يعزي اليهود الإيرانيين ال13 المتهمين بالتجسس لإسرائيل ان الاصلاحيين وعددهم ملايين يشاطرونهم تهمة المس بأمن الدولة الإيرانية! ولم تشهد محاكم الثورة ورجال الدين والمطبوعات في الجمهورية الإسلامية منذ عشرين سنة نشاطاً كما هي اليوم، تمارس دورها كأن الشاه اطيح أمس ومن يساقون إلى عدالة "ولي الفقيه" هم من حاشية محمد رضا بهلوي. يصمت محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس، ويحصيان ضحايا مقصلة القضاء والأيام الباقية حتى 28 أيار مايو موعد ولادة البرلمان الجديد، كأن ذلك اليوم سيكون موعداً لاستسلام أجهزة المرشد خامنئي أمام الشرعية البرلمانية التي اختارها الإيرانيون هذه المرة لإنهاء عصر الثورة، فإذا بها تجدد دماءها في محاكم التفتيش وتنقض على غالبيتهم بالتكفير والتخوين. كان من "ديموقراطية" النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية السماح للمواطنين بالاقتراع، أما القبول بالنتائج فمسألة أخرى. إنه انقلاب على الانقلاب الشعبي، فورثة الخميني يأبون خروج شعب بكامله من "جنة" الثورة التي أنجبت بعد عقدين من انتصارها وحال الاستنفار الدائم ورصد "الأعداء"، جيلاً محروماً من فرص العيش اللائق، معزولاً عن العالم. بين انقلابين، "الصامت" الذي يقوده الاصلاحيون و"الصاخب" الذي يديره المتشددون لوقف حركة التاريخ، يتحول أي حادث أو مناسبة إلى حدث، ولن يكون 28 أيار حداً فاصلاً بين مرحلتي جمهورية خامنئي "الثورية" وجمهورية خاتمي المتصالحة مع الشعب، لكنه بالتأكيد سيؤرخ لحقبة جديدة في إيران، ولو منع النواب الاصلاحيون الفائزون من دخول مجلس الشورى. وبعد حملات التكفير والتخوين وزج أنصار الرئيس في السجون، فقد الحدث الإيراني عنصر المفاجأة. محاكم الثورة تنتفض على الشعب، وسيناريوات المؤامرات تتناسل، ولكن لن يباغت أحداً شطب مرحلة الانتخابات واغلاق المجلس بذريعة حال طوارئ لحماية "الأمن القومي" من "أعداء" الداخل. إنه الزلزال الإيراني، لن تستطيع منعه أحكام "ولي الفقيه" المرشد ولا حكمة خاتمي ودعواته إلى التهدئة. أما السبب فهو ببساطة أن شعباً قدم تضحيات كثيرة ونام عقدين على حرير النظام صحا على فؤوسه وبات مطالباً باثبات براءته من الكفر والخيانة. وما لا يدركه المتشددون وحرس جمهورية الإمام، ان كثرة السكاكين تجعل الدم رخيصاً، وان الأولوية لدى جيل الاصلاح لم تعد دعم خاتمي لانجاح برامجه، بل التصدي لسياسة الاذلال التي يمارسها النظام عبر القضاء، منذ افقدته صوابه نتائج الانتخابات البرلمانية، فبات في سباق مع الزمن لوقف الاعصار، ولكن... وما دامت المسألة حياة أو موت بالنسبة إلى حُماة الثورة، الذين يخشون على مصير رؤوسهم إذا استقرت كل مقومات الشرعية في أيدي الاصلاحيين، لا يجدي التساؤل عن الحكمة في جر المرشد و"الحرس الثوري" والميليشيا البلاد إلى الانزلاق نحو الهاوية. وما حدث منذ شباط فبراير وإعلان نتائج الانتخابات كافٍ للدلالة على عجز رموز النظام عن الاعتراف بالهزيمة والتسليم بحقيقة ان إيران، بكل قدراتها وعمقها الجغرافي والسكاني، تغيرت أيضاً كأي بلد في العالم، وان أسوار "الحرس" عاجزة عن صد رياح التغيير وآمال الجيل الجديد.