أمطار متوسطة إلى غزيرة على 4 مناطق    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    يوم مجيد لوطن جميل    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الجمهورية الاسلامية في ايران : تطور تدريجي ام ثورة ؟
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 2003

للسير ونستون تشرشل قول مأثور: "الديكتاتوريون يصولون ويجولون على متن نمور لا يجرؤون على الترجل عنها والنمور يستبد بها الجوع". وها هو نمر الثورة الايرانية جائع حقاً والسياسيون الايرانيون لا يجرؤون على الترجل عن هذا النمر. ويرتبط هذا الوضع على نحو وثيق بالسياسات الدولية في عالمنا.
منذ اشهر عدة، عندما شرعت الولايات المتحدة في حربها ضد صدام حسين، توصل كثير من مراقبي الوضع السياسي في ايران وغالبية الايرانيين داخل ايران وخارجها الى استنتاج سريع مفاده ان السبب الحقيقي وراء التحرك العسكري ضد العراق هو في الواقع زعزعة استقرار النظام الايراني. في الوقت ذاته، كان المسؤولون الايرانيون يعون حقيقة ان حدوث تطورات ديموقراطية في العراق قد تكون له اصداء عبر الحدود ويسبب سلسلة تمردات اهلية داخل ايران. وفي الوقت الحاضر، يبدو مؤكداً ان التطورات الديموقراطية في العراق تجرى بوتيرة ابطأ مما كان متوقعاً، وان سكان ايران لم يعودوا يأملون في تدخل اميركي مقبل في ايران. لكن يصعب تقدير التأثير الفعلي لمساعي الزعزعة التي تبذلها ادارة بوش. فقد يلعب الخوف الدائم لدى سلطات طهران من تدخل خارجي دوراً مقيّداً. على سبيل المثال، إثر بدء التظاهرات الطالبية في حزيران يونيو الماضي، قال المرشد الروحي الأعلى آية الله خامنئي على التلفزيون الرسمي "ادعو الكوادر المؤمنة والمحافظة الى الامتناع عن التدخل كلما شاهدوا اعمال شغب". وبعد ذلك بيومين، تعهدت ميليشيا يمينية الاّ تشارك في معارك في الشوارع. وقد تجعل مثل هذه القيود بعض مؤيدي اشاعة الديموقراطية يرى في التهديد الاميركي وسيلة لتسريع الاصلاح. لكن هذا يفترض ان اشاعة الديموقراطية تهم فعلاً ادارة بوش. واذا كان هذا هو الحال، فان تأييد الادارة الاميركية للحركة الطالبية ربما ساعد المتشددين بالفعل على اضفاء شرعية على قمعهم للمثقفين والصحافيين والطلبة كاجراء ضروري للاحتراس في مواجهة "قوى اجنبية". وإن لم يكن هذا هو الحال، فان احتمال ان يرد النظام الاسلامي على التهديدات الاميركية بان يسلّم بمنح الديموقراطية وحقوق الانسان للمواطنين الايرانيين اضعف من تقديم تنازلات مثل ابرام صفقات نفط واتخاذ موقف متجاوب في ما يتعلق باسلحة الدمار الشامل ومستقبل العراق. وسُتضطر ايران على الارجح الى التوقيع على بروتوكول آخر اضافة الى معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، والسماح لمفتشين باجراء عمليات تفتيش مفاجئة لأي مواقع يحتمل انها ذات صلة بصنع اسلحة نووية. ويخشى المسؤولون الايرانيون شيئين: ان يجرى التجسس عليهم من الاميركيين وان يُغلق برنامجهم النووي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ربما يكون هذا هو السبب وراء الوصف الذي اعطاه متشددون مثل شريعتمداري لهذا الوضع، اذ قالوا انه "انتحار" وطلبوا من ايران ان تختار نهج كوريا الشمالية وتتخلى عن عضويتها في الوكالة.
مع ذلك، لست متأكداً الى اي مدى يمكن لهذه "الاشارات" الايجابية الموجهة الى المجتمع الدولي ان تغيّر مواقف الصقور في ادارة بوش الذين يشاطرون اسرائيل نظرتها المعادية لايران ويضعونها في مرتبة متقدمة على لائحة "اهدافهم" الجيو-استراتيجية. لكن هؤلاء يأخذون في الاعتبار بالتأكيد حقيقة ان ايران ليست دولة بوليسية ضعيفة كما كان العراق، وليست ديكتاتورية لا اصدقاء لها. كما انها ليست نظاماً متهوراً وفقيراً مثل النظام القائم في كوريا الشمالية. وهي ايضاً لن تُشترى او تُقهر بسهولة. ستكون ايران هدفاً صعباً.
