تكاد تتفق الآراء بأن التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون الخليجي التي تتسم بارتفاع معدل أعمار الشباب الداخلين إلى سوق العمل تمثل تحدياً خطيراً أمام القدرة الاستيعابية لأسواق العمل، خاصة مع تزايد الاعتماد على العمالة الأجنبية مما يرفع من معدلات البطالة في هذه الدول. كما أن نمط التنمية الذي يعتمد على الصناعات الثقيلة المشتقة من النفط والمعتمدة بدورها على رخص المواد الأولية وكثافة الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة تدعم هذا الوضع وتغذيه. ففي حين قدرت إحصاءات أوردتها مؤسسة ستاندرد اند بور الائتمانية أن معدلات البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي تتراوح ما بين 5% إلى 15%، فقد أشار تقرير أصدره معهد الشرق الأوسط للبحوث والإعلام أن ما نسبته 40% من السكان في هذه الدول تقل أعمارهم عن 25 سنة في حين تزداد قوة العمل 3% سنويا. لذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجه صانع القرار في المنطقة هو ارتفاع معدلات البطالة وهي من اعلى المعدلات في العالم، كما أنها تزيد بمعدل الضعف عما كانت عليه قبل أعوام إذ كانت تتراوح ما بين 3 – 8 يبلغ في المئة فقط. وبالنسبة إلى انتاجية العمل يلاحظ المعهد ازدياد الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج العربي بنسبة 7% خلال العقد الماضي -وهي نسبة تأتي في المرتبة الثانية في العالم، في حين أن نسبة الإنتاجية والتي تقيس كفاءة استخدام الموارد ارتفعت بنسبة 2% سنوياً خلال الفترة نفسها وهي تعد النسبة الأقل في العالم إذ ان معدل زيادة الإنتاجية العالمي يبلغ 5% سنوياً. وتعتبر منطقة الخليج العربي هي المنطقة الوحيدة التي تشهد عدم مواكبة الزيادة في الناتج المحلي مع الزيادة في الإنتاجية. وتفسر هذه الظاهرة بأن زيادة العوائد النفطية كانت السبب الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي والتي تتزامن مع ثبات الإنتاجية. لذلك، فإن المطلوب هو خلق تزامن بين نمو الاقتصاد الوطني ونمو الانتاجية لأن ذلك هو السبيل الرئيسي لخلق الوظائف والذي بدوره يؤدي إلى تحقيق قيمة اقتصادية واجتماعية أعلى للنمو الاقتصادي. وعلى العكس فقد استطاعت دول شرق آسيا الاستفادة من دورات الاقتصاد المختلفة لزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل وتحقيق معدلات النمو الاقتصادي، وهي الدروس التي يجب التعلم منها في محيطنا الخليجي. كما أن تحدياً آخر يواجه دول مجلس التعاون هو الحفاظ على مستوى المعيشة وعدم تدهور مستوى الدخل في ظل التراجع الراهن في الإيرادات النفطية يقابله أعباء كبيرة تتحملها الحكومات في دعم الخدمات الحكومية والصرف على شبكة الأمان الاجتماعي وتوفير الوظائف المدعومة إلى جانب مواصلة التوسع في مشاريع البنية التحتية. ولكي تتمكن دول التعاون من تحقيق هذا الهدف فإنه يجب أن تعمل على زيادة معدل النمو الاقتصادي بأكثر من 7 % سنويا وهو المعدل الذي ساد خلال عقدي التسعينات وبداية القرن الواحد والعشرين. وعلى الرغم من ان تقرير ستاندر اند بور المذكور يشير إلى تراجع معدلات البطالة خلال العقد الماضي بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية إثر زيادة عوائد النفط، إلا أنه وبظل التحديات الراهنة المتعلقة بانخفاض أسعار النفط، والتي تشير التوقعات إلى بقائها كذلك على المدى المتوسط، فإن المطلوب هو جهود مضاعفة من أجل تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. كما أن التجربة العالمية تفيد بأن تحقيق هذا الهدف لا يتم إلا من خلال تحويل العمالة من القطاعات الأقل إنتاجية وذات الكثافة العمالية الرخيصة إلى الصناعات القائمة على المعرفة وذات القيمة المضافة العالمية. ولكي تتمكن دول المجلس من تطوير الصناعات القائمة على المعرفة فإنها يجب أن تستثمر بشكل أكبر في البحوث والتطوير. ويقدر مجلس الوحدة إنفاق الدول العربية على البحوث والتطوير نسبة 1% من الناتج المحلي بينما تبلغ هذه النسبة 6% في النرويج. وبدون دمج الوظائف للمواطنين في التحول نحو الاقتصاد المعرفي فأن الاقتصاديات الخليجية لن تحقق المردودات المطلوبة خاصة إذا اعتمدت على استيراد كافة عناصر هذه الصناعات من الخارج بما في ذلك الأيدي العاملة. كما أن دول التعاون مطالبة بجذب الاستثمارات الأجنبية إذ إن هذه الدول لا تزال تعتبر من الدول الأقل جاذبية للاستثمارات وتمثل حصتها واحدا في المئة فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر. ويجب أن ينصب التركيز على برامج الترويج العالمية التي تبرز الفرص والمزايا الاستثمارية الكبيرة التي توفرها دول المجلس. وبعدما استطاعت الصين جذب 50 مليار دولار من الاستثمارات الاجنبية العام 2013، استقطبت دول التعاون 15 مليار دولار فقط معظمها ذهب لقطاع النفط والغاز. ونتيجة ارتفاع معدل البطالة فإن الكثير من الشباب يبحثون ںعن فرص العمل وذلك للحصول على وظائف تناسب إمكاناتهم ومؤهلاتهم وتدر عليهم أجراً مناسباً. إن النفط كأي سلعة أخرى خاضعة للتقلب في الأسعار وأحيانا تقلبات تكون بصورة حادة، وإن تزامن انخفاض أسعار النفط مع ارتفاع معدلات البطالة سوف ينتج عنه مردودات عكسية مضاعفة على الاقتصاد. وكما يقول المدير العام لمكتب العمل العالمي جوان سومافيا فإن العالم يواجه أزمة بطالة عالمية ونقصا في الوظائف التي تتناسب مع حجم المؤهلات والكفاءات ويؤثر هذا الوضع على دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كما ينتج عن البطالة مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة إذ إن البطالة تعد أحد أسباب عدم الاستقرار بينما يحذر رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلارس شواب أن ظاهرة البطالة في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تعد بمثابة قنبلة موقوتة حيث إن هذه الدول مطالبة بتوفير ما يعادل مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر المقبلة.