قديماً كان الزواج مسألة تخضع للترتيب ولا علاقة لها بالاختيار، وكان زواج الحب نادراً. ولوحظ أن غالبية هذه الزيجات التي قامت على المصلحة والترتيب كانت أسعد من الزيجات التي قامت على أساس الحب. وقد سئل اندريه موروا في ذلك، فقال: - إن الأمر سهل، ان الحب العنيف يعطي صاحبه صورة ليست حقيقية عن الناس، والرجال الغارقون في الحب إلى آذانهم يتصورون ان الزواج سيمنحهم قدراً هائلاً من السعادة ولهذا يتزوجون، ثم لا تلبث خيبة الأمل ان تدركهم. وفي اميركا مثلاً تقع زيجات الحب أكثر مما تقع زيجات المصلحة او الاتفاق، ولكن الأميركيين يعمدون الى الطلاق اكثر من غيرهم من الشعوب. تقول كاتبة فرنسية تعيش في اميركا ان الشاب الأميركي يتوقع حينما يتزوج أن يعيش قصة حب لا تشوبها شائبة، لقد أنفق قبل ذلك وقتاً طويلاً في دور السينما التي تصور له الحب على أنه هذه الرحلات التي لا تنتهي الى الريف، وهذه السعادة التي لا تتوقف، كما ان السينما علمته ان الشجار بين العاشقين ينتهي دائماً بقبلة تمسح الجراح وتؤدي الى الصفح. وهذه الصورة ليست حقيقية. إن الشباب في اميركا يكتشف بعد الزواج ان الرحلات الى الريف باهظة التكاليف ومتعبة، كما ان الريف الجميل نفسه من الصعب العثور عليه، كما أن رفاق السفر عصبيون مزاجهم متقلب. وعندما يتزوج الشبان، يرى الواحد منهم زوجته في ثياب المنزل، ويراها وهي منحرفة المزاج منكوشة الشعر، ويكتشف ان لها عادات وطباعاً تختلف عن طباعه وعاداته. وتمر الأيام ويصطدم الزوجان بمتاعب الحياة اليومية، ويسفر التعب عن وجهه وتبرز الأنانية. وبدلاً من ان يقول كل واحد لنفسه: - ليس في هذه الدنيا شيء كامل منزه عن النقص حتى الحب. فانهما يقولان: - لقد أسأنا الاختيار ولا ريب في أن الكمال موجود في شخص آخر وقلب آخر. ويحصلان على الطلاق وتنفصم العلاقة ويبدأ البحث عن علاقة جديدة، وتتكرر التجربة مرات والفشل مرات. وأثبتت التجارب ان الزواج المثالي صعب التحقيق، ويتحول هذا الزواج الى حلم مستحيل اذا كان كل زوج من الزوجين يريد من الطرف الآخر ان يكون على شاكلته، أو يكون هو الكمال المثالي النهائي المطلق. إن كل إنسان ينام على فراشه بطريقة خاصة، ويحب ألواناً من الطعام قد يمقتها آخر، ويفكر بأسلوب قد لا يعجب الطرف الثاني، ويتصرف بشكل قد يراه شريك الحياة مأساة كاملة الاركان، وهذه كلها مشكلات لا يمكن حلها إلا بالأدب وروح المرح والقدرة على التضحية مرة ومرتين وعشر مرات، والمبادرة بالتضحية عنصر مهم لأن انتظار صدور التضحية من الطرف الآخر يعني أن سفينة الزواج ارتطمت بالصخور.