اللافت أن المملكة العربية السعودية، بعدما استأنفت علاقاتها الديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي، افتتحت سفارتها في الثاني من كانون الثاني يناير 1992 في بلاد أخرى هي روسيا التي اعتبرت نفسها وريثة شرعية للدولة السوفياتية المجزأة. وبحسب الظاهر لم يتغير شيء. إذ ظل الخلط بين روسيا الجديدة والاتحاد السوفياتي على الصعيد العالمي سارياً لبعض الوقت بالاستمرارية. لكن سرعان ما اتضح أن الوراثة الشرعية التي أعلنتها روسيا على الملأ لا تنسحب إلى أبعد من التزامات الديون الخارجية. وفي ما عدا ذلك، في السياسة الداخلية والاقتصاد وفي ميدان العلاقات الدولية، لا تنوي روسيا ولا تستطيع أن ترث بلاداً كان زعيمها قبل عقود من السنين يقرع بالحذاء على الطاولة في مقر الأممالمتحدة. وكان فقدان موسكو مكانتها الجيوسياسية السابقة أدى، كنتيجة حتمية، إلى إعادة النظر في مبدأ الأمن الذي انكمشت فيه التحديات الخارجية وانسحبت إلى مرتبة خلفية، فاسحة المجال للمخاطر الداخلية التي تهدد البلاد في شكل نزاعات قومية ودينية ونزعات انفصالية إقليمية وتفشي الإجرام في المجتمع على نحو كارثي. ولم تعد روسيا تعتبر دولة عالمية في أنظار منافسيها وزبائنها السابقين. وإلى ذلك تعمدت هي الظهور بمظهر دولة إقليمية لا شأن لها بعدما شطبت من قائمة أولويات سياستها الخارجية اتجاهات كانت مهمة لها من زمن ما، من عهد الإمبراطورية الروسية، مثل اتجاهي الشرقين الأدنى والأوسط. وأثار انسحاب روسيا من الميادين التقليدية للمواجهة مع الولاياتالمتحدة والغرب خيبة أمل في الأقطار العربية اختلطت أحياناً بالمرارة والأسف وحتى اليقين الساذج بأن أزمة هذه الدولة الكبرى التي كانت قبل حين تشكل أحد قطبي العالم الثنائي إنما تتسم بطابع وقتي ولن تدوم طويلاً. والغريب أن الفراغ الذي خلفه في العالم سقوط الاتحاد السوفياتي تلمسه الشارع العربي بحدة ولم يقتصر على الجناح اليساري من حركات التحرر الوطني العربية، بل أسف له أيضاً ممثلو الصفوة السياسية ممن كرسوا جهود عشرات السنين لمكافحة الشيوعية بلا هوادة. ولم تكن المملكة العربية السعودية من هذه الناحية استثناء عن القاعدة. إذ كان لدى جزء من المجتمع، ولربما لدى بعض كبار السياسيين، شعور بأن العيش في عالم ذي قطبين أسلم من الواقع الآحادي الذي نشأ من دون بديل في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي وإضعاف روسيا التي لم يعد البعض، كما يقول الباحث الأميركي مارك كاتس، يعتبرها بلاداً ذات شأن يذكر. ونتيجة تبدل الظروف والملابسات في روسيا وما حولها وبسبب خيبة الأمل في عدم تحقق توقعات الطرفين لم يسفر استئناف العلاقات الديبلوماسية في حد ذاته عن تطور حركي فاعل في العلاقات الثنائية التجارية والاقتصادية والثقافية. وشهدت المرحلة الأولى من العلاقات السعودية الروسية ركوداً لم تعكر "صفوه" إلا زيارة مقررة يقوم بها مسؤول كبير أو حلول موسم الحج الذي يتوجه فيه إلى المملكة من روسيا عدد من الحجاج يتزايد عاماً بعد عام. وكانت زيارة رئيس الوزراء الروسي الأسبق فيكتور تشيرنوميردين إلى المملكة في تشرين الثاني نوفمبر 1994 وتوقيعه اتفاق إطار واتفاقه على تشكيل اللجنة الثنائية للتعاون الاقتصادي أوجدت لدى أوساط رجال الأعمال في كلتا الدولتين ولبعض الوقت توقعات متفائلة جديدة، إلا أن اقتحام القوات الروسية أراضي الشيشان في كانون الأول ديسمبر من العام نفسه أدى إلى برود ملحوظ في العلاقات بين موسكووالرياض وأرجأ تنفيذ تلك المشاريع الطموحة إلى أجل غير مسمى. وباتت الحرب الشيشانية التي استمرت من كانون الأول 1994 حتى آب أغسطس 1966 محكاً وامتحاناً جدياً للعلاقات الروسية - السعودية. وعلى رغم أن النزاع لم يقم أساساً على عوامل دينية، بل على التنافس من حيث الجوهر بين الصفوة الشيشانية المحلية والصفوة الروسية المركزية من أجل الهيمنة على الموارد النفطية في منطقة القوقاز الشمالي، فإن التفاف قسم كبير من السكان الشيشانيين المسلمين حول الطوائف القبلية المحلية ذات الميول الانفصالية اعتبر مظهراً للتضامن الإسلامي الصرف، وهو أمر بدا أشبه بالحقيقة وأقرب إلى الواقع نظراً لتجذر الإسلام تاريخياً في ذهنية الشيشانيين وشخصيتهم القومية. وكانت طبيعة الحرب القاسية والوحشية من دون هوادة، وكذلك العنف والقساوة غير المبررة التي مارستها القوات الروسية أحياناً ضد السكان المسالمين أثارت منذ البداية موجة احتجاجات من جانب دعاة حقوق الإنسان في روسيا والغرب وهزت مشاعر التضامن الإسلامي والتعاطف مع الشيشانيين في جميع أقطار العالم الإسلامي، ومنها بالطبع المملكة العربية السعودية. وعلى رغم تصريحات الحكومة السعودية المتكررة التي تعتبر النزاع الشيشاني قضية داخلية تخص روسيا فإن مشاعر الشارع السعودي متعاطفة بالمطلق مع الشيشانيين، وهذا في حد ذاته كان لا بد أن يترك أثراً سلبياً في العلاقات. ومن جهة أخرى أخذت الصحف الروسية تنشر في سياق الحرب كتابات تقول إن للجمعيات الخيرية السعودية ضلعاً في تمويل المقاتلين الشيشانيين وتدريبهم، خصوصاً في أراضي أفغانستان. وتعمد الصحافيون الروس عن قصد ومن دون قصد إلى توجيه الاتهامات إلى المملكة، وهي للمناسبة قلما تكون معززة بوقائع وحجج مقنعة، بل اتسمت بطابع اعتباطي وعشوائي ولم تتحول حملات إعلامية منتظمة ومستمرة، ما يدل بصورة غير مباشرة على عدم رغبة السلطات الروسية في إطلاق العنان للتخرصات وتفجير المشاعر إلى رجة تتجاوز الحد الذي يغدو فيه تدهور العلاقات الثنائية أمراً لا رجعة فيه ولا تحمد عقباه. ووضع اتفاق خسافيورت الذي وقعه في نهاية آب 1996 الجنرال الروسي ألكسندر ليبيد مع الزعيم الشيشاني أصلان مسخادوف حداً للحرب الدموية في شمال القوقاز. وفي أعقابها أخذ الخط البياني للعلاقات الروسية - السعودية يرتفع ببطء بعدما كان هبط إلى درجة الصفر. إلا أن البرود في العلاقات لوحظ من جديد في نهاية التسعينات. وهو برود يعود كما في الماضي غير البعيد، إلى الأحداث المأسوية في الشيشان. وخلافاً للحملة العسكرية الشيشانية الأولى التي ادعت السلطات الروسية أنها أقدمت عليها لإخماد تمرد الانفصاليين على النظام الدستوري في البلاد، صورت تلك السلطات للرأي العام زحف فصائل المقاتلين الشيشانيين على الجارة داغستان في آب 1999 على أنه عملية إرهابية خططت لها ودعمتها جماعات اسلامية متطرفة من خارج روسيا. وقيل إن الهدف الأول للإسلاميين المتطرفين هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية في أراضي روسيا. وفي المرحلة الأولى من الحرب الشيشانية الثانية تقبلت كل شرائح المجتمع الروسي تقريباً نظرية "مكافحة الإرهاب الدولي" التي تقدم بها الرئيس فلاديمير بوتين قبل عامين من تطبيقها على يد الإدارة الأميركية. وازداد تأييد المجتمع الروسي لتلك النظرية مراراً عقب تفجير العمارات السكنية في موسكو خريف العام 2000 الذي وجهت السلطات أصابع الاتهام فيه إلى ارهابيين من الشيشان. ومن جديد امتلأت وسائل الإعلام الروسية بأخبار عن "المرتزقة العرب" الذين يقاتلون في الشيشان وعن مبعوثي تنظيمات الإسلاميين المتطرفة التي تمول المقاتلين وتدعمهم لوجستياً وتضع مخططات الأعمال التخريبية في أراضي روسيا وعن التلميح إلى دور للمملكة العربية السعودية في ذلك. إلا أن وسائل الإعلام الروسية امتنعت عموماً عن توجيه الاتهامات المباشرة إلى الحكومة السعودية، بل كتبت عن جمعيات ومؤسسات خيرية إسلامية ادعت بإصرار أنها ما كانت لتستطيع أن تمارس نشاطها من دون التغاضي عمداً عن أفعالها في أقل تقدير. واستنكر وزير الدفاع والطيران السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في أيلول سبتمبر 1999 بشدة اتهام المملكة بممالأة المقاتلين الشيشانيين معلناً أن بلاده تعارض الإرهاب ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وعلى خلفية الحرب الشيشانية المستمرة بدا وكأن العلاقات السعودية - الروسية بددت نهائياً ما لديها من زخم أولي ضئيل أصلاً. وباتت حال تلك العلاقات في ظل غياب الإرادة السياسية لدى الطرفين لتجاوز الموقف الناشئ أشبه بعدو لاهث في حلقة مفرغة. في أعقاب 11 أيلول وخلال عشر سنوات من عمر العلاقات الديبلوماسية لم تحقق روسيا والمملكة العربية السعودية أي نجاحات كبيرة تستحق الذكر في ميدان التعاون الاقتصادي. وحتى عام 2002، ظل الاتفاق - الإطار الذي وقعه تشيرنوميردين في الرياض عام 1994 حبراً على ورق، أما اللجنة السعودية - الروسية الثنائية التي تألفت آنذاك فلم تعقد أي جلسة. وعلى مدار التسعينات كان تداول البضائع بين البلدين ينمو ببطء شديد مع ميلان هائل في الميزان التجاري لمصلحة روسيا. وقال الرئيس بوتين في لقائه مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في موسكو في 18 نيسان أبريل 2002 "للأسف إن مستوى التعاون الاقتصادي بيننا لا يتجاوب إطلاقاً مع إمكاناتنا، وإنني لأشعر بالخجل من ذكر رقم التداول البضاعي 120 مليون دولار. إنه يعني في الواقع غياب العلاقات الاقتصادية". وكان الحوار السعودي - الروسي في السنوات العشر المنصرمة يجرى في إطار الممارسات الديبلوماسية الروتينية ومحصوراً في بحث مواضيع تقتصر أهميتها على سير العلاقات الثنائية الشكلي. واعترفت موسكووالرياض بلا موضوعيتيهما في ميدان ضيق فقط من المصالح والتناقضات المتبادلة، وبحكم ذلك لم تتجاوز إطار المواضيع المحدودة والمكررة. وكان ما يشغل بال موسكو ويزعجها يدور حول اهتمام المملكة العربية السعودية الكبير، والبالغ أحياناً، بإحياء الإسلام والصحوة الإسلامية في روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق. ومن جهة أخرى كان يزعج المملكة التقارب الذي بدأ بين روسيا وإيران عام 1989 وتصدير السلاح الروسي إلى طهران، كما كانت تزعجها، بقدر أقل، مغازلة موسكولبغداد، فالرياض ترى وراء تلك المغازلة بالأساس اعتبارات المنفعة التجارية. أما التعامل في سوق الخامات النفطية فإن هذا الموضوع فقد أهميته إلى درجة كبيرة بسبب الأزمة العميقة التي شلت الصناعة النفطية الروسية. ففي أواسط التسعينات تقلص استخراج النفط في روسيا إلى النصف تقريباً، ولم يكن هناك ما يشير إلى أن الوضع كان سيتبدل نحو الأفضل في المستقبل القريب. إلا أن أحداث 11 أيلول أعطت إشارة البدء بإعادة بناء أسس النظام العالمي جذرياً، اي الأسس التي أرستها الدول المنتصرة في مؤتمر يالطا العام 1945 وحددت مجمل منظومة العلاقات الدولية في سنوات الحرب الباردة. وتجلت حتمية إعادة البناء بعد هدم سور برلين عام 1989 وسقوط الاتحاد السوفياتي في أعقابه. وانقضى العقد الأخير من القرن العشرين في البحث عن قاعدة مبدئية وأصول إيديولوجية لنظام عالمي جديد يجسد التبدلات البنيوية الأساسية في اصطفاف القوى على الساحة الدولية. وورد الأساس النظري لتنفيذ المشاريع الجيوسياسية الجديدة في مقالة فرنسيس فوكوياما عن "نهاية التاريخ"، فيما أنجز ذلك الأساس في صيغته النهائية في كتاب صموئيل هنتينغتون المعروف عن "صراع الحضارات". وفي وقت لاحق عرض إدوارد مورس وجيمس ريشار في مقالة نشرتها لهما مجلة "الشؤون الخارجية" في آذار مارس 2002 مضمون المرحلة التاريخية المقبلة على أنه الصراع من أجل الهيمنة في مجال الطاقة. واقترنت الحرب الشاملة التي أعلنتها الإدارة الأميركية على الإرهاب بعد 11 أيلول بحملة دعائية غير مسبوقة تعرضت خلالها دول إسلامية عدة، وضمنها المملكة العربية السعودية، لتهم خطيرة، ليس لها ما يثبتها في الكثير من الحالات، بدعوى معاونة جماعات الإسلاميين المتطرفين والتعاون مع تنظيم "القاعدة". وبلغت الهستيريا المعادية للسعودية في الولاياتالمتحدة أوجهاً لا سابق لها. وعلى رغم أن البيت الأبيض والبنتاغون نأيا بأنفسهما عن هذه الحملات، إلا أن العديد من المحللين اعتبروا الاتهامات انعكاساً للجدل الجاري في دهاليز السلطة الأميركية عن جدوى مواصلة الشراكة الوثقى مع الرياض. وساقت الدليل على صحة ذلك تصريحات سياسيين أميركيين من أرفع المستويات عن ضرورة تخفيف اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط السعودي بإجراء زيادة كبيرة في حصة روسيا من الاستيراد الأميركي للنفط الخام. وأطلقت للتداول اليومي في الصحافة الأميركية فكرة ليس لها ما يعللها تؤكد أن روسيا ستحل محل السعودية بالكامل في سوق النفط الأميركية، فيما تحدث المحللون الجادون عن "حرب نفطية مرتقبة" بين روسيا والعربية السعودية، كانت مجلة "الشؤون الخارجية" تنبأت بها في آذار 2002. وما زاد في تأزم العلاقات السعودية - الأميركية رفض المملكة القاطع وضع قواعدها العسكرية تحت تصرف الولاياتالمتحدة لاستهداف العراق. وفي ما بعد أعربت الرياض عن موافقتها على استخدام الأراضي السعودية ولكن في عمليات حربية تقرها هيئة الأممالمتحدة. وكانت تلك الموافقة حلاً وسطاً لا يعني الاستعداد للمشاركة في استهداف بغداد عسكرياً. وظلت واشنطن تكرر الإشاعات عن لائحة قانونية طرحت على بساط بحث الكونغرس وتحظر بيع السلاح إلى القوات السعودية، وكذلك الإشاعات عن احتمال منع المصارف الأميركية من التعامل مع المملكة. وجاء رد الفعل الطبيعي في مثل هذه الظروف متجسداً في خروج رساميل سعودية من الولاياتالمتحدة. وجعل التردي، الذي شاب العلاقات الأميركية - السعودية وشبح الحرب الواسعة التي تهدف إلى بسط الهيمنة الأميركية على حقول النفط في العراق، المملكة العربية السعودية تفكر في التدابير المقابلة اللأزمة لمواجهة التحديات والتهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي. وفي هذه الظروف يبدو طبيعياً تماماً توجه سياستها الخارجية نحو البحث النشط عن شركاء جدد إلى جانب الجهود المبذولة للحفاظ على الجوانب الإيجابية في التعاون مع الولاياتالمتحدة. وفي هذا السياق تبدو غنية عن البيان رغبة الرياض في رفع علاقاتها مع روسيا إلى مستوى مغاير نوعياً. وبدأت هذه العملية في نيسان الماضي أثناء الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل إلى موسكو. وفتح حواره مع الرئيس الروسي الذي استغرق أكثر من ساعتين ونصف ساعة صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الثنائية. وفي ربيع وصيف العام 2002 بذلت موسكووالرياض جهوداً مشتركة مكثّفة لتوافر الظروف اللازمة لنقلة عريضة في الميدانين السياسي والاقتصادي. وإذا كانت ثمة بين روسيا والسعودية في الخريف الماضي تناقضات جدية في شأن أحجام تصدير النفط وأسعاره جعلت بعض المحللين لا يستبعدون إمكان إعلان روسيا ما سمي ب"حرب الأسعار" فإن كل المسائل المختلف عليها سويت خلال هذا العام حتى كان مدار الحديث في آب هو التفاهم والتعاون بين الدولتين النفطيتين الكبريين. وفي منتصف تشرين الأول أكتوبر عقدت في موسكو جلسة اللجنة السعودية - الروسية الثنائية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني والثقافي، والتي وصفتها وسائل الإعلام الروسية بالمفاجأة الكبرى. وأسفرت المحادثات عن توقيع بروتوكول أكد فيه الطرفان رغبتهما بإرساء قاعدة تشريعية متينة لتطوير التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والعلمي وغيره من أوجه التعاون بين البلدين. كما رسمت التدابير الملموسة لوضع هذا التعاون حيز التنفيذ. وفي القريب العاجل سيبدأ العمل في تنسيق مسودتي اتفاقي تشجيع الاستثمارات وحمايتها وإلغاء الضرائب المزدوجة. وستطبق إجراءات مبسطة لمنح التأشيرات إلى رجال الأعمال. إلا أن أهم حصيلة للمحادثات هي الاتفاق على تنسيق سياسة تصدير النفط والغاز واستراتيجية إدارة سوق النفط العالمية، وكذلك التعاون المرتقب بين روسيا والمملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات. وإلى ذلك تطرق البروتوكول إلى استثمارات سعودية في الصناعة النفطية والصناعات الروسية الأخرى. وإذا حكمنا على نطاق التعاون من عدد الاتجاهات التي اختيرت له يتضح أن المقصود هو إرساء أساس لمشاركة تستحق أن تعتبر استراتيجية. إلا أن التهليل المفرط لهذه البداية الواعدة ربما كان أمراً سابقاً لأوانه. فالطريق إلى التقارب بين موسكووالرياض محفوف بالعراقيل والصعوبات. ومن الإشكالات التي ستستجد حتماً منذ المرحلة الأولى أن الطرفين لا يعرفان عن بعضهما بعضاً إلا القليل. وليس خافياً على أحد أن روسيا والعربية السعودية تعرضتا وما زالتا تتعرضان لحرب إعلامية موجهة وذكية. وهما على مدار سنين تنظران إلى بعضهما بعضاً عبر مرايا وسائل الإعلام الغربية المغرضة. ويتطلب تجاوز التصورات والكليشيهات المشوهة اللامعقولة أحياناً وقتاً وجهوداً هادفة لرسم صورة طيبة للمملكة في روسيا ولروسيا في المملكة. ولا ريب أن جهوداً من هذا النوع في ميدان التعاون الإعلامي والتبادل العلمي والثقافي والطباعة والنشر والنشاط التنويري ضرورية لمساعدة الروس والسعوديين في دخول الحوار بلغة التفاهم متحاشين سوء الفهم والمفارقات وسوء الظن وساعين إلى الثقة المتبادلة التي يتعذر من دونها السير إلى أمام. وتعبر موسكووالرياض اليوم عن الارتياح لنتائج الاتصالات بينهما. ولا شك أن للشراكة الاستراتيجية المنشودة بين روسيا والعربية السعودية التي ستشق طريقها وسط مطبات وعواصف القرن الجديد أهمية تفوق التقدير... وثمة كل المبررات للقول إن شراكة كهذه ستعود بأكبر المنافع على شعبي كلتا الدولتين وستمارس تأثيراً فاعلاً في اتجاه وطبيعة العمليات العالمية والإقليمية في العالم القلق المتململ بعد أحداث 11 أيلول. * كاتب روسي.