زيلينسكي يدعو إلى رد «حازم» على «ابتزاز» بوتين بشأن التهديد الصاروخي لكييف    الرياض يزيد معاناة الفتح في دوري روشن    إعادة انتخاب االسعودية لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية    تحديد موقف حمدالله من مواجهة الشباب والهلال    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أول امرأة تؤلّف كتاباً عن السبح.. تمزج التراث بالابتكار في معرض "بَنان"    الجيش اللبناني يتهم إسرائيل ب"خرق" اتفاق وقف إطلاق النار "مرات عدة"    وزير الحرس الوطني يرعى ملتقى قادة التحول بوزارة الحرس الوطني    فرع ⁧‫هيئة الصحفيين السعوديين‬⁩ في ⁧‫جازان‬⁩ يختتم برامجه التدريبية بورشة عمل "أهمية الإعلام السياحي    التعاونية توقِّع شراكة جديدة مع شركة اليسر للإجارة والتمويل (اليسر) لصالح قطاع التأمين على الحياة    السفير الأميركي: سعيد بمشاركة بلادي في "بلاك هات"    تكلفة علاج السرطان بالإشعاع في المملكة تصل ل 600 مليون ريال سنويًا    طلاب مدارس مكتب التعليم ببيش يؤدون صلاة الاستسقاء في خشوع وسط معلميهم    برعاية أمير جازان.. الأمير محمد بن عبدالعزيز يفتتح المعرض التقني والمهني بالمنطقة    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية التوحد بالمنطقة    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    وزير الداخلية يلتقي رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية    بناءً على توجيه ولي العهد .. عبدالعزيز بن سعود يلتقي رئيس الجزائر    الرياض تستضيف غدًا نهائيات دوري المقاتلين المحترفين للمرة الأولى في المملكة    وزير البلديات يقف على مشروع "الحي" بالمدينة    تأهيل عنيزة يستضيف مؤتمر جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة الدولي الشهر القادم    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات    انعقاد الاجتماع التشاوري للدورة 162 لمجلس الوزاري الخليجي    الأمير عبدالعزيز الفيصل يتحدث عن نمو السياحة الرياضية    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ألبانيا بذكرى استقلال بلاده    اليونسكو: 62% من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    «مساندة الطفل» ل «عكاظ»: الإناث الأعلى في «التنمر اللفظي» ب 26 %    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    الكشافة يؤكدون على أهمية الطريقة الكشفية في نجاح البرنامج الكشفي    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    شخصنة المواقف    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الشائعات ضد المملكة    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المركبة الفضائية المأهولة شينزو - 5 مدخل الى مرتبة القوة العلمية والتكنولوجية "العظمى"؟. افتراض ترتب التقدم التقني والاقتصادي الصيني على الإنجاز العسكري ... تدحضه الوقائع
نشر في الحياة يوم 30 - 10 - 2003

جمع إطلاق الصين "الشعبية" والقارية مركبة فضائية مأهولة، في 15 تشرين الأول الساعة التاسعة صباحاً، في أعقاب 42 سنة على الاتحاد السوفياتي و41 على الولايات المتحدة الأميركية، بين العلانية الدعاوية والتكتم الأمني والعسكري. فمن وجه أول، تعمدت السلطات الصينية، الحزبية والعسكرية، إبراز الإنجاز التقني العلمي والعسكري في الصحافة والإعلام، والتنبيه السياسي، على لسان رئيس الحزب والدولة، الى ان المركبة الصينية المأهولة، بقيادة يانغ ليوي 38 عاماً، ترفع الصين الى مرتبة القوة الفضائية الثالثة. ويعزو الإعلام الصيني، الحزبي، صناعة "المركبة الإلهية" شينزو - 5 الى الصناعة والتأهيل الصينيين وحدهما، على رغم القرابة بين المركبة الصينية 8،7 أطنان وزناً، و5،8 امتار طولاً وبين مثالها الروسي سويوز 2،7 اطنان و5،7 امتار، وعلى رغم المساعدة الروسية في إعداد فريق ملاحي المركبة الذين يعدّون 14 ملاحاً من نخبة طياري سلاح الجو الصيني.