كما انني لست متأكداً تماماً بان الاتحاد الاوروبي سيتبع اميركا في مواجهة عنيفة مع ايران. فايران ذات الاحتياط الضخم من الغاز والنفط والسوق الاستهلاكية بسكانها الذين يبلغ عددهم 70 مليوناً، تعتبر مصدر تجارة مربحة قيمتها بلايين عدة من الدولارات سنوياً بالنسبة الى الاتحاد الاوروبي. لذا فان العامل التجاري والقضايا السياسية ذاتها التي شكلت السبب الجوهري وراء خلاف اوروبا مع واشنطن بشأن العراق تمارس تأثيرها الآن في ما يتعلق بايران. وتمكن الاتحاد الاوروبي في السابق من استخدام ادواته الاقتصادية لتحسين وضع حقوق الانسان في الجمهورية الاسلامية. واي انجاز للاتحاد الاوروبي بهذا الشأن قد يقلل الضغوط على المجتمع المدني في ايران ويدعم حرية التعبير والنشاط السياسي حتى اذا كان الاصلاحيون ملزمين ان يعارضوا تدخلات الاتحاد الاوروبي. وتكمن قدرة سياسات الاتحاد الاوروبي على التأثير في انه تعامل مع ايران كشريك مكافئ في السابق. وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية، استطاعت الدول الاوروبية ان تحصل في عهد ادارة كلينتون على استثناءات من العقوبات الاقتصادية. وفي الوقت الذي كانت فيه المخاوف التي عبّرت عنها الولايات المتحدة بشأن حقوق الانسان في ايران الى حد كبير جزءاً من استراتيجية عالمية، فان الاتحاد الاوروبي سعى بثبات الى تغيير سلوك ايران كي يتمشى مع القيم العالمية لحقوق الانسان عبر استخدام علاقاتها التجارية. ومع ذلك، وعلى نحو مفاجئ لكثيرين في الولايات المتحدة وفي ايران، تحولت سياسة "الحوار النقدي" التي يتبعها الاتحاد الاوروبي مع ايران اخيراً الى موقف اكثر حدة. بمعنى آخر، جرى اخيراً تحول بدعم الاتحاد الاوروبي للولايات المتحدة في الضغط على ايران كي تكشف بشكل كامل منشآتها النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن السؤال هو ما اذا كان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة سيوجهان اهتمامهما ايضاً الى قضايا حقوق الانسان حالما يتراجع قلقهما بشأن المسألة النووية الى مدى مقبول. ويعني هذا ان التمييز بين سياسات ايران الداخلية والخارجية يزداد صعوبة. ويعرّض الترابط بينهما الدولة الايرانية الى ازمات داخلية وخارجية تتعلق بالشرعية. لذا يتعيّن على ايران ان تعالج مشكلاتها الداخلية والخارجية ذات الصلة بالشرعية. فلم يعد ممكناً بالنسبة الى الدولة الايرانية ان تُتّهم بنشر اسلحة دمار شامل ودعم الارهاب وعرقلة عملية الشرق الاوسط. كما لم يعد ممكناً لفترة اطول ان يُحرم المعارضون الايرانيون داخل البلاد من حق الاحتجاج. لذا سيتعيّن على ايران ان تتعاون اكثر مع المجتمع الدولي اذا كانت تريد ان تتجنب العزلة التي عانتها في الثمانينات. اضافة الى ذلك، اعتقد ان على ايران في الوقت الحاضر ان تختار بين ان تُتهم بانها "دولة مارقة" او تصبح تدريجاً دولة "ناضجة" و"شرعية". ويقودني هذا الى حال الصراع الداخلي على السلطة في ايران.
لا جدال في ان التطورات الاجتماعية في ايران ستبقى مضطربة لفترة من الزمن. السؤال هو ما اذا كانت هذه التطورات المضطربة ستفضي الى انفجار اجتماعي مفاجئ وعنيف، مع نتائج يصعب التنبؤ بها، او الى اعتدال تدريجي عبر سياسات ذات طابع مؤسساتي او برلماني. ويرى بعض المراقبين ان المسار الاول هو النتيجة الارجح للصراع الدائر حالياً على السلطة، لكن تطور المسار الثاني ليس اقل احتمالاً.
