أنهى الحزب الوطني الحاكم أعمال المؤتمر السنوي الأول الاسبوع الماضي باعتراف مهم، وهو أن "الإصلاحيين الجدد" باتوا في صدارة صوغ القرار فهم أصحاب فكر متجدد وتوجه ثابت للتعاطي مع القضايا القائمة، لتكون المرة الأولى التي يتقدم فيها الحزب علانية بالتزامات محددة وتفصيلية. ولم يأت أركان الحكومة بجديد، فطرْح رئيس الوزراء قريبٌ جداً من بيانه أمام البرلمان وتصريحات الوزراء هي نفسها المسكنات السابقة، فيما يرى خبراء أن ال 9 وعود التي عرضتها الحكومة في المؤتمر هي دمج ل 24 وعداً التزمت بها الحكومة في عرض بيانها امام البرلمان العام الماضي ما يعني انه لا جديد في الافق. جاءت مشاركة الحكومة في مؤتمر الحزب الحاكم مخيبة للآمال فالحكوميون استخدموا تعبيرات مثل ينبغي، ويجري، وتم، ونؤكد، وهي تعبيرات مطاطة لا تعطي مؤشراً جاداً على تنفيذ ما طالب به الحزب في السابق، في الوقت الذي استخدم الاصلاحيون في الحزب تعبيرات حاسمة ومطالبات محددة من الحكومة على رغم ان البعض يرى أنه لا فرق بين ما طرحه الحزب والحكومة سوى في الاشخاص المرددين لتلك التعبيرات. مصدر حزبي بارز قال ل"الحياة" ان الحزب طالب في ورقة غير معلنة الحكومة بضرورة تغيير منهج التعامل مع رجال الاعمال وسد الفجوة القائمة والتعاطي مع القضايا الاقتصادية الحساسة بشفافية، فيما وعد رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب محمود محيي الدين بأن تُتخذ اجراءات لإصلاح سوق النقد الاجنبي وتفعيل السياسة النقدية واجراء اصلاحات ضريبية وجمركية وان تتخذ خطوات جادة لتفعيل السياسة التجارية لزيادة صادراتها بفتح أسواق جديدة. وطالب الحزب بضرورة وجود نظام مُعلن وشفاف لسعر الصرف يستند الى قوى السوق مع تدخل البنك المركزي لمنع المضاربات في سوق النقد الاجنبي وزيادة تنمية موارد النقد الاجنبي. كما أكد على أهمية مساندة قطاع الاعمال الخاص المنتج وضرورة التعامل مع البيروقراطية التي تعوق انطلاق الطاقات الانتاجية وان يكون القضاء المصري العادل هو الحاكم بين أطراف الخصومة. وطالب الحزب برفع كفاءة التنسيق بين السياسات النقدية المالية ورفع الأداء المؤسسي للبنك المركزي وتفعيل اختصاصات وصلاحيات مجلس إدارته والافصاح عن المعلومات بمراعاة الدقة والصدقية في مخاطبة الرأي العام وتوفير الموارد البشرية والفنية والتحليلية اللازمة لصياغة وتطبيق السياسة المالية العامة من أجل توفير المناخ المناسب للاستثمار. وخلال المؤتمر لوحظ أن الحزب أولى اهتماماً كبيراً بقضية التصدير بما يساعد في رفع معدلات الطلب على المنتجات وزيادة التشغيل في القطاعات الاقتصادية المختلفة اذ أكد الحزب على أهمية تفعيل قانون تنمية الصادرات والاسراع في تنمية المناطق الاقتصادية ذات التوجه التصديري مع السعي لتوطيد العلاقات التجارية الدولية لمصر من خلال الاتفاقات الخاصة بالتعاون الاقتصادي العربي والأوروبي ومع الولاياتالمتحدة وسائر الشركاء التجاريين ذوي الثقل الاقتصادي. ولوحظ أيضاً التشديد على تطوير دور المشاريع الصغيرة في توليد فرص العمل من خلال تسهيل اجراءات التأسيس والتشغيل وزيادة تمويل المشاريع الصغيرة. الدخل المحدود واشار محيي الدين الى أن الحزب يرى أنه لا سبيل لمساندة محدودي الدخل ورفع مستويات معيشتهم إلا من خلال توفير المزيد من فرص العمل وتحسين الدخول وتطوير التعليم والتدريب مع ربطهما بسوق العمل وتحقيق التوازن الجغرافي والاقليمي في ما يتعلق بتوجيه برامج الاستثمار والانفاق العام وتفعيل دور السياسة المالية في تحسين أحوال محدودي الدخل وتطوير سياسات الضمان الاجتماعي وزيادة الدعم المخصص في الموازنة العامة للدولة للسلع التموينية الأساسية وتطوير نظم وآليات