وشاهد نحو 20 ألفاً من المدعوين، معظمهم من كبار العسكريين والحزبيين والفنيين، إطلاق المركبة المحمولة على صاروخ "المسيرة الطويلة -2" - وهو صاروخ من طبقتين طوله 62 متراً وزنته 464 طناً - من مركز الإطلاق السري في ايجينا كي، على حدود منغوليا الداخلية، شمال الصين، وولاية غانسو، في وسط البلاد الصحراوي والقاحل. واقتضى انتقال الصحافيين أو السواح الراغبين في مشاهدة إطلاق المركبة المحمولة بأم العين ركوب الطائرة من بكين الى مدينة ينيشوان على نحو 1500 كلم، وركوب السيارة 11 ساعة من هذه الى موضع يبعد 200 كلم من مركز الإطلاق. وعزا المسؤولون الصينيون التكتم والتضييق هذين الى مراقبة نحو ألف جاسوس اميركي، على قولهم، الإنجاز الصيني.
وحرص القيادة الحزبية على إبراز الإنجاز "الوطني"، وإضافته الى انتصاراتها وجدارتها بدورها اليادي، لم يحملها على المغامرة. فرجعت عن نقل وقائع الإطلاق من طريق البث المباشر الى بثه متأخراً ومسجلاً، بعد التيقن من نجاحه. وآثرت استثارة عاصفة من الخيبة والإنكار على بعث عاصفة من الإحباط كانت أعقبت لا محالة إخفاقاً جزئياً او حادثة مميتة وألمحت الصحافة الصينية ومواقع الشبكة، بحسب وكالات الأخبار، الى إلحاح طيف الانفجار في "ديسكوفيري" الأميركية على أذهان المسؤولين الصينيين، وتخوف هؤلاء انصراف الرأي العام عن الخطة الفضائية جراء إخفاق محتمل.
الأفق السياسي والعسكري
ومثل هذا الترجح بين وجهي العلانية والتستر أمر معتاد في السياسة الصينية. ولعله مرآة امينة لترجح السياسات الصينية، في المجالات والميادين المتفرقة، بين معنى الإنجاز الاقتصادي او العلمي التقني، وثقله الفعلي، وبين معناه السياسي، وإرادة القيادة الحزبية المتسلطة تعظيم الإنجاز، وحمله على "حكمتها" وسداد خططها. فتخلص من هذا الى ان استئثارها بالسلطة وتصريفها شرط لازم لاستمرار التقدم على طريق ما كان يسميه الشيوعيون السوفيات "الثورة العلمية والتكنولوجية".
ويلاقي مزج وجهي الإنجاز، التقني الاقتصادي والقومي العسكري، صدى عريضاً في اوساط الطبقات الوسطى الصينية الناشئة. فالمشتركون في الشبكة، على قول صحافيين ومراسلين محليين، احتفلوا اول ما احتفلوا يوم وضع شينزو - 5 في مدارها بتفوق الصين على اليابان "أرى أنني اسحق اليابانيين، وهذا منتهى المتعة"، كتب احد "مسافري" الإنترنت محاكياً يانغ ليوي، ربان المركبة الصينية، وهو يمر في الفضاء الياباني او على الولايات المتحدة الأميركية "اين هم الأميركيون فأقصفهم"، على قول آخر. ولم يحِد هو جنتاو، سيد الجهاز الحزبي الجديد وخليفة جيانغ زيمين، عن هذا الضرب من المشاعر. فأعلن ساعة إذاعة الخبر ان الرحلة الفضائية عَلَم على "مجد وطننا العظيم"، وترفع الصين الى "قمة العلم والتقانة التكنولوجيا العالميين".