ما يبدو مؤكداً هو ان مع تمسك المتشددين في ايران بموقف متصلب تجاه الضغوط الداخلية والخارجية، تفقد سياسة غصن الزيتون التي يتبناها خاتمي فاعليتها على نحو متزايد. وكلما يحاول خاتمي التوصل الى حل عبر تشجيع التعايش بين القوى السياسية المختلفة، كلما يفقد المزيد من صدقيته وسط مؤيديه. وفي الوقت الحاضر، لم يعد الاصلاحيون والمتشددون وحدهم الذين ادركوا ان خاتمي عاجز عن تنفيذ الاصلاحات التي وعد بها عندما اُنتخب في ايار مايو 1997. وما يثير الاستغراب حقاً ان خاتمي ذاته فقد، كما يبدو، الأمل والثقة بنفسه على رغم حقيقة انه لا يزال يعتقد بأنه يمكن اصلاح الجمهورية الاسلامية. وفي الواقع، اصبح الحد الفاصل بين الاصلاحيين والمتشددين دقيقاً جداً في نظر السكان. وأسهمت الاضطرابات الاهلية الاخيرة في ايران في ترسيخ هذا الانطباع. واظهر ذلك مرة اخرى ان هناك الكثير من مشاعر الاحباط تجاه عجز الاصلاحيين عن القيام بدور العامل المحفز لتغيير حقيقي. لكنه اظهر ايضاً ان اي نوع من التحالف بين الطلبة والمثقفين العلمانيين من جهة والاصلاحيين، من جهة اخرى، لن يدوم. والسبب بسيط. فبينما حاول اصلاحيون كثيرون في الحكومة ان يوفّقوا بين وجهي ايران الديموقراطي والديني، يريد الطلبة والمثقفون العلمانيون إلغاء الوجه الاخير. وحدث الانفصال الحاسم في الانتخابات البلدية المحلية في شباط فبراير 2003، التي مني الاصلاحيون فيها بأول هزيمة انتخابية لهم منذ ايار 1997. وانسحب "مكتب تعزيز الوحدة" رسمياً من "جبهة الثاني من خورداد"، واعقب هذه الخطوة قرار بتغيير اسمه الى "مكتب تعزيز الديموقراطية". والنتيجة هي ان الاستقلال المتزايد ل"مكتب تعزيز الديموقراطية" وللحركة الطالبية عموماً يمثل تحدياً لمأزق الحياة السياسية في ايران ويسلط ضغوطاً فعلية على الاصلاحيين كي يتبنوا استراتيجية اكثر جرأة في مواجهة المتشددين. لكن فصل الطلبة عن الاصلاحيين ينطوي على تحديات حقيقية بالنسبة الى الاصلاحيين بشكل خاص وللنظام الايراني عموماً. احد هذه التحديات يمكن ان ينبع من التطرف المتزايد للحركة الطالبية، فيما يكمن الآخر في مبالغة الطلبة بتقدير قواهم والحاق اضرار فعلية بالحركة الاصلاحية. وقد بيّنت الاضطرابات في حزيران 2003 شيئين: اولاً، ان الاحتجاج السلمي يمكن ان يتحول الى عنف، وثانياً، ان من المستبعد ان يتمكن الطلبة لوحدهم من تغيير ايران. فطالما بقي الشعب الايراني والايرانيون العاديون صامتين لن يمكن اتخاذ الخطوات الحاسمة لجعل مؤسسات النظام اكثر شفافية واكثر خضوعاً للمساءلة. واذا كان هذا هو الحال، سيبقى الطلبة الايرانيون يفتقرون الى الموارد الضرورية والتفويض الشعبي لتغيير الاوضاع على نحو حاسم في ايران.
