الرئيس بوش أقنع ثلثي الأميركيين بحجته ضد العراق، إلا أنه لم يقنعني، فعراق صدام حسين لا يمثل خطراً يبرر الحرب، والنظام في بغداد لا تربطه أية علاقة بالقاعدة. في سنة 1962 عرض المندوب الأميركي الى الأممالمتحدة صوراً التقطتها أقمار التجسس للصواريخ الروسية وقواعدها واقتنع العالم، ولكن بعد 40 سنة من التقدم التكنولوجي الهائل لم تقدم الولاياتالمتحدة بعد صوراً مماثلة، مع انها أصبحت تستطيع ان تعرف ما في داخل مبنى أو صندوق بدل الاكتفاء بالشكل الخارجي. على كل حال، وزير الخارجية كولن باول وعد بأن يقدم الى الأممالمتحدة خلال أيام أدلة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، فننتظر لنرى، مع أنني أزيد عن نفسي فقط أنني لا أرى امتلاك أسلحة الدمار الشامل سبباً كافياً لحرب على العراق، فالخطر علينا كعرب هو من اسرائيل التي يقودها مجرم حرب معروف حوله عصابة من القتلة مثله. غير أنني أكتب هذا وأعرف ان هناك قرارات دولية ضد العراق، كان آخرها القرار 1441، وليست هناك قرارات بهذا المعنى ضد اسرائيل، مع انها تهدد جيرانها وتقودها حكومة تقتل النساء والأطفال، ثم تستعمل الولاياتالمتحدة الفيتو في مجلس الأمن لحمايتها. لا أريد اليوم أن أضيع زاوية أخرى في جريدة للتعليق على بوش وخطابه، فقد قيل فيه كل ما يمكن ان يقال، بكل لغات الأرض، ولكن أزيد شيئاً عن سبب للقلق لا يحظى باهتمام كافٍ في المواجهة الحالية على رغم كل ما نقرأ أو نسمع عن "اليوم التالي"، أو ما سيحدث بعد اطاحة صدام حسين. الولاياتالمتحدة، أو العالم كله، يدفع اليوم ثمناً متأخراً للحرب الباردة، وتحديداً للمواجهة بين الغرب والاتحاد السوفياتي. الولاياتالمتحدة تعاملت على مدى نصف قرن أو أكثر مع جماعات اسلامية ومنظمات كرد على الشيوعية الملحدة، وفي حين ان تمرد عمال بولندا دق المسمار الأول في نعش الشيوعية، فإن غزو أفغانستان دق المسمار الأخير. إلا أن دعم المجاهدين في أفغانستان أطلق قوى لم تقدر الولاياتالمتحدة حجمها أو خطرها حتى كان ارهاب 11 أيلول سبتمبر 2001. وفي حين ندين الارهاب والارهابيين فإن الموضوعية التاريخية تقضي أن نقول ان الولاياتالمتحدة جنت على نفسها مع الجناة، فهي بعد اندحار السوفيات في أفغانستان، وسقوط الشيوعية في العالم، انسحبت بدورها من بلد مدمر فقير وتركته أرضاً خصبة للارهاب الذي ترعرع بسرعة ونما وانتشر. ولا عذر للولايات المتحدة في حل المشكلة بأسوأ منها، فهي قبل سنوات تخلت عن شاه ايران فخلفه نظام معادٍ لها يمثل كل ما تعارض أو تقاوم حول العالم. وفي حين أن النظام الإسلامي في ايران يناسبني والقارئ، فإنه لا يناسب المصالح الأميركية، ومع ذلك فالولاياتالمتحدة التي أدركت خطأها في ايران متأخراً عادت لترتكب أسوأ منه في أفغانستان. بل انها ارتكبت خطأ مزدوجاً في ايران، فهي بعد أن سقط الشاه، وبقي الديبلوماسيون الأميركيون محتجزين داخل سفارتهم في طهران 444 يوماً، وأدركت واشنطن انها تواجه عدواً في الجمهورية الإسلامية، ألقت بثقلها وراء صدام حسين في حرب الخليج الأولى، ومرة أخرى حلّت المشكلة بأسوأ منها. صدام خرج من الحرب مع ايران منتصراً ومفلساً، وبما انه اعتبر نفسه شرطي أميركا المعيّن في الخليج، فهو هاجم الكويت وضمها لحل مشكلاته المالية، وكانت النتيجة حرب الخليج الثانية التي لم تحسم، لذلك نواجه اليوم خطر حرب ثالثة. هل تحل مشكلة صدام حسين بأسوأ منها؟ أدعو ان يختفي صدام حسين وأن يخلفه نظام ديموقراطي في العراق لشعبه كله، الا انني أعرف ان هذا لن يحصل، كما أعرف ان نسبة نجاح الولاياتالمتحدة عبر التاريخ في تحويل نصر عسكري الى حكم ديموقراطي في الدولة المهزومة لا تتجاوز 30 في المئة، ولا سبب منطقياً يجعلنا نتوقع ان يكون العراق ضمن هذه النسبة لأن وضعه أصعب وأكثر تعقيداً بكثير من دول أخرى فشلت الولاياتالمتحدة في تحويلها الى الديموقراطية. ولكن لماذا الحرب على العراق أصلاً؟ عندما كان صدام حسين في أوج قوته العسكرية خسر الحرب البرية سنة 1991 في مئة ساعة، ودمر أكثر جيشه وحوصر بلده وعوقب منذ ذلك الحين. ويستحيل منطقياً أن يستعمل صدام حسين أسلحة دمار شامل لأن نظامه سيدمر حتماً وفوراً، لذلك فالاحتمال الوحيد لاستعماله هذه الأسلحة هو ان يدرك انه سيقتل فيحاول هدم الهيكل على رؤوس الجميع. أقول ان الولاياتالمتحدة تواجه خطر ان تحل المشكلة بأسوأ منها، كما فعلت مرات كثيرة في السابق. وأزيد انها حرب اسرائيل وأنصارها ضد العراق، مع سبب فرعي هو تحويل الأنظار عن الاقتصاد الأميركي، ففي الأربع والعشرين ساعة التي تلت الخطاب كانت هناك استفتاءات كثيرة للرأي العام الأميركي، ووجدت في أحدها ان 81 في المئة من الأميركيين يقولون ان وضعهم الاقتصادي أسوأ من السنة ألفين، مقابل 14 في المئة فقط يقولون ان وضعهم تحسن خمسة في المئة من دون تغيير، ولكن إذا لم تسر الحرب كما يريد الرئيس، أو إذا طالت، فقد يقوم وضع اقتصادي هذه المرة، تحل فيه المشكلة بأسوأ منها.