دعم الدولة لمحدودي الدخل. وكشف أن هناك سياسات تم إعدادها بالاتفاق مع الحكومة وهي سياسة نقدية تتبنى استهداف التضخم كإطار لها وسياسة للاصلاح الجمركي والضريبي وتجديد ادارة المرافق العامة والهيئات الاقتصادية وادارة الدين العام والسياسة الصناعية وتنمية المشاريع الصغيرة وتنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية وتنشيط سوق رأس المال وسياسة التجارة والاستثمار. وأوضح محيى الدين ان الحزب انتهى من اعداد 14 تشريعاً اقتصادياً لتنظيم وحماية الحقوق والقضاء على مصادر الخلل في الاسواق وترسيخ التوجهات الاقتصادية مطالبا بضرورة تطبيق القوانين بكفاءة من قبل أجهزة الدولة. وبالنسبة للسيطرة على الاسعار وحماية محدودي الدخل يرى الحزب أنه لا بد من استكمال الاجراءات العاجلة التي بدأت الحكومة تنفيذها لتلافي الآثار التضخمية وللحفاظ على حصة محدودي الدخل وزيادتها من الناتج المحلي خصوصاً بعد الزيادات التي حدثت في أسعار سلع أساسية تحتل أهمية في إنفاق الاسرة المصرية. وأشار الى أن من هذه الاجراءات خفض الجمارك والغاء رسوم الخدمات والرسوم الاخرى المفروضة على السلع الغذائية الرئيسة وابدال الرسوم الجمركية القطعية المفروضة على الألبسة الجاهزة والوجود المؤسسي المكثف لشراء وتوفير السلع الاساسية الضرورية للاستهلاك اليومي للمواطنين واستمرار الدعم المباشر للاسعار وتوفير السلع الاساسية للاستهلاك اليومي والتوسع في انشاء واتاحة منافذ للتوزيع التعاوني والتي تلتزم بالبيع بأسعار نصف الجملة وتطوير نظم البطاقات التموينية وزيادة الموارد التي تخصص سنوياً لتفعيل نظام الاقراض الشعبي. وبالنسبة للحفاظ على التوازنات الخارجية واستقرار سعر الصرف أكد الحزب على تفعيل السياسة النقدية للقيام بدورها في الاستقرار النقدي والسيطرة على مستويات الاسعار واقامة سوق بينية للنقد الاجنبي للمصارف تشارك فيها شركات الصرافة بما يسهم في تحقيق الاستقرار في سوق النقد الاجنبي وضبط علاقة الجنيه المصري بالعملات الاخرى والتركيز على عمليات التخصيص والعمل على اتاحة التمويل الخارجي بالاضافة الى الاستثمار الاجنبي من السوق الدولية. وعود مفرطة في المقابل لوحظ ان الحكومة أفرطت في الوعود لتحمل نفسها ما لا طاقة لها به، ويرى خبراء في هذه الوعود ضربة جديدة للصدقية المفروض أن تكون بين المواطن وحكومته فالانظار اتجهت الى المؤتمر لنرى تنفيذاً لا تكراراً للسابق. وقال رجل اعمال بارز ل"الحياة" ان الحكومة زادت من وعودها فقط من دون أي التزام بالتنفيذ، وهناك عوامل نفسية لدى الحكومة ينبغي النظر اليها. ويبدو أن ما قاله رجل الاعمال صحيح، فرئيس الوزراء قدم للحزب 9 وعود هي التيسير على المستثمرين في تعاملاتهم مع الاجهزة الحكومية، الاصلاح العاجل للإدارة الجمركية والضريبية، ايجاد آلية فاعلة لفض المنازعات من دون حاجة التعاطي للاعلان عن حوافز جديدة ومميزة للاستثمارات والاسراع في الاعلان عن مستقبل الاستثمارات العامة في الشركات لوقف التشكيك ومنع المزايدات، الاصلاح المالي والسيطرة على العجز في الموازنة العامة للدولة من خلال مبادلة جزء من الديون الداخلية بممتلكات الحكومة، تحقيق تحسن ملموس ومتراكم في السيطرة على النمو السكاني إضافة الى تحقيق الجودة النوعية في شريحة متزايدة من المدارس والجامعات. يُشار الى أن بيان الحكومة السابق تضمن 24 وعداً بالتنفيذ ويرى البعض أنه تم "تدوير" ال 24 في 9 وعود من دون طرح حقائق واضحة عن آليات التنفيذ والاهتمام بمشكلة المواطن الاساسية مع الحكومة وهي الثقة المفقودة التي بات عرشها مهتزاً بصورة غير مسبوقة. وينبغي العمل على علاج الخلل القائم حتى لا يسقط العرش على رؤوس من في الموقع.