تكريم 6 جهات متقدمة في مؤشر نُضيء    الرياض مقرا لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    اختتام أعمال منتدى المدينة للاستثمار    النفط يتراجع بسبب مخاوف زيادة المعروض وارتفاع الدولار    نقاط الخلاف تعرقل الحل النهائي لوقف الحرب في غزة    السعودية تنظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني فبرايل المقبل    لاجئو السودان يفرون للأسوأ    استبعاد صالح الشهري من المنتخب السعودي    القبض على شخص بمنطقة حائل لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    إصدار النسخة الأولى من السجل الوطني للتميز المدرسي    مشروعات علمية ل480 طالبا وطالبة    "كايسيد" يعزز من شراكاته الدولية في أوروبا    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    جامعة الدول العربية تعلن عن تجهيز 10 أطنان من الأدوية إلى فلسطين    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    لمحات من حروب الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير البنك الدولي عن فرص العمل في المنطقة العربية . القضاء على البطالة يزيد النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 1 من 2
نشر في الحياة يوم 02 - 10 - 2003

تنشر "الحياة" على حلقتين خلاصة للتقرير - الدراسة الذي أعدّه البنك الدولي عن التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شأن إطلاق فرص العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والحاجة إلى عقد اجتماعي جديد. وتشكّل الدراسة مع غيرها من الدراسات المعدّة مساهمة من البنك الدولي في الحوارات والمناقشات الجارية حول التنمية في المنطقة. وهي تبحث في صميم التحدّيات التي تواجهها هذه المنطقة في القرن الواحد والعشرين من أجل الإسهام في إطلاق الطاقات الغنيّة التي تزخر بها المنطقة وفي توظيف هذه الطاقات من أجل رفاهيتها. وتكتسي هذه الدراسة أهمّية خاصّة باعتبار أنّ موضوعها "العمالة" يشكّل أخطر التحدّيات التي تواجهها المنطقة حيث أنّ معظم دولها تعاني من معدلات للبطالة تؤثّر في حياة عشرات الملايين من مواطنيها، ومعظمهم من الشباب ومن المتعلّمين ومن الإناث.
يركز تقرير "إطلاق فرص العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - نحو عقد اجتماعي جديد" على أهمية العمالة والسبل الآيلة لتعزيز فرص العمل في هذه المنطقة، لذا فإنّه بدأ تحت عنوان "تأمين 100 مليون فرصة عمل لقوّة عاملة تتسارع بالنموّ" بعرض ما ستواجهه هذه المنطقة في العقدين المقبلين من تحد غير مسبوق.
وبلغ إجمالي عدد القوة العاملة في المنطقة عام 2000 حوالى 104 ملايين شخص، ويٌتوقّع أن يرتفع الرقم الى 146 مليوناً سنة 2010 والى 185 مليوناً سنة 2020 . ومعنى ذلك أنّه يتعيّن على اقتصادات المنطقة توفير 80 مليون فرصة عمل جديدة في العقدين المقبلين. ومع معدّل البطالة البالغ الآن نحو 15 في المئة، يبدو أنّ الهدف الأكثر طموحاً، والمتمثّل باستيعاب الأعداد العاطلة عن العمل فضلاً عن إيجاد الفرص لتوظيف الوافدين الجدد إلى سوق العمل، يعني الحاجة إلى ايجاد ما يقارب 100 مليون وظيفة مع حلول سنة 2020، أي مضاعفة مستوى التوظيف الحالي على امتداد العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.
ويرى التقرير أنّ مستقبل الحياة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتحدّد، بدرجةٍ لا يُستهان بها، من خلال مصير أسواق العمل فيها. وأنّ العوائق التي ينبغي تخطّيها هائلة، وتعقيداتها مثبطة للهمَّة، إلا أنّ كلفة التراخي عن القيام بعمل ما، مقابل الفوائد التي يحقّقها وجود أسواق عمل تتّصف بالدينامية، ئؤكّد على ضرورة التصرّف بسرعة وعزم.