والحق ان الإنجاز لا شك فيه. فوضع المركبة على مدارها بعد عشر دقائق من انطلاق الصاروخ، ودورانها 14 دورة حول الأرض طوال 21 ساعة، واسترداد ربانها سليماً معافى حيث قدّر مصممو المركبة الاسترداد وصمموه في منغوليا الداخلية كذلك، كل هذا يشهد لدقة العمل، وجريه على معايير السلامة والتزامها. وهو يتوج المراحل التي سبقت، ومهدت الطريق الى إحكام إنفاذه. فالمرحلة الأولى تقتضي صناعة صاروخ الحمل والنقل الى المدار. وينبغي تزويد الصاروخ وقوداً يتيح له نقل الحمولة المناسبة. فالوقود السائل اقوى على نقل حمولة ثقيلة تبلغ 25 طناً على مدار واطئ او 14 طناً إذا كان الغرض من الإطلاق نقل محطة فضائية. ويغذي الوقود الصلب، على شاكلة مسحوق البارود، صواريخ عابرة للقارات.
ويقدّر مراقبون علميون ان الوقود السائل يمكن الصناعة الفضائية الصينية، في غضون الأعوام الخمس الآتية، من إنشاء محطات مراقبة فضائية تستعمل في غرضين، عسكري وعلمي مدني. فمحطات المراقبة الفضائية تنقلب، بحسب مشيئة صاحبها، الى منصة سلاح مضاد للأقمار الصناعية، المفتوحة "الأعين" واللواقط على بلاد ومنشآت وتحركات تتعمد رصدها. والانقلاب هذا عامل راجح في حروب الفضاء والنجوم الآتية، فعلية كانت ام احتمالية على ما كانت عليه حروب التجارب الذرية التي لم تقع. وبينما لا يشك احد في تقديم الساسة الصينيين الغرض العسكري على الغرض العلمي المدني، وفصلهما الواحد من الآخر إنما هو خاطر في الذهن ليس إلا، يطنب المتحدثون الرسميون في الإشادة بالمردود المدني. فشأن الأبحاث الفضائية، على قول بعض هؤلاء، صد التصحر الذي يتهدد شمال الصين ووسطها، وحماية الحيوانات الآفلة، وتحسين التربة الزراعية.
فتنقل "نيوزويك" عن تونغ يشاو، رئيس شركة "غريت ايغل غرين لايف فورد كومباني" قوله: "الطماطم البندورة التي ننتجها تحوي 20 في المئة من الفيتامينات فوق المتوسط. ونحن نستعمل الأبحاث الفضائية في معالجة مشكلات الأرض". وهذا، إذا صح، من ثمرات الأبحاث الكيماوية والحيوية الفرعية المترتبة على إعداد المركبة الفضائية، والمحطة الفضائية لاحقاً، وتأهيلهما للسكن والإقامة.
وأما الوقود الصلب فيمهد، في غضون نيف وعقد من السنين، لتجهيز نحو مئة صاروخ عابر القارات 16 ألف كلم الى 22 ألفاً. وتنقل هذه رؤوساً ثقيلة، وليس رأساً واحدة، وتعزز الصواريخ العشرين من طراز "ريح الشرق" "دونغ فينغ" التي تملكها الصين اليوم ويسعها نقل حمولة متفجرة تبلغ 3 ميغاطن الى خمسة وقوة تفجيرها تبلغ 150 ضعفاً الى 250 قنبلة هيروشيما ويبلغ مداها 12 الى 13 ألف كلم. وامتلاك الصين المئة صاروخ العابرة، مع وقودها الصلب والسريع الاشتعال والانطلاق، شرط لا غنى لها عنه إذا أرادت تعطيل الدروع المضادة للصواريخ التي تنكَبّ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في اطار حلف شمال الأطلسي على إنشائها، وذلك من طريق "إشباع" الدرع بقصف لا تقدر على اتقائه واستيعابه. وهذا ما تريده الصين جهاراً نهاراً.
