تصاعدت وتيرة الجدل في روسيا حول النتائج المتوقعة لاحتدام المواجهة بين الكرملين والنخب السياسية والمالية المتنفذة، فيما بدا ان روسيا مقبلة على تغييرات حاسمة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ويأتي ذلك استمراراً للأزمة السياسية التي تفجرت لدى اعتقال ميخائيل خودوركوفسكي رئيس مجموعة "يوكوس" النفطية العملاقة الذي وجهت السلطات اليه تهماً بالفساد والاختلاس. لكن اوساطاً سياسة ومالية اعتبرت ان البلاد دخلت الفصل الأخير في مواجهة واسعة خاضها الكرملين ضد مراكز الضغط المالية والسياسية التي حافظت على نفوذ واسع منذ عهد الرئيس السابق بوريس يلتسن. وتمثلت تلك المواجهة في تقليص نفوذ ما يعرف ب"حيتان المال" في روسيا وملاحقة رموزهم قضائياً. وبلغت ذروتها بمعلومات امس، عن استقالة رئيس الديوان الرئاسي الكسندر فولوشين الذي يعد مهندس السياسة الروسية منذ مطلع التسعينات وأهم أقطاب ما يعرف ب"العائلة" التي حكمت روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. واشارت مصادر مطلعة في موسكو امس، الى ان الكرملين ارجأ الإعلان رسمياً عن اقالة فولوشين الى ان تهدأ الضجة التي رافقت اعتقال خودوركوفسكي. ورأت أطراف عدة في موسكو ان الرئيس فلاديمير بوتين تعمد تفجير الأزمة قبل اسابيع من حلول موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في كانون الأول ديسمبر المقبل والتي تليها انتخابات رئاسية في آذار مارس 2004، من اجل توظيف نتائج ذلك لخدمة اغراض الحملتين الانتخابيتين. واعتبر كثيرون ان قيام بوتين بقطع آخر الخيوط التي تربطه ب"العائلة" ينذر بتغييرات حاسمة خلال المرحلة المقبلة، فيما رأى معارضوه ان الضغوط التي مارسها على عدد من الموالين ليلتسن وبينهم فولوشين لإجبارهم على الاستقالة من مناصبهم وتهديد آخرين بفتح ملفات قضائية، مؤشر على عزم سيد الكرملين على توجيه ضربة قوية للتيارات الليبرالية الموالية للغرب وفرض نظام يوصف بأنه "بوليسي". وكانت تقارير نشرتها مراكز حقوق في موسكو، اشارت الى تعاظم نفوذ الأجهزة الأمنية داخل الكرملين ومؤسسات الدولة الأخرى. لكن محللين روساً رأوا ان الأزمة الأخيرة مع مجموعة "يوكوس" النفطية شكلت اختباراً جدياً لعزم بوتين على خوض المواجهة مع حيتان المال الى نهايتها ما يطلق يديه لتطبيق سياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي بعيداً من تأثير تيارات الضغط خلال فترته الرئاسية الثانية. وكان بوتين رفض بحزم مطالب كبرى المجموعات المالية بالتدخل لتسوية ملف اعتقال خودروكوفسكي، فيما اعتبر مقربون من الكرملين ان الأوساط المالية المتنفذة تقف وراء حملة إعلامية واسعة ضد الرئيس، تتهمه باللجوء الى اساليب تعسفية، اضافة الى التلويح بانهيار اقتصادي متوقع من اجل ممارسة ضغوط عليه.