ويشدد التقرير على أنّ الفعالية الاقتصادية والحياة الكريمة للعمال ستتضرّر إن استمرّت الاتجاهات الحالية بفعل ارتفاع البطالة وانخفاض الإنتاجية. وأنّه، من ناحية ثانية، إذا تحسّنت نتائج أسواق العمل، سيزداد النموّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويتسارع رافعاً معه المستويات المعيشية للسكان عبر هذه المنطقة.
التحولات
إلا أنّ التقرير يرى أنّ مجابهة تحدّي العمالة يتطلّب إجراء تحوّلات في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالمنطقة بحاجة إلى نمط جديد للتنمية يقوم على إعادة تنشيط القطاع الخاص، وعلى تحقيق تكامل أكبر مع الاقتصاد الدولي وإدارة أفضل للثروة النفطية. وتتطلّب هذه العوامل الدافعة باتجاه تحقيق النموّ وتأسيس فرص العمل في المستقبل وضع الأسس لنظم حكم أفضل. وفضلاً عن ذلك، فإنّ هذه التحوّلات تستوجب قيام عقد اجتماعي جديد.
وقبل أن يعرض التقرير تصوّره للعقد الاجتماعي الجديد المطلوب، تناول تطوّر العقد الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ووجد أنّه نشأ عن "العقود الاجتماعية" التي عرفتها دول المنطقة منذ استقلالها مؤسسات ومصالح وأنماط وممارسات اتّسمت بالاستمرارية وشكّلت المعوقات والحوافز التي تواجهها الآن حكومات المنطقة في سعيها لمواجهة شتى التحدّيات المؤيّدة لسياسة الإصلاح والمعارضة لها. أنّ هذه العقود الاجتماعية حدّدت علاقة الدولة بالقوى العمالية على امتداد المنطقة، كما أنّها حدّدت التوقّعات والالتزامات التي ثبت ترسّخها بشكل عميق. وأنّه لا يزال لها أيضاً حضور قوي في الحوارات الجارية حول الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، على رغم أنّ تأثيرها على مستوى العمالة والأجور وظروف العمل، وعلى الاستثمار الخارجي والتجارة والأداء الكلّي للاقتصاد، بات سلبياً.
ويلفت التقرير إلى انّ فهم ما تنطوي عليه العقود الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - أصولها، وتطوّراتها، والنتائج التي ترتّبت على هذه التطوّرات، وتأثيراتها على أسواق العمل - أمر حيوي عند محاولة تقويم فرص العمل واحتمالاته. وقد اكتسبت العقود الاجتماعية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال الفترة منذ الأربعينات وحتى السبعينات، معالم متميّزة، وترتيبات مؤسساتية، وسياسات عامّة، وحوارات، وأنماطاً لعلاقات الدولة بالمجتمع، كان من أبرز ملامحها الجوهرية:
- تغليب اعتبارات العدالة وإعادة توزيع الثروة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
- الانحياز إلى فكرة تحكّم الدولة بدلاً من السوق في إدارة الاقتصاد القومي.
- تبنّي سياسات التصنيع كبديل للاستيراد وحماية الأسواق المحلية من المنافسة العالمية.
- الاعتماد على الدولة في التخطيط الاقتصادي وتحديد الأولويات الاقتصادية.
- تبنّي رؤية شمولية لدور الدولة في تحقيق الرفاه وتوفير الخدمات الاجتماعية.
- النظر إلى الساحة السياسية على أنّها تعبير عن "الوحدة العضوية للأمّة" وليس على أنّها ميدان للمنافسة السياسية أو تراكم للخيارات المتناقضة.
