عانت الدول العربية منذ بداية القرن العشرين من استعمار القوى الغربية لثرواتها الطبيعية بسيطرتها على هذه المجتمعات لما تتمتع به من موقع استراتيجي وما تمتلكه من ثروات طبيعية. وبعد الاستقلال، بدأت الشعوب العربية تنادي بأهمية توفير متطلبات التنمية الاقتصادية في المجتمع العربي أسوة بما هو معمول به في المجتمعات الأخرى، فالمتتبع لحركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة يجد أن هنالك فتورا في العلاقة ما بين الاستثمار الأجنبي المباشر والوطن العربي، وكأنهما يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان، وهذا ما أكده تقرير الاونكتاد (مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية) في عام (2003م). وقال المستشار القانوني ماجد عبدالله الهديان إن أولى الأزمات الاقتصادية في دول المجتمع النامي بدأت بأزمة الغذاء وتحولت في معظمها إلى دول مستوردة للغذاء، وقد ذهبت تقديرات المنظمات الدولية في ذلك الوقت إلى أن العالم الثالث يمكن أن يواجه نوعا من المجاعة إذا استمر معدل استيراد المواد الغذائية لهذه الدول على نفس المستوى، ثم أعقبها ارتفاع أسعار النفط، ومعاناة ندرة الموارد الطبيعية وخاصة مصادر الطاقة التي فرضت أعباء ضخمة على تكاليف الواردات في الدول النامية بالنظر إلى ما ترتب على ذلك من ارتفاع عام في الأسعار واختلال في موازين مدفوعات الدول النامية التي عرفت عجوزات بالغة الارتفاع، وبالتالي زيادة مديونياتها، وكانت الفوائض المالية التي حققتها الدول المصدرة للنفط قد انعكست بشكل كبير في شكل عجوزات للدول النامية. ونهجت مديونية الدول النامية شكلا جديدا وهو الاقتراض من الأسواق المالية والبنوك التجارية العالمية، فحتى بداية السبعينيات كان التجاء الدول النامية إلى الاقتراض من الأسواق المالية محدودا للغاية، وكان جل اعتمادها على الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولي كالبنك الدولي.. أما بعد صدمة النفط الأولى(1973م – 1974م)، فقد بدأت الأمور تتغير، ووجدت البنوك التجارية الكبرى التي استقطبت الفوائض المالية النفطية نفسها أمام مشكلة استخدام هذه الأرصدة الجديدة ومن هنا بدأت تشجع الدول النامية خاصة الدول ذات الدخل المتوسط على الاقتراض التجاري لعلاج مشاكل موازين مدفوعاتها، وبطبيعة الأحوال فإن هذه القروض التجارية لم تذهب دائما إلى أكثر الدول النامية حاجة، بقدر ما ذهبت إلى أكثرها قدرة على الاقتراض ولم يكن غريبا والحال كذلك، أن تتفجر أزمة المديونية في بداية الثمانينات عندما اكتشفت المكسيك عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، مما وضع البنوك التجارية العالمية أمام أزمة طاحنة وامتحان بشأنها نظام النقد الدولي ولعل أزمة اليونان وأسبانيا شاهدة الحال في وقتنا الحاضر، وأصبح أحد الأدوار الأساسية لصندوق النقد الدولي هو توفير الظروف المناسبة لكي تتمكن الدول من إعادة جدولة ديونها. ومن رحم هذه الأزمات، أخذت معظم الدول النامية بسياسات التدخل الاقتصادي الحكومي، والانكفاء على الداخل وتقليل الاعتماد على الخارج، هذا هو الوقت الذي سادت فيه نظريات التبعية في أمريكا اللاتينية فقد عمدت دول عدة في جنوب شرق آسيا إلى الأخذ بسياسات اقتصادية مختلفة تماما تعتمد على اقتصاد السوق، وأسواق التصدير، مع الاستمرار في إعطاء دور كبير للدولة في توجيه الاستثمارات. وقد ترتب على ذلك أن فترة السبعينات التي فرضت على معظم الدول النامية أعباء ثقيلة كانت فترة نجاح مجموعة هذه الدول الآسيوية التي استطاعت تحقيق معدلات نمو عالية جدا، وأصبحت تعرف باسم «النمور الآسيوية». وهي دول اعتمدت سياسة الاندماج في الأسواق العالمية، والأخذ بسياسة تصدير السلع الصناعية إلى السوق العالمية. وبدأت منذ بداية الثمانينات سياسات اقتصادية جديدة تبناها صندوق النقد الدولي وإلى حد كبير البنك الدولي، وهي ما يعرف بالإصلاح الاقتصادي حول ضرورة ضبط التوازن النقدي والمالي للدول النامية عن طريق تخفيض العجز في الموازنات العامة ومحاولة السيطرة على التضخم، واستخدام أسعار الفائدة المناسبة وتحديد أسعار الصرف على نحو أكثر واقعية وإعادة النظر في دور الدولة الاقتصادي وتقليصه، وتشجيع القطاع الخاص مع الاعتماد على مؤشرات السوق. بل تجاوز ذلك إلى ما يسمى بالإصلاح الهيكلي والذي يتطلب التحول إلى اقتصاد السوق، ووضع برامج الخصخصة وإيجاد المناخ الاستثماري المناسب سواء للمستثمر الوطني أو الأجنبي والاتجاه نحو التصدير وتشجيع الاستثمارات الخاصة سواء وطنية أو أجنبية، وتخفيض القيود والإجراءات الحكومية على النشاط الاقتصادي. وهذا ما يجدر بالدول العربية لبذل مزيد من الجهود لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تطوير البنية التحتية ورسم السياسات الاقتصادية القائمة على اقتصاد السوق الحر وتهيئة البيئة التشريعية والقضائية وسن القوانين وتقديم التسهيلات والحوافز كالإعفاءات الضريبية والجمركية وتقديم الضمانات من خلال الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف فيما يتعلق بجذب وتشجيع الاستثمار الأجنبية المباشرة ومنع الازدواج الضريبي وإيجاد آلية واضحة لتسوية منازعات الاستثمارات الأجنبية ما يعني تهيئة المناخ الاستثماري لجذب رؤوس الأموال الأجنبية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.