والجمع بين التوسل بالمحطات الفضائية الى تعطيل الأقمار الصناعية، وبين تعطيل الدروع المضادة من طريق الصواريخ البعيدة المدى والثقيلة الحمولة والسريعة الاشتعال، يرسم على نحو جلي قسمات سياسة عسكرية تجهد في سبيل إدراك أو بلوغ دفاع "عصري" يستوفي مقتضيات الإجابة عن أطوار التقانة العسكرية الأميركية المتجددة. ولكن هذا الشطر من البرنامج، اي الصواريخ، لا يتم إلا بشطر الأقمار الصناعية. واقتضى إنجاز المركبة المأهولة، والمجهزة بأجهزة المراقبة المصورة، والمستردة بواسطة قيادة ارضية تلقائية ومأمونة، وقتاً لم يقل عن 37 عاماً تامة. فالمركبة الفضائية المأهولة كانت قيد الإنجاز منذ 1966. ولكن العسكريين ألحوا في طلب التجهيز بأجهزة التصوير، واشترطوا استرداد هذه الأجهزة. فمن غير استردادها التلقائي لا يُستثمر إلا جزء المعلومات التي تبثها الأقمار، في الحال، الى المحطة الأرضية. وأما الجزء الذي تخزنه الأجهزة، ولا تخرجه إلا بالتظهير، فيبقى خزينَ هذه الأجهزة، ويتبدد معها حين تهلك في الفضاء الخارجي وثرثرته عوض صمته المفترض السديمية.
ولابست الاحتياجات والخطط العسكرية والتقنية منازعات سياسية. ففي اثناء الستينات من القرن العشرين رمت القيادة الماوية الصينيين في لجة "ثورة ثقافية" مزعومة توسل بها قائد الحزب الشيوعي الحاكم، ماوتسي تونغ، الى استعادة مقاليد الأمر الحزبي والإيديولوجي من ايدي أقرب أعوانه. فاتهمهم بالسير في طريق "العودة الى الرأسمالية"، اي بالسعي في تحكيم بعض المعايير الاقتصادية والإنتاجية والإدارية في سياسة الصين العامة. وعلى رأس الأعوان الذين رماهم بتهمة "المراجعة والتحريف" دينغ هسياو بينغ، رائد "الإصلاح" الاقتصادي من 1978، غداة ثلاثة اعوام على وفاة ماو، الى 1992، حين وفاته. وحكام الصين، اليوم، هم خلفاء دينغ على "إصلاحه" وتحديثه الاقتصاد وجهاز الإنتاج واطراح الإصلاح السياسي.
وخطا البرنامج العلمي التقني خطواته الأولى في خضم العاصفة التي عصفت بالصين منذ 1966 ولم تهدأ إلا عشية وفاة ماوتسي تونغ. وكان على رأس القيادة العسكرية احد مريدي ماو المقربين، المارشال لين بياو. وأراد لين بياو تعجيل إنجاز تقني وعسكري يرفع من شأن القيادة السياسية وهذه حال الأنظمة الاستبدادية كلها، ويحسن دورها في اعين "العامة". فأمر الفريق العلمي المتردد بإعداد مركبة مأهولة قبل 1973. وأطلق يد الفريق - وكان على رأسه عالم اميركي من اصل صيني هو كيان كسيوسِن او تشيو سن، وضعته السلطات الأميركية في الإقامة الجبرية من 1950 الى 1955 في تهمة نشاط مناهض لأميركا حققت فيه لجان جوزيف ماكارثي - في التمويل والتجنيد، وحيده عن اضطرابات "الثورة الثقافية" وتعسفها. ولكن هزيمة الجناح الماوي المتشدد، ومقتل لين بياو في طائرة كانت تقصد مطاراً سوفياتياً، في 1971، عرقلا الخطة وأباحاها لنقد "المعتدلين" وإنكارهم. فنددوا بالاعتمادات الكبيرة والثقيلة التي رصدها لين بياو لخطته التقنية العسكرية. وأمروا، في 1973، الفريق العلمي بالتخلي عن خطة المركبة المأهولة والمعدة للاسترداد.
