ها انت تدخل الى بريدك الالكتروني على الانترنت، وتشرع في تلقي الرسائل. هل يدهشك عددها الكبير ام يربكك انها تصل من جهات لا تعرفها ولم تتصل بها؟ هل يضايقك ذلك السيل من رسائل الاعلانات التي تصل من دون توقع، ومن دون فائدة في معظم الاحيان؟ وتبحث بصعوبة عن الرسائل التي "تخصك" فعلياً، اي تلك التي ارسلتها جهات تعرفها. ويأخذ تصفح البريد وقتاً اطول مما يجب. تلك هي ظاهرة "سبام"، Spam. وهي لفظة انكليزية استخدمها جمهور الانترنت في وصف وصول عشرات الرسائل التي لا يطلبوها، ومع ذلك فانها تغرق بريده الالكتروني. وتترجم الى العربية احياناً ب"البريد المتطفل". منذ ان شاعت الانترنت، يعرف اختصاصيوها ان البريد الالكتروني هو اكثر ما يهتم به جمهور الشبكة الالكترونية في العالم. ففي طليعة ما يطلبه الزبون من مزود خدمة الانترنت هو خدمة البريد الالكتروني، مع عنوان "اي مايل" e-mail، وهي كلمة شاعت وراجت بسرعة في معظم انحاء العالم. وتتعرف الاعين الى @ باعتبارها رمزاً للبريد الالكتروني، بل وللانترنت كلها. ومع السيول المزعجة من رسائل "سبام"، يبدو ان ثمة من يريد ان يفسد على جمهور الانترنت متعته في بعض افضل ما تقدمه الانترنت راهناً. ولأنها تصل الى البريد الشخصي من دون طلب ولا إذن، يرى دعاة حماية الحريات الشخصية في "البريد المتطفل" اعتداء على الخصوصية الفردية لمستخدمي الشبكة الالكترونية. "سبام": مجرد مشاغبة... وتمثل رسائل "سبام"، مثل كثير من نشاطات المشاغبة على الانترنت، ظاهرة ليست بسيطة على رغم كل الخفة التي تتمتع بها. وهي من صنع متمرسين في شؤون الشبكة الدولية للكومبيوتر. وهنالك نوعان من رسائل "سبام". يسمى الاول "يوز نيت سبام" UseNet Spam، ويتلخص في ارسال نسخ عدة من رسالة واحدة الى مجموعة كبيرة من الاشخاص. وهو اسلوب يلجأ اليه بعض المجموعات النشطة على الشبكة بهدف الترويج لافكار، او ترتيب تظاهرات، او الحض على المقاطعة او الاعلان عن كتب و ما الى ذلك. وثمة نوع ثانٍ يسمى "اي مايل سبام" Email Spam . ويرتكز الى نشاط اكثر تطوراً من الناحية التقنية، حيث يدأب البعض على مسح الانترنت باستمرار من اجل الحصول على العناوين الالكترونية الجديدة، ثم يدخلون الى كل واحد منها، ويستولون على دفتر العناوين فيه. وبعد تجيمع آلاف وآلاف الدفاتر، يمطر كل منها بالرسائل، خصوصاً الاعلانات التجارية. وتستعمل هذه الوسيلة في ترويج المعلومات الزائفة والاشاعات واعلانات النصب والاحتيال وما الى ذلك. وتتداخل ظاهرة "سبام" مع ظواهر اخرى مثل فيروسات الكومبيوتر، التي يعمل بعضها باسلوب "سبام". وقبل فترة وجيزة، عقد مؤتمر متخصص لمكافحة ظاهرة "البريد المتطفل"، اشرف عليه معهد ماساشوتستس للتكنولوجيا. ولاحظ المجتمعون ان السوق ملأى ببرامج مكافحة "سبام"، لكنها لا تنجح في كبح هذه الظاهرة. ويدل الامر ايضاً الى تمكن صناع "البريد المتطفل" من تكنولوجيا المعلوماتية. رسائل ببلايين الدولارات! ولاحظ المؤتمرون ان رسائل "سبام" نمت بنسبة ثمانية في المئة خلال العام 2002. ومن المهم ملاحظة ان نشر رسائل "البريد المتطفل" لا يستغرق وقتاً طويلاً، لكنها تأخذ من وقت استعمال الانترنت لدى كل من تصله. وبيَّن وليام يارازيونيس، وهو باحث من شركة "ميتسوبيشي" اليابانية، ان ارسال ثمانية ملايين رسالة متطفلة، مثلاً، لا يكلف اكثر من مئتي وخمسين دولاراً، لكن هذه الرسائل تكلف المستخدمين ما يزيد على ثلاثة آلاف دولار، كوقت ضائع في تلقيها. وقدر أن "البريد المتطفل" يكلف الولاياتالمتحدة نحو تسعة بلايين دولار في السنة. وتبلغ الكلفة نفسها 5،2 بليون دولار في دول السوق الاوروبية المشتركة. وعرض يارازيونيس برنامجاً متطوراً لمكافحة "سبام"، هو "سي ار ام 114" CRM 114. وادعى انه "فعال بنسبة 99 في المئة". والحال ان ادعائه لم يقابل بتصديق واسع من المؤتمرين! ففي السنوات الماضية، ظهر الكثير من البرامج لمكافحة "البريد المتطفل"، ولكن صناع هذه الرسائل استطاعوا دائماً "هزيمة" تلك البرامج. ويذكر الامر بما يحصل في مجال برامج مكافحة الفيروسات. والحال ان البعض يشك في ان يد الشركات تقف وراء كل هذه الامور. وبالنسبة الى هؤلاء، فإن كل فيروس جديد هو "مقدمة" لشراء برامج جديدة مضادة للفيروسات، واستبدال "القديم" منها. ولولا تجدد الفيروسات لما اقتضى الامر تجديد تلك البرامج! وربما ان امراً مشابهاً يحصل على صعيد البريد الالكتروني. واياً كانت التفسيرات، فإن مؤتمر ماساشوستس عن ظاهرة بريد "سبام" لم يصل الى اي حل محدد وبدا شبه بائس. وفي المقابل، يرى بعض الاختصاصيين في شؤون المعلوماتية ان ظواهر مثل الفيروسات الالكترونية والهاكرز وبريد "سبام"، هي ظواهر لها ابعاد اجتماعية ونفسية وثقافية، وتشبه حركات الاحتجاج والتمرد لدى الاجيال الشابة. وهكذا، فإن هذا الامر يتعدى قدرة شركات المعلوماتية. ويذكر هذا برأي الرئيس الاميركي الاسبق ادوايت ايزنهاور. فهذا الجنرال اشتهر بعبارة تقول "ان شأن الحرب لا يجب ان يترك للعسكر وحدهم". هل ان شؤون المعلوماتية ومشكلاتها باتت تستلزم اسهاماً اضافياً من خارج الحقل التقني، اي من علماء الاجتماع والمثقفين والمفكرين وغيرهم؟ [email protected]