يوماً بعد يوم تنجح اسرائيل بمحاصرة العرب، وفرض الأمر الواقع عليهم، ليس في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني فحسب، بل في اختراقها الأجواء المحيطة بهم ومحاصرة الموقف العربي بأضخم مجموعة بشرية آسيوية من خلال علاقات مع الهند والصين وآسيا الوسطى وهي الدول التي فتحت ابوابها على مصاريعها مع اسرائيل في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية. ولعل المتابع لمسيرة العلاقات الهندية - الإسرائيلية يدرك خصوصية هذه العلاقة واكتسابها على الدوام ديناميات مختلفة تبعاً للظروف والتطورات سواء ما يتعلق منها بما تمر به اسرائيل او تلك التي تدور في شبه القارة الهندية. فمن التعاون العسكري الوثيق والمتعدد الأوجه الى محاولة الطرفين التكاتف على قاعدة مواجهة "التطرف" الإسلامي وصولاً الى الاصطفاف معاً في الخندق الأميركي لمحاربة الإرهاب وتالياً تعزيز الديموقراطية، يمضي الجانبان معاً في ترسيخ "تحالفهما" والاستمرار في ايجاد قواسم مشتركة تحقق لهما العبور أكثر فأكثر الى فضاءاتهما الثنائية واستثمار الرغبة والدعم الأميركيين. ومن هذا المنطلق يمكن القول ان اسرائيل حققت اختراقاً واسعاً للجبهة الهندية لم يسبق لها ان حققته مع دولة اخرى في شبه القارة الهندية مستغلة انتفاء الحد الأدنى من المسؤولية والتحرك العربي في هذا الاتجاه. ويعني الحديث عن علاقات هندية - اسرائيلية أساساً الحديث عن تعاون عسكري حيث اتجه البلدان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الى إعطاء هذا الجانب بعداً متميزاً بالنظر الى الحاجة والمصلحة المشتركتين. فالهند التي شعرت بضرورة تحديث معداتها العسكرية وجدت لدى اسرائيل جهة يمكن الاعتماد عليها ومن هنا كان المدخل الإسرائيلي الى المؤسسة العسكرية الهندية اذ راحت العلاقات في هذا الاتجاه تمضي الى المزيد من التعاون والتنسيق لتصبح الصناعات العسكرية الإسرائيلية احدى الجهات التي تعتمد عليها الهند في الحصول على بعض انواع المعدات العسكرية. وتشير البيانات الصادرة عن البلدين الى توقيعهما عقوداً في مختلف صنوف الأسلحة. وانعكست هذه العلاقات في تبادل الزيارات بين المسؤولين العسكريين، حتى أن باكستان الجارة اللدودة للهند اتهمتها بمساعدة عملاء إسرائيليين على تفجير مفاعل كاهوتا كما كشفت صحيفة معاريف في 15 آذار مارس 1988 عن سر عسكري حين ذكرت ان اسرائيل اقترحت على نيودلهي ثلاث مرات القيام بعملية مشتركة لتدمير المفاعل النووي الباكستاني. وفي عام 1992 اتفقت اسرائيل والهند وبعد زيارات متبادلة لمسؤولي الجانبين على تطوير 300 طائرة من طراز "ميغ -21" اضافة الى 120 "ميغ -2227" وتحديث 800 دبابة من طراز "ت -35" وتطوير صواريخ بعيدة المدى. وفي عام 1993 تم التوقيع على إنشاء صندوق اسرائيلي - هندي مشترك للبحوث العلمية والتكنولوجية بمبلغ ثلاثة ملايين دولار. وفي العام نفسه اعترفت الهند للمرة الأولى بعقد اشترت بموجبه اسلحة من اسرائيل. وتوالت بعدها الصفقات فاشترت نيودلهي عام 1994 محطات تحكم و16 طائرة من دون طيار، ووقّع وزير الدفاع الهندي في 1997 عقداً لشراء طائرات من دون طيار. وفي عام 1998 زودت اسرائيل الطائرات العمودية الروسية المستخدمة في سلاح الجو الهندي أنظمة تحكّم ومراقبة متقدمة. وفي عام 1999 وقّعت الهند عقداً مع شركة اسرائيلية لشراء 56 راداراً اضافة الى تعاون في مجال سلاح البحرية وتحديث الدبابات "ت-72" والتنسيق الأمني، اذ تقوم اسرائيل