إنجاز ضعيف... العلم
وبعد تردد دام نحو العقد، من غير ترك او تعليق الأبحاث والاخبارات الجزئية مثل اطلاق قمر صناعي يزن 8،1 طناً في 1978 أو صناعة صواريخ متدرجة المسافات والحمولة، حمل صاروخ قمرة تزن بضعة اطنان الى مدارها، في 1990. وصرفت الأبحاث والاختبارات مذذاك الى صناعة المركبة المأهولة، وتوفير شروط النقل والإقامة لثلاثة ملاحين. وفي العقد الأخير من القرن المنصرم لم يحرج صينَ دينغ هسياو بينغ طلبُ العون من "الرفيق" الروسي اللدود، على رغم خصومة حادة ادت بالقوتين الشيوعيتين الى اشتباكات عسكرية على نهر الميسوري في العقد السابع. وأوفدت القيادة الصينية ملاحيها الى "مدينة الكواكب"، بضاحية موسكو، يتدربون على الملاحة. وأفضى هذا، في خريف 1999، الى إطلاق مركبة تزن 7600 كلغ، يأهلها تمثال يشبه رجلاً، دارت حول الكوكب 14 مرة، واستردت في منغوليا الداخلية. فأحصيت اربعة اختبارات على هذه الشاكلة سبقت اطلاق شنتزو - 5 المأهولة بإنسان.
وتشدد الدعاوة الصينية على المرتبة العلمية والتقانية التي تُحلّها إياها المركبة، والمركّب العلمي التقاني الذي تفترضه ويقوم منها مقام المقدمة والتمهيد. ولكنها تغمز فعلاً ناحية الطرف العسكري وجهته. فالمرتبة التي تطمع صين جيانغ زيمين وهو مجدد البرنامج الفضائي العسكري وإلى اليوم رئيس اللجنة العسكرية وهو جينتاو في تبوئها إنما هي أولاً مرتبة القوة العسكرية. والطريق العلمية التقنية الى هذه المرتبة هي من الضرورات التي تُلزم طالب المرتبة تنكبها والرضوخ لها. واضطرت الصين "الشعبية" الى انتهاج هذه الطريق في سبيل بلوغ السلطان العسكري والاقتصادي الذي تطمع في بلوغه عاجلاً وليس آجلاً.
فعلى خلاف الزعم، وهو زعم صيني على حد ما هو زعم ايراني حين يسوغ خامنئي الاستثمار الإيراني المرهق في الصناعة النووية "المدنية" بمردود الاستثمار العلمي و"التكنولوجي"، في ان التصنيع العسكري يعود على البلد كله بالتقدم العلمي التقني، ولا تقدّمَ علمياً تقنياً من طريق اخرى، تدل حال الصين مقارنة بأحوال بلاد اخرى الى خلاف الاستدلال هذا. فالحكم الصيني بذل في سبيل صناعة المركبة وإعمالها نحو 3.2 بليوني دولار. وجند عشرات الآلاف من العاملين، وما لا يقل عن 500 منشأة صناعية ومختبر و"ورشة"، طوال العقد المنصرم الذي صُرف الى الصناعة والإعمال هذين.
وهو رقم كبير قياساً على موارد الصين، ولكنه لا يبلغ إلا 5.12 في المئة من ميزانية وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" السنوية. وقد يقتضي لحاق الصين بأطوار التصنيع العسكري الأميركي، إذا استمر هذا التصنيع على تجدده، لهاث آلتها الإنتاجية والتقنية او تخصيصها بموارد تُقتطع من ابواب الإنفاق الأخرى. ولم يغرب عن الأذهان بعد ان مثال هذا السباق كان السبب، في اوائل العقد التاسع من القرن الماضي، في "الهيكلة" الغورباتشوفية، ثم في انهيار الشيوعية السوفياتية والأوروبية. والمقارنة تقريبية ومجملة ولا تبلغ مبلغ التشبيه والتمثيل، ولكنها تدور على أطراف الذهن.
