الخلاف الذي ظهر إلى العلن بين سلطة الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي على انتشار القوات التركية بدا كأنه اختبار لصاحب القرار ولحجم الصلاحيات التي أعطيت الى المجلس خصوصاً في القرارات ذات الطابع الاستراتيجي. وكان المجلس ناقش على مدى يومين القرار التركي المذكور، وسجل رفضه له بإجماع أعضائه منطلقاً من انه "لا يحبذ وجود قوات من دول الجوار في القوات الدولية المزمع إرسالها إلى العراق"، وجاء في وثيقة داخلية نشرتها صحيفة "الصباح" البغدادية المقربة من سلطة الاحتلال "ان غالبية دول الجوار بحكم مشكلاتها مع النظام السابق لها امتدادات سياسية ومصالح ولن تكون حيادية في تعاملها مع الشأن الداخلي العراقي بل ان من شأن تدخلها ان يزيد هذا الوضع تعقيداً". ولاحظ المراقبون ان المجلس أرجأ إصدار البيان الرسمي المنتظر، حتى بعد استضافته الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، وان كان المجلس حرص على تسريب موقفه الرافض لاكثر من صحيفة وموقع إعلامي، كما حرص على الإشارة إلى ان موقفه "يعبر عن إرادة عراقية خالصة تتفهمها سلطة الائتلاف الموقتة والولايات المتحدة على حد سواء، ويأخذ بنظر الاعتبار ان يكون للأمم المتحدة دور اكبر في الشأن العراقي كما ان العراق يحتاج إلى دعم إقليمي في المرحلة الراهنة". والسبب الذي جعل المجلس يرجئ إصدار موقف هو شعور أعضائه بأنهم شركاء مع سلطة "التحالف" في حكم بلادهم، كما انهم لا يريدون الدخول في مواجهة بل يسعون إلى تسوية "تحمي مصالح العراق ومصالح الشريك، ونحن لن نخدع أنفسنا، نحن ندرك تماماً ان العراق محتل"، وهو تعبير استخدمه موفق الربيعي، عضو مجلس الحكم في معرض تعليقه على نشر قوات تركية في العراق. والواضح ان الطرف الكردي الذي يستأثر بخمسة مقاعد في المجلس استطاع تغليب موقفه الرافض للوجود التركي في العراق بسبب التداخلات الإقليمية في المنطقة واوضاع إقليم كردستان نفسه، على رغم ان هناك أطرافاً أخرى داخل المجلس كانت تفضل ان يحدد دخول القوات التركية في المنطقة الغربية من العراق لتحاشي ردود الأفعال الكردية المحتملة. على صعيد ذي صلة، شجب "حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني" وهو ثالث اكبر حزب كردي في العراق الاتجاه لنشر قوات تركية في العراق، وهدد الناطق باسم الحزب ان حزبه سيصعد حملة رفضه للقرار ولكن بوسائل سلمية وعبر قنوات ديبلوماسية لاقناع الأميركيين والأتراك بالتخلي عن الفكرة، وأضاف "اننا نخشى ان تشجع هذه الخطوة دول الجوار الأخرى على التدخل في الشؤون الداخلية بهذه الطريقة أو بغيرها"، مشيراً إلى ان العراقيين، عرباً وكرداً، قادرون على حفظ السلام في بلدهم من دون الحاجة إلى قوات أجنبية. من جانبه، رفض مدير مكتب العلاقات الخارجية في "الحزب الديموقراطي الكردستاني" غالب فيلي في تصريح الى "الحياة" دخول أي قوة إقليمية الى العراق، وقال: "ان نشر قوات تركية في العراق سيقود إلى انعكاسات سلبية في أوساط المجتمع العراقي"، موضحاً ان للحكومة التركية أطماعاً خصوصاً في كركوك باعتبارها تضم أبناء القومية التركمانية، مؤكداً ان الأكراد والتركمان وابناء القوميات الأخرى يتعايشون بروح من المحبة والود ومن دون تفريق أو تمييز. ورأى الأمين العام لحزب "الإخاء التركماني" وليد شركه، ان استقدام قوات تركية إلى العراق أمر مرفوض، وقال ل"الحياة": "إذا دخلت هذه القوات ستزيد المشاكل تعقيداً" واعلن تضامن حزبه مع مجلس الحكم الانتقالي الرافض لقرار نشر قوات تركية في العراق.