ثمة تقليد للصحف البريطانية قرب نهاية السنة هو أن تسأل أدباء وسياسيين ومشاهير ان يختاروا أفضل كتب قرأوها في السنة المنتهية. وأستطيع أن أقول بعد أسبوعين من جمع المختارات ان أكثر من مئة رجل وامرأة لم يتفقوا على كتب تفوقت بوضوح على غيرها، فقد كانت المختارات بعدد المختارين. وغلب موضوعان هما السيرة والتاريخ، فقد كانت هناك كتب سيرة عن صموئيل بيبس واللورد بايرون وانطوني بيرغيس وغيرهم. غير ان السنة انتهت وأكثر السير مبيعاً ليس لرئيس وزراء أو شاعر مشهور، وانما للاعب الكرة روي كين الذي اشتهر بمشكلاته داخل الملعب وخارجه، بقدر ما اشتهر لموهبته. أما كتب التاريخ فكان بينها اوسترليتز، والعصر الفيكتوري، وهوية انكلترا، مع بضعة عشر كتاباً آخر عن النازية والمحرقة. وكنت في الأشهر الماضية عرضت على القراء عدداً من الكتب التي صدرت نتيجة لارهاب 11 أيلول سبتمبر من السنة الماضية، فلا أعود اليها هنا، وانما اسجل "الجهاد: على أثر الإسلام السياسي" من تأليف جايلز كيبل، فالجهد في جمع المعلومات هائل، مع اعتراضي شخصياً على التحليل والاستنتاج. وأعترف هنا بأن عدد الكتب المتوافرة غلبني، فقد كنت أتمنى أن أقرأ ضعفَيْ ما فعلت أو أكثر، غير ان السنة انتهت وبين يدي كتب طلبتها، ولم أجد الوقت بعد لقراءتها مثل "فضيحة: التاريخ النابي للثرثرة" من تأليف روجر ويلكيز، و"فضائح جنسية كبرى: أربعة آلاف سنة من الفحش" من تأليف سوزان كروسلاند، فمثل هذه الكتب يخفف من وطأة كتب أخرى من نوع "الفضلاء: تاريخ أبطال المحرقة المجهولين" من تأليف مارتن غيلبرت، فهو كتاب لم أقرأ منه سوى عنوانه. وهناك كتاب طلبته ولم يصل بعد هو "فلسطين"، من تأليف جو ساكو وقد كتب مقدمته ادوارد سعيد. وسأقرأ بالتأكيد كتاب "البحث عن فاطمة: قصة فلسطينية" من تأليف الصديقة العزيزة غادة الكرمي، وهو كتاب استقبله النقاد الانكليز بالترحيب. بالنسبة إليّ كانت مفاجأة السنة كتاب جديد مختصر بالانكليزية عن رحلات ابن بطوطة. وبما انني قرأت الكتاب بالعربية فلن أقرأه بالانكليزية، غير انني قرأت عرضاً لناقد يمتدح الرحلات، كما نتوقع، ثم فوجئت بناقد آخر يهاجم صاحبها بعنف ويكيل له التهم، ويركز على اساءته معاملة عبيده، وشراء العبيد والجواري، ثم التخلي عنهم بعد الابتعاد بهم عن أهلهم. وربما لاحظ القارئ انني لا أزال أتحدث عن كتب بالانكليزية، غير أنني قبل أن أكمل بما قرأت من كتب بالعربية أريد أن أسجل ان أفضل الكتب مبيعاً ليس أفضلها بالتأكيد، بالعربية أو بالانكليزية. والسنة انتهت وأكثر الكتب مبيعاً في انكلترا هي كتاب عن الثياب التي لا يجوز ارتداؤها كتبته مقدمتا برنامج تلفزيوني عن الموضوع، وكتاب طبخ، وكتاب غينس للأرقام القياسية، مع سيرة روي كين، ومع هذه كلها كتاب بن شوت الذي جمع معلومات متفرقة وكتبت عنه قبل أسبوع. وجدت في القائمة الانكليزية بعض العزاء بعد ان اكتشفت ان أكثر الكتب مبيعاً بالعربية سنة 2002 كان كتاب "الخديعة الكبرى" المترجم عن الفرنسية، وهو من تأليف تيري ميسان "المؤامراتي" بامتياز الذي يزعم ان الأميركيين فجروا برجي مركز التجارة العالمية لتبرير سياستهم، وقد أسفر نجاح هذا الكتاب عن طلوع ميسان بثلاثة كتب أخرى لا بد من أنها ستترجم بسرعة الى العربية، وتباع كالكعك الساخن. وربما كان سبب رواج "الخديعة الكبرى" انه معادٍ للولايات المتحدة، وان العرب بإقبالهم عليه يمارسون نوعاً من الانكار، فهم لا يتصورون ان عرباً ومسلمين مثلهم يمكن ان يرتكبوا مثل تلك الجريمة. على مستوى أفضل وأخطر، كان هناك كتاب بالانكليزية للسوري عمار عبدالحميد تناول فيه مواضيع محرَّمة من جنس واستخبارات ودين في شكل تصادمي. ولا أتصور ان هذا الكتاب سيباع في البلدان العربية. ووضعته بين مختاراتي العربية لأن مواضيعه عربية خالصة. القارئ العربي ربما كان لا يزال ينتظر رواية جديدة من أحلام مستغانمي في مستوى "ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس"، الا انه في غضون ذلك يستطيع ان يتمتع بقراءة روايتين جميلتين، الأولى "روح الذاكرة" لتركي الحمد عن امرأة سعودية تواجه مشكلات نفسية تدور حول أسرتها وزواجها وغير ذلك. والثاني "رجل جاء وذهب" للدكتور غازي القصيبي، وهذه تكمل "رواية حب" وتجمع بين رومانسية خفيفة أحياناً، الا انها حزينة في الغالب وفي العمق. القارئ يستطيع أن يختار، إلا انني أقرأ مغلّباً العمل على خياراتي الشخصية، لذلك فأنا أقدم على الرواية أو الشعر كتباً سياسية أحتاج اليها، على رغم انها مزعجة أو كاذبة. ومن هذه الكتب "دور الكنيسة الكاثوليكية في المحرقة: واجب الإصلاح الذي لم ينفذ" من تأليف دانيال جونا غولدهاغن، وهو يتهم الكنيسة الكاثوليكية هذه المرة بالتقصير في انقاذ اليهود، بعد أن كان في كتاب سابق له اتهم الألمان كلهم بأنهم كانوا جلادين طيعين في يدي هتلر. ولعله المرة المقبلة يحمل العرب أو المسلمين المسؤولية. لو خيرت لاخترت ألا أقرأ شيئاً من هذا، وانما أجلس بانتظار رواية جديدة من أحلام مستغانمي.