لو كنت "قادة" مصر والمملكة العربية السعودية وسورية لنزلت الى الشارع وصرخت "يا عرب" وحشدت الأمة خلفي، ولقطعت امدادات النفط العربية من كل بلد، ولألهبت الجولان وكل جبهة أخرى. غير أنني لست "قادة" أو قائداً، وكلامي بالتالي غير مسؤول، أو حرّ من المسؤولية لذلك فهو حرّ. أكتب على هامش اجتماع ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مع الرئيس الأميركي جورج بوش، وأشعر بثقل المهمة التي ندب الأمير نفسه لها، فهو أمام رجل لا أقول عنه اليوم سوى أنه ألبرت آينشتاين بقدر ما ان آرييل شارون "رجل سلام". لا أتمنّى أن أكون في مكان الأمير عبدالله فمن نكد الدنيا الاجتماع مع عدو ما من صداقته بدّ. ولكن لو كنت مكانه لقلت للرئيس الأميركي بأبسط عبارة ممكنة: - اذا أرادت الولاياتالمتحدة أن يؤيّدها العرب والمسلمون في حربها على الإرهاب، فهي يجب ان تبدأ بآرييل شارون، وإرهابه الشخصي وإرهاب دولته. والعرب والمسلمون على استعداد للمشاركة في كل جهد لدحر الإرهاب شرط ان يشمل شارون مع أسامة بن لادن والملاّ عمر، وكل إرهابي آخر. - شارون يحلم إذا كان يعتقد أنه سيجلس مع الأمير عبدالله في مفاوضات ثنائية، أو مؤتمر من أي نوع، فهو قاتل ومكانه الطبيعي السجن. - هل يجوز ان يحاكم سلوبودان ميلوشيفيتش ويبقى شارون طليقاً؟ عندما يقول الرئيس الأميركي ان شارون "رجل سلام" فهو يكسب اعداء جدداً للولايات المتحدة، ويزيد حدة المطالبة بالانتقام من الجرائم الاسرائىلية. - السياسة الاسرائىلية لن تترك صديقاً للولايات المتحدة في البلدان العربية، وهذا خطر ماثل على المصالح الأميركية. - إنهاء الاحتلال ينهي المقاومة التي تسميها الولاياتالمتحدة إرهاباً. - كل المنظمات التي تعتبرها الولاياتالمتحدة إرهابية، حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وكتائب شهداء الأقصى، لم تكن موجودة قبل الاحتلال، وانهاؤه يلغي سبب وجودها. - كيف تفسّر ادارة بوش ان تعلن منظمة إسلامية مسؤوليتها عن عملية انتحارية، وتوزّع شريطاً لمنفّذها، فتتهم اسرائيل أبو عمار بالمسؤولية، وتطالبه الولاياتالمتحدة بعمل المزيد لمكافحة الإرهاب، وهو محاصر في مكتبه؟ - اذا لم تستطع الولاياتالمتحدة التعامل مع ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية، فان البديل له هو فصائل إسلامية تريد تحرير فلسطين من البحر الى النهر، فهذا هو برنامجها المعلن. - الكذبة الكبرى ان الفلسطينيين اختاروا "العنف"، فالواقع البسيط هو ان المفاوضات كانت مستمّرة، ولو تعثرت، والاسرائىليون هم الذين قتلوا اسحق رابين، ثم انتخبوا آرييل شارون. - الكذبة الأكبر هي ان اسرائيل تكافح الإرهاب كما كافحته الولاياتالمتحدة بعد 11 ايلول سبتمبر. نيويورك ليست أرضاً محتلة والإرهاب الفظيع التي تعرّضت له غير مبرر على الإطلاق. اما المقاومة الفلسطينية فهي ضد احتلال لو لم يوجد لم توجد. - مرة أخرى لأن الرئيس بوش ليس آينشتاين إنهاء الإحتلال ينهي المقاومة / الإرهاب، لا العكس. - عندما كان العرب يريدون تدمير اسرائيل واسترداد فلسطين كلها، كان الاسرائىليون يقولون أنهم يريدون السلام. وعندما قبل العرب السلام، وأقل من ربع فلسطين، لجأت اسرائيل الى الحرب على الفلسطينيين. - التحريض ليس تعليم مادة الدين في المدارس، بل هو الاحتلال ووحشية الاحتلال وممارساته، وأحقاد آرييل شارون. والمواطن العربي أو المسلم لا يحتاج الى تحريض من واعظ ديني، فهو يرى جرائم اسرائيل عبر التلفزيون صباح مساء، ويتمنّى لو كان فدائياً انتحارياً آخر. - ثمة كره هائل للسياسة الأميركية بسبب ما يرى العربي والمسلم من انحيازها الكامل لاسرائيل، ما يجعلها شريكة في جرائمها. والحل ليس في توجيه اذاعة الى الوطن العربي، أو في إنشاء قناة تلفزيون أخرى، بل في انتهاج سياسة أميركية عادلة معتدلة في الشرق الأوسط يستطيع المواطن العربي أو المسلم ان يراها بنفسه، ومن دون ترويج إعلامي أو إعلاني. واذا كان الرئيس أصغر من أن يتذكّر فإن أباه لا بدّ يذكر يوماً في الخمسينات، وحتى أواسط الستينات، عندما كانت الولاياتالمتحدة أكثر الدول الأجنبية شعبية في البلدان العربية، وعندما كانت تعتبر رائدة الحرّية والديموقراطية وحقوق الشعوب وبديلاً عصرياً للإستعمار البريطاني والفرنسي القديم. ماذا أزيد؟ لا أزيد سوى ان أدعو للأمير عبدالله بالصبر والتوفيق، وهو ربما ختم حديثه مع الرئيس الأميركي بتذكيره ان الرئيس دوايت آيزنهاور وقف ضدّ بريطانيا وفرنسا واسرائيل في حملة السويس العدوان الثلاثي سنة 1956، وساعد على إخراج الاسرائىليين من سيناء، وان والده جورج بوش ساعد على اخراج العراقيين من الكويت، وأنه سيحقق إنجازاً مماثلاً اذا ساعد على بدء مفاوضات سلام تنتهي بقيام دولة فلسطينية، قال بنفسه أنها ستكون هدف المفاوضات وبلاده تؤيد قيامها. يستطيع الأمير عبدالله ان يقول للرئيس الأميركي كل ما سبق أو بعضه، أو غيره. وسيجد ان الرئيس بوش يعتبر نفسه صديقاً للمملكة العربية السعودية، فلعل ولي العهد السعودي يرد عليه بعبارة أميركية ذائعة هي "مع اصدقاء مثلكم لا نحتاج الى أعداء".