أمّا عن المكاسب المبكّرة التي حقّقها العقد الاجتماعي، فيذكر التقرير أنّ الحقب التالية شهدت، على رغم ممّا صاحب قيام وتثبيت العقود الاجتماعية في دول هذه المنطقة من اضطرابات، معدّلات متميّزة وغير مسبوقة في النموّ الاقتصادي وبالتنمية الاجتماعية. ويشير إلى أنّه، بين 1965 و1985، كانت معدلات النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أعلى المعدلات في العالم حيث بلغت في المتوسّط نحو 7.3 في المئة للفرد سنوياً. كما يشير إلى أنَّ تلك العقود الاجتماعية حقّقت انخفاضاً في مستويات الفقر وفي عدم التساوي بتوزيع الدخل، وأنّ المكاسب الاجتماعية بدت من جرّاء ذلك هائلة بما صحبها من انخفاض في معدلات الوفيات وزيادة في المتوقّع من سنوات العمر، وارتفاع في معدلات الالتحاق بالمدارس ومستويات الإلمام بالقراءة والكتابة.
أمّا الآثار السياسية المهمة التي خلّفتها تلك النتائج، فقد ظهرت في تعزيز آليات إعادة توزيع الثروة، التي حافظت بدورها على الرفاه لشرائح واسعة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ممّا رسّخ شعبية وقبول هذه السياسات بين الأطراف الاجتماعية التي تعتبرها حكومات المنطقة بالغة الأهمّية.
ومنذ الستينات مروراً بالثمانينات، برزت هذه الفئات كمجموعات مستفيدة في ظلّ نظم الاقتصاد السياسي التي انبثقت عن العقود الاجتماعية القائمة على فكرتي التدخّل في الاقتصاد وإعادة توزيع الدخل.
ويشير التقرير إلى أنّّ مكاسب الرفاه الاجتماعي ساعدت أيضاً على ترسيخ "صفقة القبول بالشمولية والتسلّط" في المنطقة، وهي الصفقة التي قايض بموجبها المواطنون قبول القيود والمكبّلات على حقّهم في المشاركة السياسية بمكاسب تؤمّن أوضاعهم الاقتصادية وتوفّر لهم الخدمات والمنافع الاجتماعية.
ويجد التقرير، في معرض تتبعه لأحوال العقد الاجتماعي منذ نشأته، أنّه بدأ خلال الثمانينات والتسعينات يعاني الإجهاد، إذ أنّ الفجوة بين الترتيبات والتوقّعات المؤسساتية المترسّخة، وبين تردّي قدرة الحكومات على الوفاء بالتزاماتها في تحقيق الرفاه الاجتماعي أخذت بمرور الزمن تزداد اتّساعاً. وبدا جليّاً، منذ مطلع الثمانينات، عجز العقد الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن المحافظة على المكاسب الاقتصادية التي تحقّقت خلال العقود الزمنية السابقة. ومع نهاية الثمانينات، تحوّلت هذه الحالة إلى أزمات اقتصادية كبيرة بدأت بتدهور أسعار بيع النفط، وتناقص الطلب على العمالة المهاجرة، وتدنّي تحويلات العمال من الخارج.
أمّا كيف استجابت معظم حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لهذه الصعوبات الاقتصادية المتصاعدة، فقد ظهر ذلك في تبنّيها نوعاً من برامج الاستقرار الاقتصادي. واتّسمت سياساتها بالحذر والتدرّج، إلا أنّه، في ظلّها، شهدت المنطقة بأجمعها تقليصات في الأموال المخصّصة للمعونات والدعم، وخفوضات في حجم الإنفاق الحكومي، وإصلاحات في أنظمة أسعار صرف العملات. ومع بداية التسعينات، بدأت هذه الإصلاحات في تحقيق نتائج إيجابية، فانخفضت مستويات الدين العام، وتمّت السيطرة على التضخّم المالي، كما كان أداء الاقتصاد الكلّي في المتوسّط مرضياً.
