بدا واضحاً امس ان الظروف ليست ناضجة بعد لخروج حوار الفصائل الفلسطينية بمبادرة تشكل تغييراً في نهج بعضها ما دفع المشاركين الى الاكتفاء بصيغة تضمن انقاذ مبدأ الحوار والاستعداد للمبادرة لاحقاً وترضي مصر التي ستكون نتائج الجولة الحالية "وديعة" لديها. وتتجه الفصائل الفلسطينية التي تحاورت في القاهرة لمدة ثلاثة أيام الى الاعلان اليوم عن اتفاق "لا يتضمن تنازلات عن ثوابت"، وان كان "يرضي الاطراف المشاركة بما فيها الجانب المصري"، وألقت الاحداث التي وقعت امس في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة بظلالها على الاجتماعات التي جرت طوال امس في فيلا تقع في المنطقة الصحراوية قرب الاهرامات في العاصمة المصرية، لكن الرغبة المصرية والحرص الفلسطيني على ضرورة انجاز "شيء ما" طغيا على الجميع. واستمع المشاركون الى نص رسالة من الامين العام ل"الجبهة الشعبية" السيد أحمد سعدات تلاها عليهم رئيس وفد الجبهة الدكتور ماهر الطاهر بعدما اشار الى أن سعدات املاها عليه عبر الهاتف وجه فيها إليهم التحية، واشار الى أن وجوده في سجن اريحا منعه من المشاركة في الحوار، وأشاد سعدات بدور مصر "التي قدمت كل غالٍ ونفيس من أجل فلسطين"، وناشد المشاركين في الحوار "التوصل الى اتفاق سياسي شامل بين جميع الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية" لافتاً الى أن أنظار الشعب الفلسطيني والأمة العربية والاسلامية "تتجه الى الحوار آملة تحقيق الوحدة الفلسطينية الشاملة ... وبلورة برنامج سياسي مشترك وتشكيل قيادة وطنية موحدة داخل الاراضي المحتلة وخارجها لمواصلة الكفاح والانتفاضة والمقاومة ودحر الاحتلال وضمان حق العودة لابناء فلسطين الذين هجروا من اراضيهم وديارهم العام 1948". وأفادت مصادر مقربة من الاجتماعات أن قضية سعدات احتلت جزءاً كبيراً من النقاش وأن كل الفصائل رأت ضرورة اطلاقه بما فيها "فتح"، الا ان وجهة نظر السلطة تركزت على أن سعدات مستهدف من الاسرائيليين وان اطلاقه يمثل خطورة على حياته. وحاول المشاركون التوصل الى صياغة مرنة للاتفاق وصفها احدهم بأنها ستكون على شكل "تسوية منتصف الطريق"، بمعنى خلو البيان من إعلان واضح وصريح لوقف العمليات أو القبول بهدنة على أن تستخدم الفاظاً لا يفهم منها أن الحوار "وصل الى نتيجة فاشلة". وكشفت المصادر أن المشاركين "سيوكلون الى الجانب المصري الحصول على وعد شفهي من جانب الاسرائيليين بوقف عمليات الاغتيال واستهداف المدن الفلسطينية واعتقال الناشطين من قادة المنظمات الفلسطينية وأعضائها، الى جانب محاولة الحصول على ضمانات اميركية لتفعيل الاتفاق"، وشبهت المصادر صيغة الاتفاق المعلن والتفاهمات الضمنية بأنها تشبه "وديعة رابين"، الخاصة بسورية، على أن تتولى مصر متابعة نتيجة الاتفاق مع الاسرائيليين والاميركيين وأن تكون وديعة الفصائل الفلسطينية لدى مصر. وفي شأن مسألة تشكيل قيادة موحدة فإن "فتح" لم تعترض لكن ممثليها رأوا أن تكون تلك القيادة "مجرد مرجعية لكل الفصائل بحيث تتولى وضع استراتيجيات عامة لإدارة الصراع كمرجعية عليا"، ولاقت تلك الصيغة قبولا لدى الفصائل التي تدخل في خانة الحركات المتشددة التي يحرجها الدخول مباشرة في منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل وغيرت ميثاقها وفي الوقت نفسه تجعل تلك الحركات مشاركة بشكل أو بآخر في القرار الاستراتيجي الفلسطيني. ووصف أحد من المشاركين صيغة الاتفاق المتوقع بأنها "قواسم مشتركة"، موضحاً أن غالبية الفصائل حصلت على ما تتمناه من الحوار من دون ان تخسر ما يؤثر على صورتها العامة، وقال "المهم أن الفصائل وصلت الى صيغة مشتركة حتى لو كانت رمادية اللون".