أثارت مصادقة البرلمان التركي على ارسال وحدات من الجيش الى العراق ردود فعل عنيفة في تركيا حيث نظمت تظاهرات صاخبة ضد القرار واعتقل ستة اشخاص. فيما جدد العراقيون رفضهم استقبال قوات تركية أو من دول الجوار، لكن مجلس الحكم الانتقالي اعترف بعجزه عن دفع معارضته الى النهاية، فالقرار حسبما أعلن مسؤول كبير في المجلس يعود الى الحاكم الاميركي للعراق. وعلى المستوى الشيعي في العراق عبر عدد كبير من الفعاليات والناس العاديين عن رفضهم القرار. أما في واشنطن فأشاد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالخطوة التركية واعتبرها في الاتجاه الصحيح. من جهتها بدأت الحكومة التركية محادثات مع حلف شمال الاطلسي الذي تنتمي اليه لإبلاغه قرارها أولاً ولاستشارته في عديد القوات التي سترسلها الى العراق وتجهيزاتها. أعلن مجلس الحكم العراقي الانتقالي في العراق امس انه يحاول التوصل الى تسوية لإنهاء خلافه مع الادارة الأميركية حول نشر قوات تركية في البلاد. وتسعى واشنطن التي تواجه قواتها هجمات يومية وارتفاعا في التكاليف الى حمل المزيد من الدول على ارسال قوات وأموال الى العراق. وصوت البرلمان التركي الثلثاء بالموافقة على ارسال جنود للإنضمام الى قوات الاحتلال. لكن اعضاء مجلس الحكم الذين اختارتهم الولاياتالمتحدة في اطار الخطوة الاولى على طريق إعادة الحكم الى العراقيين، قالوا ان المجلس صوت بالإجماع على رفض وجود قوات من أي دولة مجاورة بما فيها تركيا. وافاد بيان أصدره اياد علاوي رئيس المجلس ان الاعضاء قلقون من وجود قوات تركية على الأراضي العراقية، لكنه قال انه لم يتُخذ قرار نهائي بعد. وابلغ موفق الربيعي عضو مجلس الحكم "رويترز" أمس ان بياناً سيصدر في وقت قريب. وأضاف: "مجلس الحكم يعتبر وجود قوات اجنبية في العراق، خصوصاً من الدول المجاورة مصدر إزعاج وقلق إذ ان هذه الدول لديها مصالح تتعارض مع مصالح شعب العراق". وعلى رغم ان مسؤولية مجلس الحكم مراقبة وضع دستور جديد للبلاد إلا ان الكلمة النهائية في يد بول بريمر الحاكم الاميركي للعراق. وأقر الربيعي ان المجلس ليس بإمكانه فعل الكثير لمنع بريمر من استقدام قوات تركية. وقال: "لن نخدع انفسنا. نحن ندرك تماما ان العراق محتل وان سلطة التحالف الموقتة هي شريكنا ونحن لا نريد الدخول في مواجهة... لذلك سنتوصل بالتأكيد الى تسوية تحمي مصالحنا ومصالح شريكنا". وتزامن هذا الخلاف مع إعادة تنظيم كبيرة للجهود الاميركية لإحكام السيطرة على العراق حيث ما زالت إعادة الإعمار تحت سيطرة وزارة الدفاع. وإرسال قوات تركية للعراق يعد مسألة شائكة بسبب عداء أكراد العراقلانقرة. وكان العراق جزءاً من الامبراطورية العثمانية لفترة دامت قروناً. وقال الربيعي ان اعتراض مجلس الحكم على إرسال قوات من دول مجاورة يستند الى مخاوف من ان ذلك قد يثير صراعات بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة في العراق. وتابع: "من الصعب تصور ان تكون هذه الدول محايدة ونحن نخشى ان تنحاز هذه القوات مع قطاع من شعب العراق ضد قطاع اخر". وقال أكراد العراق انهم لا يرحبون بالأتراك حتى اذا بقوا خارج المناطق الكردية في شمال العراق. وقال ناطق باسم "الحزب الديموقراطي الكردستاني" في الموصل: "لا نريدهم في الشمال ولا نريدهم في الجنوب ولا في الوسط ولا في الغرب ولا في الشرق... لا نريدهم ان يأتوا". تظاهرات في تركيا وذكرت وكالة انباء "الاناضول" أمس ان ستة اشخاص اعتقلوا في اسطنبول في تظاهرة احتجاجاً على ارسال قوات الى العراق تلاها تجمعان آخران مماثلان في المدينة. وأضافت الوكالة ان متظاهرين في مجموعة تضم حوالى مئة شخص ربطوا أنفسهم على أبواب مدرسة ثانوية اميركية في اوسكودار في القسم الآسيوي من المدينة. وتدخلت قوات مكافحة الشغب ضد المتظاهرين الذين كانوا يرددون هتافات من بينها "لن نكون جنود الولاياتالمتحدة" و"لن نسمح بقتل جنودنا". واعتقلت ستة منهم. وجمعت التظاهرة الثانية حوالى 500 شخص في ساحة تقسيم في القسم الاوروبي من المدينة. ونظم هذا التجمع بدعوة من عدد من الاحزاب اليسارية وانتهى بهدوء. وجرت التظاهرة الثالثة امام مكاتب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في حي عمرانية. وأفادت وكالة "الاناضول" ان المتظاهرين رددوا هتافات تدين القرار الذي اتخذه البرلمان اثر تصويت في جلسة مغلقة بالسماح بإرسال جنود اتراك الى العراق لمدة عام على الاكثر. أما الصحف التركية، فاعتبرت قرار الحكومة "مقامرة" ربما تكلف أردوغان مستقبله السياسي. ونشرت صحيفة "وطن" الواسعة الانتشار ان الحكومة ذات الجذور الاسلامية "تقامر في ما يتعلق بالعراق". واضافت: "اذا غرق الجنود الاتراك في مستنقع فإن القاعدة الشعبية للحكومة ستتذكر مشاعرها الدينية والوطنية وتنقلب ضد الحكومة". ورحب بعض الصحف بالقرار ووصفه بأنه "تاريخي" سيمنح انقرة دورا في التطورات المستقبلية، ليس فقط في العراق، ولكن في منطقة الشرق الاوسط بأكملها، كما سيعزز العلاقات التركية - الاميركية التي تضررت بسبب قرار البرلمان عدم السماح للقوات الاميركية باستخدام الأراضي التركية في غزوها للعراق. وأفادت صحيفة "مليات" ان "تركيا لا تستطيع ان تحمي نفسها من الاخطار الامنية في المنطقة بالوقوف مكتوفة الايدي". وذكرت صحيفة "حريات" ان هذا القرار يعد بمثابة "القفز في آخر عربة من القطار الذي لم نلحق به في الاول من اذار مارس" عندما رفض البرلمان الطلب الاميركي. الا ان الصحف المعارضة هاجمت القرار معلنة ان تركيا اتخذته بضغط من الولاياتالمتحدة. واكدت صحيفة "جمهوريت" ان "تركيا تنضم الى الاحتلال في العراق". ونشرت الصحيفة رسما كاريكاتوريا يظهر أردوغان وقد عصبت عيناه بدولار اميركي، في اشارة الى قرض بقيمة 8.5 بليون دولار قدمته الولاياتالمتحدة لأنقرة الشهر الماضي مقابل تعاونها في العراق. واشارت صحيفة "وطن" الى تصريحات القادة العراقيين العدائية تجاه احتمال نشر قوات تركية في العراق وقالت ان "قوات الاحتلال الاميركية هي الوحيدة التي سترحب بالجنود الاتراك في العراق".