وفضلاً عن ذلك، فإنّ حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شرعت في تنفيذ عملية انتقال تدرجية وانتقائية، من مجرّد تحقيق الاستقرار الاقتصادي إلى إجراء تعديلات هيكلية، وهي خطوة لقيت تشجيعاً قوياً من المؤسسات المالية الدولية. وهذه الإجراءات التي اتخذتها حكومات المنطقة تشكّل معالم معروفة في إعادة هيكلة الاقتصاد. من ذلك" تخصيص المشاريع المملوكة للدولة، والإصلاحات الضريبية، وتحرير التجارة، وإعادة النظر في القيود التنظيمية، وتعزيز القواعد المؤسساتية لاقتصاد السوق. غير أنّ تطبيق هذه الخطوات الإصلاحية بقي متقطّعاً، مشوباً بالتردّد، وغير مكتمل. وأسهم ذلك في جعل استعادة المنطقة لانتعاش اقتصادياتها ضعيفاً في التسعينات. وخلال الخمسة عشر عاماً الماضية، بلغ متوسط نموّ الناتج المحلّي الإجمالي للفرد 1 في المئة سنوياً، كما بقيت إنتاجية العامل ضعيفة في حين ارتفعت معدلات البطالة.
ويرى التقرير أنَّه بين عامي 1990 و2000، وبمعدّل زيادة سنوي بلغ في المتوسّط 2.2 في المئة، ارتفع عدد سكان المنطقة 1.6 مليون شخص سنوياً بالمقارنة مع 6.4 مليون شخص سنوياً في السبعينات و7.6 مليون شخص سنوياً في الثمانينات.
وأنّه، في العقد الحالي، وعلى رغم أنّ عدد السكان يزيد بمعدّل سنوي أقل وهو 2 في المئة، إلا أنّ المنطقة لا تزال تضيف إلى عدد سكانها أكثر من 6 ملايين شخص سنوياً. إلا أنّ التقرير يجد أن بالإمكان القول بثقة أنّ حقبة الزيادة الهائلة في أعداد سكان المنطقة ولّت، كما أنّ الشواهد تدلّ على أنّ اتجاهات معدّلات النموّ السنوي للسكان تسير على امتداد المستقبل المنظور الى الانخفاض.
وتحت عنوان "من عبء ديموغرافي إلى هبة ديموغرافية" يلفت التقرير إلى أنّ النضج الطارئ على الهيكل العمري للسكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحلّ هذه المنطقة مع نهاية القرن العشرين في موقع فريد. فبين عامي 1990 و2020 سيتجاوز النموّ الطارئ على فئات السكان النشطة اقتصادياً الأعمار بين 15 و64 سنة نموّ الفئات المعالة اقتصادياً بمعدّل يفوق نظيره في أيّة منطقة أخرى. وكما يظهر من تجربة دول شرق آسيا، فإنّ هذا التباين، المسمّى بالهبة الديموغرافية، يتيح لدول المنطقة فرصة تسريع نموّها الاقتصادي من خلال تراكم أسرع لعوامل الإنتاج.
وانخفاض معدلات الإعالة يدلّ ضمناً على إمكان تحقيق مستويات عالية للادخار والاستثمار. والنموّ السريع في قوى العمل، خصوصاً مع ارتفاع مستويات التعليم وتوقّعات حياة أطول، من شأنه أن يزوّد اقتصادات المنطقة بمعين أكبر من العمال المنتجين.
ويذكر التقرير أنّه، نتيجة لذلك، سيجد صانعو السياسات في المنطقة أنفسهم أمام تحدّيات جديدة. فهذه التغييرات الديموغرافية المستمرّة ستفرض عليهم نقل تركيز الاهتمام من توفير الصحة والتعليم لفئات سكانية شابة إلى تسهيل فرص التوظيف وزيادة الإنتاج.