احد العوامل الاخرى المهمة هو ان على رغم وجود امكان الدعم الشعبي لتغيير النظام الحالي، لا توجد اي جماعة او زعيم معارض ايراني يحظى بشعبية كافية لأن يشكل تحدياً جدياً للجمهورية الاسلامية. وعلى رغم ظهور زعماء المعارضة على شاشات الفضائيات، لم يتمكن احد منهم ان يستثمر التذمر الشعبي من الحاضر والحنين الى الماضي. وكانت نداءات رضا بهلوي الى الايرانيين بأن يمارسوا العصيان المدني اكثر شعبية في شوارع لوس انجليس من شوارع طهران. ومن نواحٍ كثيرة، تمثل جوانب القوة لدى رضا بهلوي، كما يبدو، نقطة ضعفه. وبالنسبة الى كثيرين في ايران، يثير الشكوك تحوله بين عشية وضحاها الى نجم اعلامي في الغرب ويُعزى الى مؤامرة تدبرها قوى اجنبية. اضافة الى ذلك، يرى اولئك الذين يبدون استعداداً للتعامل مع رضا بهلوي كزعيم جدي ان هناك تناقضاً بين حملاته العلنية في البلدان الغربية وضعف قدرته على تطوير جهد تعبوي سياسي متماسك والمشاركة فيه. اما بالنسبة الى اولئك الذين لم يقتنعوا بمساعيه لتحقيق الديموقراطية، فان السبب يرجع الى انهم يشتبهون بوجود دوافع خفية لديه. بمعنى آخر، تشبه ايران في الوقت الحاضر الى حد كبير الاتحاد السوفياتي في ايامه الاخيرة. فقد اُستهلكت الايديولوجية، ويشعر الشباب الايراني بخيبة امل، وفشلت الحركة الاصلاحية في ان تلبي المطلب الشعبي، وتشهد المدن الرئيسة في ايران كل سنة تقريباً اعمال شغب عفوية واضطرابات عنيفة. لكن بعد 25 سنة على التمردات التي أنهت الشاه ونظامه، هناك غياب لعامل تنظيمي يوحّد التطلعات المتنوعة للايرانيين.
ويبدو ان الرئيس المحاصر ذاته فقد الامل والثقة بالنفس على رغم انه ما يزال يعتقد بأن يمكن اصلاح الجمهورية الاسلامية. وكرئيس وعد شعبه بانه سيحقق التغيير ولكن سيبقى ايضاً مخلصاً للجمهورية الاسلامية، يبدو خاتمي مستعداً لأن يترك الخطوة النهائية وهي إلغاء حق "مجلس حماية الدستور" في تجريد مرشحين للانتخابات من أهليتهم الى خليفته في ايار 2005. فهو لا يملك الشجاعة لفرض ارادته. ويبدو ان خاتمي لا يزال متردداً في الوقت الحاضر في الاستقالة، ولهذا السبب يمارس الاصلاحيون بشتى اتجاهاتهم، بعدما كانوا موحدين في السابق في تأييدهم لخاتمي، ضغوطاً على الرئيس كي يختار بين الشعب والجمهورية الاسلامية. ويدرك خاتمي جيداً نتائج الاستقالة. وادت سلبيته في التعامل مع رفض "مجلس حماية الدستور" الموافقة على تشريعين اقرهما البرلمان الى نتائج عكسية. وكلما تردد خاتمي في الرد على المحافظين كلما غطسنا اكثر في ازمة شرعية النظام، وكلما تزايد احتمال وقوع اضطرابات واعمال شغب في المدن. ومع ذلك، يبدو احتمال ان تستمر مساعي المحافظين لاضعاف الاصلاحات كبيراً نسبياً. وفي هذه الحالة، ستثبت صحة الرأي القائل إن القنوات الشرعية لن تفضي الى اصلاحات وان القوة وحدها يمكن ان تبدد النزعة المحافظة السياسية في ايران. لكن حينذاك سيكون من الصعب المجادلة بأن سيمكن القضاء على الاضطرابات بسرعة كما جرى في السابق.
