هؤلاء هدفهم تحويل الامر الصادر عن سلطة الاحتلال في شأن الاستثمار الاجنبي الى قوانين تمكن المضاربين الدوليين والشركات الاميركية العملاقة من نهب العراق واستغلاله وتدمير قطاعيه الصناعي والزراعي و"ارتهان البلد سياساً"، كما جاء في مانيفستو اصدرته شخصيات بغدادية ونشرته "الحياة" في عددها الصادر الاربعاء. ويؤمل ان يكون الاميركيون قد بدأوا يكتشفون كيف دفع صقور البنتاغون الصهاينة ونائب الرئيس ديك تشيني الولاياتالمتحدة الى حرب لم يكن لها اي مبرر سوى اطماع تلك الزمرة ورغبتها في تحطيم بلد عربي كبير عريق.