أمّا عن تنامي سرعة ضغوط أسواق العمل منذ الثمانينات، فقد أشار التقرير إلى أنَّ القوى المحرّكة للهيكل الديموغرافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الوقت الذي أوجدت فيه فرصاً للتوظيف وللنموّ الاقتصادي، فإنّها قد أوجدت أيضاً ضغوطاً حادّة لم تشهد أيّة منطقة أخرى بالعالم مثيلاً لها في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأنّه نجم عن المعدّلات المرتفعة للزيادة السكانية للنموّ السكاني في فترة ما بين الخمسينات والثمانينات ارتفاع أعداد السكان الذين هم في سنّ العمل. وأنّه، مع ارتفاع نسبة هذه الشريحة من السكان منذ الثمانينات، نما عرض القوّة العاملة، وازدادت بمرور الزمن أعداد الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
اشد الضغوط
أمّا من حيث الضغوط التي يشكّلها الشباب في نموّ القوّة العاملة، فيُلاحظ التقرير أنّها ظلّت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عالية على الدوام. وأنّ الحقبة بين 1990 و2010 ستشهد أشدّ ضغوط القوّة العاملة من الشباب ذكوراً وإناثاً. فمشاركة الإناث في العمل منذ الثمانينات تشكّل، على وجه الخصوص، أحد أهمّ التطوّرات المؤثّرة في حجم عرض العمالة في المنطقة وبالتركيبة الجنسية فيه. كما لاحظ التقرير أنّ الأمر لا يقتصر على دخول شباب من الجنسين بأعداد كبيرة لأسواق العمل. فهؤلاء هم، فضلاً عن ذلك، أكثر تعليماً بشكل متزايد نتيجة حرص حكومات المنطقة على تخصيص موارد مالية كبيرة للإنفاق على تراكم رأس المال البشري.
وتحت عنوان "تزايد البطالة وبقاء الأجور الحقيقية راكدة خلال التسعينات" يشير التقرير إلى أنّ تنامي المعروض من القوّة العاملة يشكّل إحدى القوى المؤثّرة بشكل أساسي في نتائج سوق العمل. وأنّه، باعتبار أنّ مستوى العمالة يتحدّد وفقاً للتفاعلات ما بين العرض والطلب، فإنّ من غير الممكن تقديم تقويم كامل لأسواق العمل من دون القيام بتقديرات للطلب على العمل، وذلك حسب ما تحدّده الأوضاع والسياسات الاقتصادية الداخلية والخارجية للمنطقة. ويجد التقرير، من وجهة النظر هذه، أنّ قوّة الأداء الاقتصادي لهذه المنطقة قبل منتصف الثمانينات، ثمّ ما طرأ على الأداء من ضعف في المرحلة اللاحقة، قد انعكس بشكل كلّي على نتائج سوق العمل.
ويلفت التقرير، بعد التذكير بأمر بديهي أنّه، إذا ازداد المعروض من العمل عن معدلات التوظيف ارتفع معدّل البطالة، إلى أنّ النموّ في القوّة العاملة، على امتداد العقد الماضي، فاق الزيادة التي طرأت على فرص التوظيف في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأنّه قد ترتّب على هذا أن غدت معدّلات البطالة في هذه المنطقة من الأعلى في العالم. وأنّ نسبة البطالة في المنطقة، حسب تقديرات متحفّظة، يصل معدّلها إلى نحو 15$ من إجمالي القوّة العاملة.
الدول المصدرة للنفط
ويرى التقرير أنّ هذه المشكلة تطال سائر بلدان المنطقة تقريباً، حتى أنّ الدول المصدرة للنفط، التي تكمّل عادةً ما عندها من قوة وطنية عاملة باستيراد العمالة من الخارج، شهدت اخيراً معدلات عالية من البطالة.
