فاز الشريط البوسني "الحريق" للمخرج غوري فوترا بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي الثالث للفيلم في مراكش الذي اختتم دورته الثالثة اول من امس، وطغى عليها، للمرة الأولى، الاحتفاء بالسينما المغربية. وكرمت لجنة التحكيم برئاسة المخرج الألماني فولكر شولوندروف صاحب "طبل الصفيح" شابتين مغربيتين بجائزتين كبيرتين: الأولى جائزة السيناريو للمخرجة نرجس نجار عن "العيون الجافة"، وهو اختيار موفق لقوة نصها ودراميته المحكمة، ورد الجمهور بحماسة على دعوتها الملك محمد السادس الى دعم المخرجين الشباب ضد بيروقراطيي المكاتب. وحصدت الممثلة الشابة نجاة سليم جائزة أفضل ممثلة عن دورها في شريط "رجاء" للمخرج الفرنسي جاك دولون، وهو قصة حب عنيفة بين ثري فرنسي يسكن في مراكش، وصبية مغربية. وفيما يعاني الرجل من لوعة هواه، تمارس الفتاة التي تعمل لديه كوصيفة تجريحاً عاطفياً في سبيل ابتزازه مالياً، وهو ما تفلح فيه حتى اكتشافها ان حبه حقيقي، غير ان عرف هذا العشق الاستشراقي لن يطول. مشكلة فيلم دولون انه مفتعل ومن دون دراما وله ايقاع ثقيل ومشاهده لا تستكمل، اذ انصب جهده على تأكيد ان حب بطله فريديريك لرجاء مغلف بقدريه لا مناص منها. فيلم "الحريق" الذي فاز بالنجمة الذهبية عن جدارة، يحكي قصة حرب الاقصاء العنصري التي شهدتها البوسنة والهرسك، متخذاً من قرية تسناج موقعاً لعلاقات متوترة بين سكان قاطنين وآخرين وافدين بعدما هربوا من الحريق الكبير. وتستعد هذه القرية الجبلية بحمية لا مثيل في تاريخها اذ ان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قرر ان يتوقف فيها خلال زيارته الرسمية. ومع التصعيد الرسمي تتواجه شخصيات كثيرة وتتكشف اسرار وفضائح تمس جوهر الاخلاق والقيم التي دمرتها الحرب. جائزة الاخراج ذهبت، وكما في مهرجان البندقية الأخير الى المخرج والممثل الياباني تاكيشي كيتانو عن فيلم "زاتوشي" الذي يحكي قصة ساموراي أعمى يملك قوة غامضة في محاربة الاشقياء واللصوص، ومنها سعيه لمساعدة شابة وشقيقها في الاقتصاص من عصابة مجرمين اغتالت عائلتهما قبل عقد. امتلك هذا الشريط الباهر قدرة تهكمية عالية اختتمها كيتانو الذي ادى الدور الرئيس برقصة قديمة تقارب مثيلتها الارلندية المعروفة باسم "ريفردانس". اما جائزة لجنة التحكيم فذهبت ايضاً عن جدارة واستحقاق الى الشريط الأميركي "مراقب محطة القطارات" للمخرج توم ماكارثي وهو شريط مفارقات، محكم ومليء بالرقة حول قزم بالغ يعمل في متجر لبيع لعب القاطرات يرث مكتباً لمراقبة خطوط السكك الحديد يقع في قرية في نيوجرسي. لكن عزلته تخترق من شخصيتين: الأولى الرسامة التشكيلية التي فقدت حبيبها في حادث مأسوي وتعيش حرقة فقدانه، وترى في القزم فنبر ماكبريد بديلاً خيالياً، بسب حجمه، لعزيزها الذي مات، والثانية الشاب اللاتيني الأصل الذي يفرض صداقته عليه بسبب قرب موقع متجره الذي يبيع الساندويتشات والقهوة. شريط مكارثي يدور حول الصداقة والعرفان، ففنبر لا يحصد الصدود من الآخرين بسبب تشوهه، بل لأنهم لا يريدون مشاركته الحياة وقيمها في الشكل الانساني العام، فهو لا يختلف عنهم بتاتاً في شيء، سوى حكمته وصمته.