كائناً ما سيكون قرار مجلس الامن بشأن العدوان الاسرائيلي على سورية، فان الولاياتالمتحدة واسرائيل تجاوزتاه قبل صدوره. وبالتالي يستطيع ارييل شارون ان يضع في حسابه انه رفع سقف العربدة العسكرية وكسر حاجزاً اقليمياً تفادت الحكومات الاسرائيلية المسّ به طوال نحو ثلاثين عاماً. ولم يتأخر التأييد الاميركي بلسان جورج بوش شخصياً واضعاً الضربة الاسرائيلية داخل سورية في اطار "الدفاع عن النفس". صحيح انه يستثمر في انتخاباته بعد نحو 13 شهراً، ويذهب في مغازلة اصوات اليهود الى ابعد حد، الا ان جورج بوش لا يبدو واعياً للعبث الذي يرتكبه رئيس اميركي في المنطقة وأمنها. بدءاً من الآن، سيكون متوقعاً ان يعاود الاسرائيليون الضرب داخل سورية، لن ينتظروا الذرائع بل يستفزونها ويبحثون عنها ويستدرجونها. عملية "الجهاد الاسلامي" في القدس، يوم السبت الماضي، كانت اللحظة التي ينتظرها شارون وموفاز، تحديداً منذ ذهب كولن باول الى دمشق لابلاغ ما سمي "المطالب" الاسرائيلية الاميركية، وقد قيل آنذاك ان ثمة مهلة للتنفيذ تنتهي بنهاية ايلول سبتمبر الماضي. ومعلوم ان "المطالب" جاءت بعد سلسلة تهديدات أطلقتها واشنطن، خصوصاً بلسان دونالد رامسفيلد، وأرفقت بانعاش النقاش على ما يسمى "قانون محاسبة سورية". كان ذلك غداة التزام بوش في قمتي شرم الشيخ والعقبة "خريطة الطريق" شرط ان يعمل الفلسطينيون على تنفيذ "المطالب" الاسرائيلية الاميركية ايضاً. وما لبث هذا الالتزام البوشي ان انهار كلياً وتوحدت الاجندة الاسرائيلية الاميركية ليظهر زيف المواقف التي اعلنت في وجود قمة عربية مصغرة. فليست هناك جدية اميركية في اطلاق مبادرة سلام، وانما هناك تصميم على اعتبار القضية الفلسطينية مجرد ظاهرة "ارهاب" لابد من القضاء عليها. في المقابل، تراكمت متاعب الاحتلال امام الاميركيين في العراق، فحملت واشنطن سورية مسؤولية تغلغل عناصر من العرب داخل العراق وقيامهم بعمليات عسكرية ضد الجنود الاميركيين، فيما حملت ايضاً مسؤولية عمليات "حماس" و"الجهاد" في فلسطين بسبب وجود قادة لهذين التنظيمين في سورية، بالاضافة طبعاً الى المواقف الموتورة التي يكنها الاميركيون ل"حزب الله" في لبنان. هذه المعطيات ساهمت، اذاً، في توحيد الأجندة الاسرائيلية الاميركية ضد سورية وفي تسويغ انتهاك أجوائها وأراضيها. وفي الوقت الذي تخوض الولاياتالمتحدة معركة ديبلوماسية لاستدراج الاممالمتحدة الى دور في خدمة الاحتلال في العراق، فإنها برهنت عبر "الفيتو" الاخير ضد قرار لمجلس الامن بشأن الرئيس الفلسطيني ومطالبة اسرائيل بعدم التعرض له انها لا تفعل اكثر من تكريس التقليد الذي اتبعته طوال سنوات، وباتت مستعدة لممارسته حتى ازاء التعامل مع عدوان اسرائيلي على سورية. وجاءت الشروط التي حددها المندوب الاميركي لقبول اي قرار لمجلس الامن لتبرهن على ان الولاياتالمتحدة لم تعد تحترم مرجعية ميثاق الاممالمتحدة ولا القوانين الدولية، وانما تتبع قواعد سنتها هي وتدور في معظمها حول "الارهاب" و"تفكيك بنيته التحتية" ولا تعترف الا ب"تسوية عبر التفاوض"، وهي تعلم جيداً ان التفاوض وشارون امران متضادان. لذا ينبغي ان يدرك العرب انهم ازاء حرب جديدة لم تعد مجرد تهديد وانما دخلت عملياً الحيّز العملي. واذا كانوا يعتبرون ان التعرض للرئيس الفلسطيني "خط أحمر" فإنه يمكن ان يحصل في اي لحظة يقررها الاسرائيليون، واذا كانوا يعتبرون التعرض لسورية "خطاً أحمر" آخر فإنه بات امراً واقعاً يمكن ان يتفاقم في اي وقت، ولا شك ان رد الفعل العربي الحالي لا يدفع شارون الى التراجع وانما يشجعه على المضي في التصعيد. اما جورج بوش فأصبح ميئوساً منه نهائياً.