من المثير للانتباه أن تشير خريطة الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط، ضمن مراجعها الأساسية للتسوية، إلى "مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله التي اعتمدتها القمة العربية في بيروت، والتي تدعو إلى قبول إسرائيل كجار يعيش بأمن وسلام في إطار تسوية شاملة". ويهدف الذين صاغوا خريطة الطريق بذلك إلى تصحيح ما أسقط سهواً في تشكيلة اللجنة الرباعية بإضافة الدول العربية إلى حلقة الدعم الدولية لاتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي شامل، ولتوفير كتف عريض قادر على حمل أعباء خريطة الطريق والدفع بها قدماً. وتعرضت مبادرة الأمير عبدالله، التي أعدت وصيغت بإبداع مثير للإعجاب، بعد الإعلان عنها في شباط فبراير 2002، لنكسة بسبب بعض الضغوط السياسية في قمة بيروت، وتصادف ذلك مع حدوث عملية انتحارية في إسرائيل. وهذا لا يعني أن تُنسى المبادرة أو تُركن على الرف. فمنطلقاتها الرئيسة لا تزال صحيحة وصالحة ويجب رعايتها وإعادة إحيائها مجدداً. وجهت مبادرة الأمير عبد الله، في البداية، إلى الولاياتالمتحدة وقادتها في الإدارة الأميركية والكونغرس والجالية اليهودية الأميركية. وضمن الأمير عبد الله توزيعاً ونقاشاً واسعين لمبادرته باختياره توماس فريدمان، الصحافي الذي يتمتع باحترام كبير وتُقرأ مقالاته بشكل واسع، كواسطة لنقل الرسالة. وكان من المتوقع أن تعرض المبادرة على مؤتمر قمة بيروت في آذار مارس، وأن تشكل كلمة الأمير عبدالله أساس البيان الختامي للمؤتمر، بحيث يرسل المؤتمر رسالة سلام وتصالح إلى الإسرائيليين وحكومتهم. إلا أن المتوقع لم يحدث بسبب التعديلات التي جرت على نص المبادرة الأصلية لضمان إجماع القمة العربية، وبسبب انفجار ناتانيا المرعب الذي تصادف لسوء الحظ مع انعقاد القمة، الأمر الذي أعمى الرأي العام الإسرائيلي عن الطرح الجديد الإيجابي للمبادرة. وسارعت حكومة شارون بسرعة بدت غير معقولة إلى رفض المبادرة، وفتر حماس الإدارة الأميركية لسبب آخر متعلق بدعم قمة بيروت لمصالحة مع نظام صدام حسين، تُوّجت بعناق سعودي عراقي أثناء القمة. ولم تنجح المهمة المكلف بها الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، لمتابعة قرارات القمة مع العواصم الغربية وفي توفير قوة دافعة للمبادرة، وانتهى بذلك دور قمة بيروت. إلا أن خريطة الطريق، رغم تراجع بريقها، تبقى الخيار الأكثر قبولاً على المستويين الإقليمي والدولي لدفع عملية السلام قدماً. ورغم أن إسرائيل أبدت أربعة عشر "تحفظاً" عليها، بما فيها طلب بإزالة أية إشارة للمبادرة العربية، إلا أن أبو مازن وشارون والرئيس بوش أعلنوا عن موافقتهم القوية عليها ومساندتهم لبعضهم بعضاً أثناء اجتماع العقبة في حزيران يونيو. إلا أن ما تلا العقبة كان تعثر الأطراف الثلاثة في تنفيذ خريطة الطريق نتيجة للديناميكيات الداخلية، وبقيت الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين راكدة، بل أصيبت بنكسة باستقالة محمود عباس. فلم يستوعب الإسرائيليون معنى "الهدنة"، أو أن أطراف الهدنة لا تتمتع بسيطرة كاملة على حلفائها النظريين، وأن بعض التجاوزات أمر لا مفر منه. كما أنهم لم يتقبلوا إذعان أبو مازن المتواصل للرئيس عرفات وعدم قدرته على جمع أجهزة الأمن الفلسطينية المختلفة تحت سلطته. كما طالبوا بشكل متواصل بما هو غير واقعي من الشرطة الفلسطينية التي كانت في مرحلة مبكرة من إعادة تأهيلها، وغير قادرة على الاستجابة بفاعلية. أما الفلسطينيون فسارعوا بدورهم إلى تفسير التلكؤ الإسرائيلي في تفكيك البؤر الاستيطانية والإطلاق الانتقائي للسجناء واستمرار بناء الحائط، باعتبارها أدلّة على سوء النوايا الإسرائيلية، بدلاً من محاولة تفهم الأسباب الإسرائيلية الداخلية، أو أن عدم قيامها بتنفيذ التزاماتها هو أحد أسباب ذلك. أما البداية الواعدة لإدارة بوش بعد زيارة الرئيس للمنطقة في حزيران، فلم تُرفد بدبلوماسية نشطة كانت ضرورية لتحقيق تقدم. ومع الاقتراب من السنة الانتخابية في الولاياتالمتحدة، ومع تصاعد العنف، فإن التزاماً صادقاً للرئيس بوش بمفاوضات السلام في الشرق الأوسط غير مضمون. وما فتئت خريطة الطريق تحوّم في سماء المنطقة كنظرية للمضي قدماً، إلا أنها لم تضرب بعد جذورها في الأرض ويجب دعمها وتنشيط آلياتها. وما نحتاجه اليوم جرعة جديدة لتنشيط جهود السلام وتفعيلها. ويمكن لهذه الجرعة أن تكون فاعلة للغاية إذا جاءت من العالم العربي، وهذا لا يعني التقليل من صعوبة القيام بذلك. فمن المفيد لترك أثر ايجابي مهم على الرأي العام الإسرائيلي، أن تعترف المبادرة العربية المتجددة بوضوح بوجود دولة إسرائيل، وأن توافق على الرؤية التي تعد بمنطقة تعيش بسلام وأمن وتتمتع بعلاقات ديبلوماسية طبيعية بين حكوماتها، بأقل قيود ممكنة على شعوبها لتمكينها من تطوير التجارة والسياحة وغيرها من أشكال التفاعل الاجتماعي. وبذلك يمكن لها البناء بشكل مفيد على الصيغة الأصلية لمبادرة الأمير عبد الله، كما عرضها الصحافي فريدمان، من انسحاب كلي وسلام شامل وتطبيع كامل للعلاقات. ومن الضروري أن تُشجب كافة أشكال العنف والإرهاب دون غموض أو لبس، وأن تتضمن، أو تشير إلى، السياق الذي سيجمع ممثلين من العرب والإسرائيليين لتوفير بيئة تدعم المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية ولاعتماد هذه الاتفاقية حين التوصل إليها. سيكون من الصعب التوصل إلى مبادرة كهذه، ليس لأن القادة العرب الرئيسيين لا يرون فيها فائدة أو صحة، وإنما بسبب القيود التي تفرضها البيئة السياسية والرأي العام المشحون في بلادهم. يجب ألا يظهروا بمظهر الذي يذعن لضغوط واشنطن، كما يجب ألا يظهروا بمظهر من يقدم تنازلات لإسرائيل أو من يتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني. لذلك تكمن المعادلة في إيجاد طريقة لبعث الحياة في خريطة الطريق المتهاوية، ويعيد انغماس الإدارة الأميركية والتي لا يمكن الاستغناء عن دور مستمر لها وعلى أعلى المستويات، دون تعريض شرعية المبادرين للخطر بسبب تجاهل الرأي العام المحلي، أو بسبب إثارة انتقاد مسموم من أخوة لهم لم يقتنعوا بالخطوة. من المناسب توجيه الانتباه حالياً إلى مبادرة عربية تسعى للوصول إلى أرضية مشتركة مع أوروبا في المرحلة الأولى، لتجنب شرك الظهور بمظهر الدمية الأميركية، وفي الوقت نفسه يُضم عمود أساسي إلى بناء الدعم العالمي، والذي غاب مؤخراً عن الصفوف الأمامية للمعنيين بتمتين وتدعيم جميع مراحل العملية. ويجب أن يجتمع القادة العرب والأوروبيون الرئيسيون في عاصمة أوروبية أو عربية لهذا الهدف، وأن يحثوا الصحافي فريدمان وغيره من كبار خبراء الاتصال الجماهيري على شرح وترويج المبادرة، ومن ثم يقوموا بإرسال مبعوثين مناسبين إلى الولاياتالمتحدة وإسرائيل وفلسطين وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة. فمبادرة كهذه قادرة على استمالة الأغلبية الإسرائيلية والفلسطينية التي تريد السلام، والتغلب على رفض إسرائيلي متعجل ومبكر. وبمجيئها في وقت يتجدد العنف فيه ويفتر فيه الاهتمام الأميركي، يمكن لمبادرة كهذه كبح الانزلاق نحو فوضى من العنف، وفي أفضل الأحوال، وضع العملية السلمية برمتها على المسار الصحيح. وفي أسوأ الأحوال، يمكنها الحفاظ على البناء الدولي المؤيد للسلام جاهزاً لدعم المفاوضات إذا تجددت في لحظة مناسبة أخرى. - مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وسفير سابق للولايات المتحدة في مصر وتونس والبحرين. المقال جزء من سلسلة مقالات عن "مبادرة السلام العربية" تنشر بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية.