غلب الهدوء على الجلسة النيابية التشريعية العامة التي عقدت أمس برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومشاركة الحكومة ورئيسها رفيق الحريري لمناقشة مشروع الموازنة وإقراره. وغابت عنها اجواء السجال الناري الدائر بين وزير الاتصالات جان لوي قرداحي ونواب كتلة الحريري على خلفية ملف الهاتف الخلوي وعائداته. وركزت مداخلات النواب في الفترة الصباحية على انتقاد سياسة الحكومة الضريبية والمالية والخصخصة. ويتوقع ان تمتد الجلسات الى الاثنين المقبل، كما يتوقع ان تشهد سخونة في بعض مراحلها، علماً ان عدد النواب طالبي الكلام فاق الخمسين. بدأت الجلسة الصباحية بتلاوة النائب فايز غصن تقرير لجنة المال والموازنة التي كانت استمعت الى شروحات وزير المال فؤاد السنيورة عن السياسة المالية والاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة في الموازنة والتي ترتكز الى جملة اجراءات تهدف الى تحقيق خفض حجم الانفاق الجاري، وخفض كلفة الدين العام الى حدود 4 آلاف بليون ليرة والاعتماد على المصادر المالية التي تتيحها القروض ومتابعة الجهد في تعزيز الايرادات. ولاحظ التقرير ان نتائج مؤتمر "باريس - 2" شكلت محطة مهمة على طريق التصدي للأزمة المالية العامة في لبنان وانعكست ايجاباً على الاسواق المالية والنقدية وأدت الى مبادرة القطاع المصرفي للاكتتاب بسندات خزينة من دون فائدة لمدة سنتين بحدود 4 بليون دولار. وقومت اللجنة اداء الادارات والمؤسسات العامة لكنها لم تتلق اجوبة صريحة عن الكثير من التساؤلات والاستفسارات عن سياسة الحكومة في القطاع الزراعي وتقارير مدققي حسابات المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، وما هو دور وزارة الاشغال في عملية الانماء والاعمار وأين اصبح مشروع قانون تسوية مخالفات الاملاك البحرية ومتى يحال الى المجلس النيابي لدرسه وإقراره. ثم تلا وزير المال تقريراً عن فذلكة الموازنة أكد فيه ان "موازنة العام الجاري مكملة في سياساتها وإجراءاتها لما أقر في موازنة العام الماضي من اجراءات وإصلاحات". وقال: "ان الحكومة نجحت في تحقيق الأهداف المتوخاة منها وأنجزت ما التزمت به". وتحدث عن تحقيق نمو اقتصادي يفوق وفق اكثر التقديرات تحفظاً نسبة 2 في المئة في العام 2002 وانقلب حال ميزان المدفوعات عن عجز بحدود 1200 مليون دولار في العام 2001 الى فائض بحدود 1500 مليون دولار في نهاية العام الماضي. وقال: "ان ما نصبو اليه هو ان تشكل هذه الموازنة قاطرة للاصلاح الاقتصادي والمالي، والتي قد تحتاج الى مزيد من التضحيات والتضامن وزيادة هامش التحرك في الموازنة لجهة تفعيل أكبر لادارة السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يرسخ الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي". وقال: "إننا سائرون نحو المزيد من العدالة الضريبية من طريق الاتجاه الى اعتماد الضريبة الموحدة على الدخل المحقق في لبنان". وفي مداخلات النواب سأل النائب عباس هاشم: "أي نمو هذا النمو القائم على الضرائب والرسوم؟". وطالب وزير المال بلائحة توضح كل الحسابات الواردة في الموازنة. وأعلن عن حجبه الثقة بالموازنة. ولاحظ النائب نسيب لحود ثلاث ايجابيات تتعلق باطلاق عملية هيكلة الدين العام بالحوار والتفاوض مع المصارف والتخلي عن مواد مجحفة في الموازنة واتخاذ خطوة نوعية على طريق الاصلاح الضريبي وهي الضريبة على فوائد الودائع اضافة الى مؤتمر "باريس - 2" الذي يبقى عقده علامة اهتمام دولي خاص بلبنان. وأمل ان تكون هذه الايجابيات قد أملاها قرار شجاع بالتخلي عن المكابرة وبدء الاصغاء الى الآخرين موالين ومعارضين. ودعا الى وقف دولرة ديون لبنان. ورأى ان اعطاء الحكومة صلاحيات استقراض جديدة يشرع الأبواب امام وصول الديون بالعملات الاجنبية الى ما يزيد على ال23 بليون دولار، واعتبر ان "الدولة تحولت الى ماكينة ضخمة للاستدانة ولفرض الضرائب والقانون الأسمى الذي يحكم عملها هو قانون الانفاق والاثراء والهدر والاستدانة والمحاصصة وصرف النفوذ". وقال: "نحن وغيرنا في المعارضة على أتم استعداد للتلاقي والتحاور واتخاذ خطوات متبادلة لبناء الثقة بين السلطة والمعارضة مقابل قيام السلطة بخطوات للتراجع عن انتهاكاتها بحق الحرية والديموقراطية". ورأى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد ان "مسؤولية لبنان تفرض التعاطي مع المستجدات والوقائع بقدر عالٍ من التصرف بموضوعية وحرص بعيداً من المزايدة وتصفية الحسابات الخاصة على حساب مصلحة البلاد". ورأى "ان نجاح لبنان الذي يرزح تحت عبء دين ثقيل ويخوض معركة استنهاض لوضعه يقتضي وضوحاً وصراحة وترفعاً من المعنيين في السلطة عن كل مصلحة خاصة والتزاماً صارماً بالقوانين". واعتبر انه ينبغي ان "نتعاطى مع ما انجزته الحكومة في باريس - 2 على اساس انه تأجيل لاستحقاق اقتصادي خطر كاد يسقط البلاد لا على انه الحل الذي نستطيع معه ان نطمئن الى المستقبل ونعود الى المماحكات المألوفة في سياستنا المعتادة". ودعا من اجل خفض حجم الدين الى "اجراء اصلاح حقيقي للادارة وإقفال كل مزاريب الهدر للنفقات وضبط اللصوصية التي يتعرض لها المال العام ثم تنشيط الاقتصاد". ورأى ان "اجراءات الخصخصة والتسنيد التي اعتمدتها الحكومة للتصحيح المالي ستطيح بممتلكات الدولة ما لم تترافق مع جدية صارمة في تحقيق الاصلاح في الادارة وضبط الانفاق العام". وتحدث عن فضائح في ملف الخلوي وقال: "إن ما حصل في هذا الموضوع تجربة غير مشجعة ولا توحي بالثقة". وأعلن ان الكتلة تصوت ضد الموازنة. وفي الجلسة المسائية حمل النائب نقولا فتوش بعنف على سياسة الحكومة على الصعد كافة وأعلن حجبه الثقة عن الموازنة.