يصعب التكهن بشأن ما اذا كانت الجمهورية الاسلامية ستتطور تدريجاً الى شيء اقرب الى نظام ديموقراطي او انها ستنهار في خضم ثورة. وبالنسبة الى الغالبية الساحقة من الايرانيين داخل البلاد، الذين يشعرون بالخيبة بالفعل من ثورة سابقة وعانوا جراء ثماني سنوات من الحرب مع العراق، يبدو التطور السلمي خياراً محبذاً اكثر. وبالنسبة الى الجيل الاصغر سناً، الذين تقل اعمارهم عن 30 عاماً ويمثلون 70 في المئة من السكان، فان التغيير آتٍ إن عاجلاً او آجلاً، لان كل هؤلاء الشباب متعطشون الى الوظائف والحرية الاجتماعية والفرص. واستناداً الى هذا التحليل للوضع في ايران، تبقى لدينا ثلاثة سيناريوات لمستقبل ايران:
1 في السيناريو الاول، سينجو النظام الايراني من العاصفة وسيكون من يُسمون بالبراغماتيين او الوسطيين في النخبة الحاكمة هم الناجون. وبفضل فراغ قيادي في المعارضة، سيتمكن الوسطيون من شراء الوقت عبر تقديم سلسلة تنازلات استراتيجية. وقد تتخذ هذه التنازلات شكلين: تنازلات للغرب بشأن قضية اسلحة الدمار الشامل وخطة السلام في الشرق الاوسط، وتنازلات للايرانيين في مجال القيود الاجتماعية ومجلس حماية الدستور الذي يمكن ان يُستبدل ب"مجلس لتصريف الامور" في حال وفاة آية الله خامنئي على نحو مفاجئ. وبموجب هذه الصيغة، ستُدمج ايران في اقتصاد السوق وسيكون هناك بالتأكيد تحول من اقتصاد احتكاري على نمط مافيوي تمثله الطبقة الجديدة من ملاك العقارات الى استقرار للسوق وامان للاستثمارات اقرب الى الوضع الطبيعي. والميل الذي يبديه زعماء سياسيون براغماتيون مثل رفسنجاني ومحسن رضائي، ومثقفون دينيون وسطيون مثل صادق زيبا كلام وشمس الواعظين، في اتجاه سياسات وسطية، هي بمعنى ما انعكاس لهذا التحول في الطبقة الرأسمالية في ايران. وفي هذا السيناريو الاول سيلعب رفسنجاني دوراً مهماً كوسيط بين مراكز القوى.
2 في السيناريو الثاني، بخلاف الاول، لن يتمكن نظام رجال الدين من الصمود بوجه الضغوط الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية، ولن يبقى لديه سوى خيار واحد للدفاع عن نفسه وهو "انقلاب قصر" ينفذه المحافظون وعملاء الامن مثل اصغرلادي رئيس "جماعة الائتلاف الاسلامي" وبدامشيان وشريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان" لانقاذ "الثورة" والاسلام السياسي. لكن ما سيبقى شيئاً يكتنفه الغموض هو الدور الذي يلعبه في هذا السيناريو آية الله خامنئي.
3 في السيناريو الثالث، سيكون تغيير النظام محتوماً. وبغض النظر عن المناورات التكتيكية التي يلجأ اليها النظام الاسلامي وغياب قيادة منظمة من المعارضة، سيكون النظام عاجزاً عن تفادي زخم المعارضة والاستجابة لمطالب الشباب الايراني، وستشهد ايران سلسلة اضطرابات في المدن. وفي هذا السيناريو، ستُغلق ايضاً نافذة الفرص المتاحة للنظام الايراني وتصبح الفوضى السياسية وشيكة في ايران.
بعد هذا كله، من المؤكد ان الحياة السياسية في ايران تعاني تمزقاً بسبب المأزق السياسي الذي تجسّده عدم شعبية الحركة الاصلاحية وافتقارها للقيادة، والسخط المتزايد وسط الايرانيين داخل البلاد، وازمة شرعية تهدد المعركة التي يخوضها اولئك الذين يحاولون ان يمزجوا بين ديموقراطية دستورية واسلام اُعيد تعريفه يقصر نفسه على نشر المثل والفضائل الخاصة بدلاً من السيطرة على الفضاء العام. لكن ايران، بشكل او بآخر، تقف على حافة حالة ما بعد اسلامية تُستنفد فيها رموز الاسلام السياسي ويتجه النظام الى تغيير سياسي. ولن يكون هذا التغيير السياسي سهلاً وسريعاً. لكن اذا كان للتغيير في الحياة السياسية في ايران ان يجرى عبر جهود ديموقراطية، تبرز ضرورة كسر المأزق السياسي الراهن. ويمكن للضغوط الخارجية ان تساعد هذه العملية، طالما اتسمت بالثبات ولم تكن عنفية. لكن على المدى البعيد سيأتي التغيير من داخل البلاد، حيث سيتعرض إرث الاستبداد الى النقد ويُستبدل بآليات للحياة السياسية اكثر حداثة وليبرالية.
* باحث ايراني مقيم في الولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.