والوجه الآخر من المقارنة ينبه الى ان دولاً قريبة من الصين، تتصدرها اليابان، سبقت الصين اشواطاً في المضمار العلمي التقني، الى المضمار الاقتصادي، من غير ان تسير على الطريق العسكرية. والأرجح ان السبب في سبقها هو تركها الطريق العسكرية، وادخارها مؤونتها الى المضمار العلمي التقني والاقتصادي واقتصارها عليه. فإلى اليوم، لم تتجاوز جملة ما تصرفه الصين الى باب الأبحاث والتطوير 01،1 في المئة من ناتجها الإجمالي، نظير نحو 3 الى 4 في المئة التي تصرفها الدول الأميركية والأوروبية واليابان فيها. وإذا حلت الصين القارية في المرتبة الثامنة من مراتب عدد المنشورات العلمية، وكانت في المرتبة الثانية عشرة مطلع العقد العاشر الماضي، فليس تقدم المرتبة في قياس الكم قرينة على تقدم النوعية.
فالنشر العلمي الصيني، في حقول الكيمياء والفيزياء والرياضيات وعلوم الهندسة، لم يَعُد عليها بجائزة نوبل واحدة، ولا بميدالية فيلدز نظير نوبل في الرياضيات. وفي الأثناء فازت اليابان بسبع جوائز نوبل وبثلاث ميداليات فيلدز. وبلغ عدد براءات الاختراع التي سجلها المكتب الأميركي المختص في 1999، وكانت الصين مصدرها، تسعين براءة. وسجل التايوانيون، وهم صينيو الجزيرة او البحر، في العام نفسه 3693 براءة بحسب إحصاء نقله فريدريك بوبان، "لوموند" الفرنسية في 17 تشرين الأول. ولا تعد الصين إلا 11 علمياً في كل شطر 10 آلاف صيني نظير 2،92 يابانياً و8،81 اميركياً.
وتشكو الصين الشيوعية وبعض العلة في النسبة هذه، الى شكواها القيود والرقابة البيروقراطية، هجرة الأدمغة على نحو حاد. ففي غضون ربع القرن المنصرم ترك الصين الى الدراسة في الخارج، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، 580 ألف طالب جامعي، ولم يعد منهم الى الصين إلا 150 ألفاً. ومنذ اوائل العقد الجاري زادت نسبة العائدين الى المسافرين، الى الثلث، فبلغت 34 في المئة. ولكن عدد المسافرين مضطرد الزيادة 115 في المئة منذ 2001 في السنة. وشطر كبير من العائدين يتوجه الى مرافق عمل اجنبية تستثمر في الصين بواسطة وكالاتها وفروعها. فلا تستقطب مرافق البحث الأساسي، وهي مصدر الأبحاث التطبيقية والعلمية التقنية، إلا قسطاً ضئيلاً من الباحثين.
وهذه ملابسات اجتماعية وسياسية واقتصادية تحف "الإنتاج" العلمي التقني، وقد تكون حاكمة فيه، على الضد من الظن المتسلط في المسألة، ولا شك في ان تأخر الصين عن انتهاج طريق اقتصاد السوق سميت السوق "اشتراكية" على نحو تسميتها الصينية، او "اجتماعية" على نحو التسمية الأوروبية الشمالية والألمانية عامل راجح في تخلفها العلمي التقني. ولكن سعيها، الى اليوم، في وضع التقانة في خدمة اغراض عسكرية وسياسية، اولها المنزلة "العظمى" المأمولة، لا يؤدي الى ردم الفجوة، بل يؤدي الى توسيعها.
* كاتب لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.