"هذا ببساطة زلزال... زلزال بقوة ثماني درجات شارونية". هكذا وصف جمال البسيوني ما حل بمخيم رفح خلال اليومين الماضيين من اعادة احتلال بعض المناطق والدمار الذي خلفته الجرافات الاسرائيلية وقذائف الدبابات. واضاف جمال ل"الحياة" مفسرا: "في كل دول العالم يقيسون الزلازل على سلم ريختر، اما نحن الفلسطينيين فنقيسه على تدريج جديد... تدريج شارون للزلازل والهزات الارضية". منزل جمال وعائلته المكون من طبقتين ذهب ضحية "زلزال انتقامي شاروني" في عملية اطلق عليها الجيش الاسرائيلي "علاج جذري" نفذها في مخيم رفح يومي الجمعة والسبت، قبل ان ينسحب فجر الاحد مخلفا أكثر من 120 منزلا مدمراً كليا ونحو 70 منزلا مدمرا جزئيا. صدق جمال عندما وصف ما جرى بأنه زلزال، وهو الوصف الذي استخدمه كثيرون تحدثت اليهم "الحياة" في المدينة المنكوبة. اما الدكتور محفوظ عثمان الطبيب النفسي في العيادة الطبية التابعة لوكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اونروا الواقعة على بعد خطوات قليلة من موقع الدمار فوصف الجيش الاسرائيلي بأنه "ليس جيشا... هؤلاء مقاولو هدم". مأساة انسانية حلت بآلاف اللاجئين الفلسطينيين خلال اليومين الماضيين بحجة البحث عن نحو 13 نفقا في المناطق التي اعادت قوات الاحتلال احتلالها وفرضت حظر التجول عليها منذ منتصف ليل الخميس - الجمعة، حتى لا يرى احد ما يجري هناك. الدمار كان هائلا والمنطقة التي اعيد احتلالها ويبلغ طولها الف متر وعرضها نحو 300 متر اصبحت تنتمي الى عالم آخر يشبه الى حد كبير عالم الزلازل. يقول حسن 35 عاما: "عندما عدت صباحا امس الى المنطقة اعتقدت انني في تركيا في المنطقة التي ضربها الزلزال، او في الجزائر وتساءلت: هل فعلا انا في مخيم يبنا في رفح". ويعتقد حسن الذي تحدث بكآبة وحزن شديدين الى "الحياة" ان حجة البحث عن انفاق ذريعة تستخدم منذ بداية الانتفاضة لهدم المنازل الواقعة على طول الشريط الحدودي واحدا تلو الاخر". وهدمت قوات الاحتلال منذ بدء الانتفاضة نحو الف منزل كليا ونحو 2500 جزئيا، اكثر من 95 في المئة منها تقع على طول الشريط الذي تنشيء عليه جداراً عازلا معدنيا. ويضيف حسن: "لو افترضنا ان هناك 13 نفقا كما يدعون، فليهدموا 13 منزلا تقع فيها هذه الانفاق وليس 10 أضعافها. وادعت قوات الاحتلال انها عثرت على ثلاثة انفاق فقط. المواطن سالم برهوم 70 عاما قال ان منزله دمر تماما لانه يقع الى جوار منزل ادعت قوات الاحتلال انها وجدت فيه نفقا ونسفته بعبوة شديدة الانفجار خلفت حفرة قطرها نحو 110 أمتار وعمقها نحو ثلاثة امتار. برهوم المعلم السابق، فضل ان يقرأ على مسامع المفوض العام ل"اونروا" بيتر هانسن الذي زار المخيم ووفد من المنظمة الدولية للاطلاع على حجم الدمار، رسالة موجهة الى الرئيس ياسر عرفات من "لجنة منكوبي العلاج الجذري البشعة". وصرخ شاب غاضب بأعلى صوته بالعربية التي لا يفهمها هانسن بالقول: "لا نريدكم ان تأتوا الى هنا... اين كنتم في اليومين الماضيين ونحن تحت الاحتلال والجرائم البشعة". ذلك الاحتلال الذي رآه محمود 27عاما منذ ان تشكل وعيه. قال محمود ل"الحياة": "انها أطول 50 ساعة في حياتي. كنت خلالها أعد الساعات والدقائق، بل الثواني". وفي وقت كان اطفال كثيرون يبحثون عن كتبهم ودفاترهم والعابهم البسيطة تحت الانقاض، وأباؤهم وامهاتهم يبحثون عن بقايا أدوات او اثاث او ملابس، كانت عفاف شعث 40 عاما تلح على هانسن صارخةً بالانكليزية: "انظر الى منزلي من فضلك. انظر الى منزلي من فضلك". نظر هانسن فلم يجد منزلا بل ركاما، وقال: "هذه فاجعة". وأضاف: "اعتقد ان ما جرى غير مبرر"، مشيراً الى ان "اونروا" ستقدم مساعدات عاجلة لكل عائلة متضررة تقدر بحوالى 500 دولار اميركي. هنا قال عجوز في الشوط الاخير من عمره بسخرية: "نحن نموت في رفح وهناك في رام الله يتشاجرون على الكراسي".