البطالة بين الاناث اكبر
كما يرى أنّ البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تركّزت على الشباب من سكانها حيث راوحت معدلات البطالة بينهم من 37 في المئة من مجموع البطالة في المغرب، إلى 73 في المئة في سورية، مع متوسط عام 53 في المئة بالنسبة الى جميع البلدان التي تتوافّر إحصاءات عنها. ولا يغفل التقرير عن الإشارة إلى بُعد آخر لملفّ العمالة يتعلّق بالجنس، فمعدّلات البطالة بين الإناث على مستوى المنطقة ككلّ هي أكبر من نظيرتها بين الرجال بما يعادل 50 في المئة تقريباً.
وتظهر الدراسة أنّ النتائج الضعيفة لسوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تقتصر على البطالة فحسب، بل شملت أيضاً الأجور الحقيقية. فالأجور الحقيقية ارتفعت بشكل محدود في بعض أقطارها فقط. أمّا في معظم هذه الأقطار، فإنّ الأجور الحقيقية اتسمت منذ الثمانينات بالركود أو بالتراجع. وبالنسبة الى انتاجية العامل، التي هي الأساس لتحديد الأجر الحقيقي، فإنّها ارتفعت خلال التسعينات بأقلّ من أيّة منطقة أخرى في العالم، باستثناء منطقتي أوروبا ووسط آسيا اللتين شهدتا عمليات إعادة بناء اقتصادي هائلة.
وعن ترابط اتجاهات البطالة والإنتاج، يلفت التقرير إلى أنّ انخفاض الطلب على العمالة أفرز تراخياً في درجة سرعة خلق الوظائف خلال التسعينات ممّا أسهم في ارتفاع البطالة. ويؤكّد على أنّ أهمّ مؤشّر في اتجاهات الطلب على العمل هو نموّ الإنتاج. وأنّ درجة قوّة نموّ الإنتاج تعكس، كما تؤدّي في الوقت ذاته، إلى نموّ البطالة وتقليصها، وذلك لأنّ العمل عنصر أساس في عملية الإنتاج، وهو يُسهم بشكل مباشر في زيادة الإنتاج.
وتُظهر الدراسة أنّه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما في غيرها من المناطق عموماً، تزامن النموّ الاقتصادي السريع مع انخفاض في مستويات البطالة، في حين أنّ تباطؤ النموّ الاقتصادي ظلّ، على الدوام، يعني ارتفاعاً في معدّلات البطالة. وهكذا فإنّ الوضع في هذه المنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال التسعينات يتلخصّ في ضعف أداء الإنتاج مقارنةً بنموّ سريع في القوة العاملة، فكانت المحصّلة أنّ إنتاجية العامل تحسّنت قليلاً جداً، أو أنّه لم يطرأ عليها أيّ تحسّن إطلاقاً.
ويرى هذا التقرير للبنك الدولي عن التنمية أنّه على رغم الجهود التي بذلتها حكومات هذه المنطقة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، إلا أنّ تقهقراً طرأ على تراكم رأس المال، طبع حقبة الثمانينات واستمرّ خلال التسعينات، حيث سجّلت جميع دول المنطقة تقريباً معدلات منخفضة في تراكم رأس المال الفعلي مقارنةً بالعقود السابقة. كما يرى أنّ عدم استجابة القطاع الخاص لهذه الحالة بشكل قوي، يرجع إلى بطء وتراخي السياسات الإصلاحية. ففي الوقت الذي أدّت الإصلاحات الكلية والهيكلية المبكّرة فيه إلى تحسين صورة الاقتصاد إلا أنّ معظم دول المنطقة فشلت في متابعة جهودها الإصلاحية.