بتزويد الهند المعلومات العسكرية كافة عن باكستان وإيران التي تجمعها الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية "أفق -2" و"أفق -3". ومنذ انطلاق العلاقات تكثفت الزيارات بين مسؤولي البلدين فزار الهند 68 وفداً اسرائيلياً في حين زار تل ابيب 49 وفداً هندياً، اضافة الى الزيارات السرية والثانوية. ولعل قول الرئيس الإسرائيلي السابق حاييم فايتسمان عندما زار الهند في 1997 من ان "السماء هي الحد لعلاقات البلدين" تختصر المسافة التي قطعتها الشراكة الثنائية والتي تحظى بدعم اميركي واضح. فالهند تتمتع بقدرات جيوبوليتيكية ضخمة خاصة لجهة المساحة حيث تسيطر على معظم شبه القارة الهندية بمساحة 1.3 مليون كيلومتر مربع وعدد السكان بليون نسمة. وبعدما اصبحت دولة نووية فإن ذلك سيفسح لها المجال لتصبح احد اللاعبين على المسرح الدولي. وتدرك إسرائيل اهمية تجيير هذه القدرات واستثمارها، ومن هنا تلتقي جميع النقاشات الإسرائيلية - الهندية حول العلاقات بين الطرفين عند تأكيد اهمية هذه العلاقات وضرورة تطويرها في مختف المجالات بما يحقق مزيداً من المصالح. فإذا كانت الهند تعتبر ان اسرائيل هي البوابة التي يمكن من خلالها ان تدلف الى الساحة الأميركية لتحظى ليس بالدعم السياسي فحسب بل الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري ايضاً، وهو ما انعكس في موافقة البنك الدولي على تقديم قروض مشروطة بالتطبيع الكامل للعلاقات عام 1992، فإن اسرائيل في المقابل تنشط في شكل مدهش في اروقة السياسة الهندية، ولم تأل جهداً في سبيل الوصول الى العقول الهندية ابو بكر عبد الكلام أبو برامج الصواريخ النووية زار اسرائيل مرتين في 1996 و1997. وتعمل الدعاية الإسرائيلية على الربط بين العرب والباكستانيين وبين العرب ومسلحي كشمير وبينهم وبين "طالبان" و"القاعدة" بقصد تسميم العلاقات بين الهند والعرب ومحو اي آثار لحقبة عبدالناصر - نهرو. وإذا اعتبرنا ان الديبلوماسية الهندية ليست من الخفة كي تنطلي عليها هذه الحجج فإن من الطبيعي في الظروف الدولية الراهنة والتطورات المتسارعة ان تنظر الى العلاقة مع اسرائيل وغيرها من منظار المصالح فقط ومن خلال ما تحقق بلادها من مكاسب. وحاولت الهند ايجاد نوع من التوازن في علاقاتها واستقبلت اخيراً وفداً فلسطينياً، إلا ان الغرام الإسرائيلي بادٍ للعيان ولا يحتاج الى كثير عناء لرؤيته، ويكفي التوقف عند الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الهند واضطرارها الى طرق ابواب الولاياتالمتحدة لاعتقاد نيودلهي ان الوصول الى المال الأميركي لا يكون إلا من طريق اسرائيل واللوبي اليهودي اضافة الى وضعها في آسيا وخلافاتها مع باكستان والصين، كما تجلى هذا الغرام بعد فرض العقوبات عقب التجارب النووية في 1998 والمساعي التي قامت بها الهند لدى تل ابيب وواشنطن لرفع هذه العقوبات قبل ان تأتي الفرصة على طبق من ذهب بعد هجمات 11 ايلول سبتمبر واصطفاف نيودلهي في الخندق الأميركي لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي ادى تالياً الى مكافأتها من خلال رفع العقوبات وعقد الصفقات معها والالتفات إليها على حساب باكستان الحليفة التقليدية لواشنطن والتي خصها الرئيس جورج بوش بزيارة خاصة وأبدى تعاطفاً واضحاً إزاء الأحداث الدائرة في كشمير ومسلسل التصعيد والانفجارات شبه اليومية والتي يجهل الرئيس الأميركي بالتأكيد اسبابها الجوهرية ولا يرى فيها سوى اعمال "ارهابية". * صحافي سوري.