ياسر عبدربه ويوسي بيلين سياسيان شجاعان لا يسلكان طريق الإجماع على خطأ. يقولان لنا ان الحرب كارثة على الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، فلا الأول ينال الدولة من طريقها، ولا الثاني يحرز الأمن. وارييل شارون يسقط الشرعية عن بيلين ورفاقه. كذلك يفعل قادة يحتلون مواقعهم في المتن العريض لحزبهم، حزب العمل. فالمؤكد ان المبادرة التي أقدموا عليها ليست شعبية اليوم في اسرائيل، وقد ينقضي وقت طويل قبل ان تصير شعبية. مع ذلك، يأتي تحرك بيلين ورفاقه ليعلن ان شرعية شارون، وشرعية نهجه في الاستيطان وهدم البيوت، تنهض على الذعر والتخويف والحؤول دون تطبيع الحياة واسترخاء الأعصاب. وتحرّكهم يأتي، كذلك، ليدل على ان قوى السلام في اسرائيل، على ضعفها الراهن، هي وحدها المؤهلة لأن تمسك بالمستقبل حين تتوقف دورة الجنون، وحين تتوقف عمليات الانتحار التي تعززها. أي حين يصير هناك مستقبل. وعلى رغم الاختلافات، وهي كثيرة، فإن عبد ربه ورفاقه يشهبون بيلين ورفاقه. فهم صادرون عن سلطة مفككة، رئيسها هزيل يستمد شعبيته من سلوك شارون حياله اكثر من أي سبب آخر. أما العمليات الانتحاريّة التي تتغذى على سلوك شارون وتغذّيه، فعبد ربه وأمثاله بعض ضحاياها وهم بدائلها المحتملون. فما توصل اليه السياسيان في سويسرا قريب جداً مما توقف عنده ياسر عرفات وإيهود باراك وبيل كلينتون، كما يوضّح بعض ما بقي غامضاً حينذاك لصالح تأويل أقرب الى مصالح الفلسطينيين. وهذا يعني أننا أمام محاولة لتصحيح الأوضاع انطلاقاً من تصحيح كامب ديفيد - طابا ومن تصحيح الانتفاضة بردعها عن دمويتها، وطبعاً عن طابعها الانتحاري، إدراجاً لها في السياسة. هذا لا يعني، بالطبع، ان القياديين الفلسطينيي والاسرائيلي سيحتلان بالضرورة الموقع الذي يتمناه كل مُحب للسلام. ولا يعني أن الصيغة المتقدمة التي توصلا إليها ستحل آلياً حيث يحل اليوم الدم والدموع. فأيلولة الأوضاع الى ما آلت اليه هي ما لا يراه كثيرون فجيعة. واليوم تعوّل أكثرية الاسرائيليين على الثأرية الشارونية، وتعوّل أكثرية الفلسطينيين على ثأرية العمليات الانتحارية. وبالتالي: فعبور بيلين وعبد ربه الصحراء المديدة الى السلطة الفعلية والى التقرير، والى السلام من ثم، قد لا يكون متاحاً لهما، ولا لشعبهما. وهذا يعني، في آخر المطاف، شيئاًَ واحداً: تعميم الشارونية وتعميم العمليات الانتحارية، أي تعميم موت العقل مصحوباً بالموت الفعلي لبشر لا ينضبون. إن الأرقام بذاتها شاهد لمصلحة ما يحاوله ياسر عبد ربه ويوسي بيلين.