وتحت عنوان "الحكومات ما تزال هي المهيمنة على أسواق العمل" أشار التقرير إلى أنّه، على مستوى الاقتصاد الجزئي، ترجع النتائج الضعيفة لسوق العمل، بدرجة كبيرة، إلى انخفاض الطلب على العمالة من القطاع العام وإلى تباطؤ نموّ القطاع الخاص. فمعدّلات البطالة هي الأعلى بالنسبة الى الوافدين الجدد إلى سوق العمل، من ذوي التعليم المتوسط وما فوق. وبالتالي، فإنّ العاطلين عن العمل هم بالضرورة من بين الذين اعتادوا الحصول على وظيفة رسمية مضمونة في الحكومة بعد سنوات عرفت بالعمل المضمون من قبل القطاع العام. أمّا بالنسبة الى غير الحائزين على تعليم نظامي، والذين بالتالي هم غير مؤهّلين للتوظيف في القطاع العام، فإنّ معدلات البطالة بينهم أقل. أمّا هيكل البطالة فيشير إلى أنّ جزءاً مهمّاً منها يرجع إلى التوقّعات العالية لدى الباحثين عن عمل من ذوي التعليم النظامي، كما يرجع أيضاً إلى تدنّي درجة تقييم هذه المؤهّلات التعليمية من قبل القطاع الخاص ذلك أنّ التعليم النظامي استهدف جعل وظائف القطاع العام متاحة ولم يهتم ببناء المهارات.
ويذكر التقرير أنّه على رغم أنّ التوظيف الحكومي جرى تقليصه في الاعوام الأخيرة، إلا أنّ هيكل سوق العمل بقي مجزّءاً، وأنّ الوافدين الجدد الى السوق من المتعلمين لا يزالون يصطفون في طوابير انتظاراً للحصول على وظائف حكومية على رغم تدنّي أجور الخدمة العامّة، بسبب المزايا الأخرى المصاحبة للتوظّف مع الحكومة مثل ضمان الوظيفة والرعاية الاجتماعية.
كما يشير إلى أنّه، على رغم أنّ معدلات الأجور الحقيقية تبدو مرنة، حيث أنّها تتّجه للانخفاض في فترات تباطؤ النموّ الاقتصادي، إلا أنّ الدور المهيمن للحكومة في التوظيف من شأنه أن يفرض قوالب ثابتة في هيكل الأجور تشوّه دور الحوافز في سوق العمل. فالعائد المالي للتعليم النظامي في وظائف القطاع العام يشجّع على الاستزادة من مؤهلات هذا النوع من التعليم، حتى إن كانت هذه المؤهلات لا تؤدّي إلى زيادة إنتاجية من يحملها من العمال، وحتى مع تقويم القطاع الخاص لها بشكل متدن. إنّ ما ينجم عن ذلك، من تركّز القوّة العاملة المتعلّمة في وظائف القطاع العام غير المنتجة، يفسّر إلى حدٍّ بعيد المساهمة الضعيفة للرأسمال البشري في النموّ الاقتصادي للمنطقة.
ولا ينفي التقرير أنّ التوظيف الحكومي يعتبر أداة فعّالة نسبياً في التقليل من حدّة الفقر، إلا أنّه لا يجد مع ذلك أنّه يُعتبر شبكة أمان فعّالة إذ أنّ معظم مزاياه تذهب إلى المتعلمين الذين لا يندرجون عادةً ضمن الشرائح الفقيرة. ويلفت، فضلاً عن ذلك، إلى إنّ كلفة التوظيف الحكومي المفرط تأخذ شكلاً متدنياً ومتدهوراً في نموّ الاقتصاد بمعدلات الإنتاجية الأخرى، وهذه بدورها يمكن أن تحدّ على المدى البعيد من جهود مكافحة الفقر.
وينتقل التقرير بعد هذا العرض إلى مبحث جديد عنوانه "إطلاق إمكانات خلق فرص العمل" ليبدأ من خلاله، ثمّ من المباحث التي تليه، في عرض رؤيته والخلاصات التي توصّل إليها نحو تحقيق هذا الهدف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما يستلزم ذلك من سياسات إنمائية جديدة تحتاجها المنطقة لمواجهة التحدّيات ويمكن أن يوفّره لها عقد اجتماعي جديد. يتبع.
* البنك الدولي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.