يتوقع أن يعقد المحامون في تونس اجتماعاً غدا الأحد في سياق فصول الصراع المستمر مع وزارة العدل على خلفية الاضراب الذي شنوه في شباط فبراير الماضي، والذي أدى إلى أزمة مع السلطات. وكان نقيب المحامين بشير الصيد أعلن عقد الاجتماع في مؤتمر صحافي عقده الشهر الماضي في إطار رد النقابة على انتقادات وزارة العدل. ويبدو ان توقيت الاجتماع مدروس، كونه يأتي قبل ستة أيام من مثول نقيب المحامين أمام القضاء بتهمة شن اضراب غير قانوني. وكانت المحكمة درست الدعوى التي أقامها محامون ينتمون إلى حزب "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم على مجلس النقابة في جلسات سابقة، وأرجأت جلسة الترافع إلى الخامس والعشرين من الشهر الجاري. ولا يعرف ما هي خطة مجلس النقابة التي يعتزم طرحها على المحامين. لكن اثلابت أن مسار شد الحبل غير مشرح للتراجع، خصوصاً بعد مبادرة وزير العدل استقبال نقيبي فرعي المحامين في صفاقسالمدينة الثانية والعاصمة تونس، في حين أن الحوار لا يزال عالقاً مع المجلس. وأنعشت الخطوة معركة قديمة بين الوزارة والنقابة في شأن قانون يعاود هيكلة القطاع على غرار النظامين الفرنسي والمغربي، ويهدف إلى انشاء نقابات محلية منفصلة بدل مجلس النقابة الحالي الذي يملك فروعاً في المحافظات الرئيسية ويستمد قوته من كونه يضم 2500 محام. وأدى الاعتراض على القانون الجديد إلى تعليق تنفيذه. واتهم وزير العدل نقيب المحامين بتسييس القطاع. وانتقد في شكل خاص الاضراب الذي قاده مجلس النقابة، واصفاً اياه بكونه اضراباً سياسياً لأنه أتى على خلفية محاكمة زعيم "حزب العمال الشيوعي" المحظور حمة الهمامي الذي افرج عنه في الخريف الماضي. وعزا المحامون الاضراب إلى ما اعتبروه "اعتداء على الدفاع" أثناء المحاكمة. ورجح مراقبون أن حديث السلطات عن تسييس القطاع تعبير عن الضيق من شخصية النقيب الصيد الذي يعتبر أحد رموز التيار العروبي. وكان أسس "التجمع القومي العربي" في الثمانينات ولم يرخص له، ثم انشأ بعد ذلك "التجمع الوحدوي" انسجاماً مع قانون الأحزاب الجديد الذي حظر انشاء التنظيمات السياسية على أساس اللغة أو الدين أو العرق. لكن الحزب الجديد لم يحصل على الترخيص أيضاً، فترك العمل السياسي وتفرغ للنقابة منذ مطلع التسعينات. إلا أن مصادر في مجلس النقابة لاحظت أن النقيب السابق عبدالوهاب الباهي كان كذلك قيادياً في حركة الديموقراطيين الاشتراكيين المعارضة من دون أن يؤدي ذلك إلى احتكاكات مع الحكم خلال الولايتين اللتين امضاهما على رأس النقابة. وفيما اتهم المحامون المنتمون إلى الحزب الدستوري الصيد باهمال الأوضاع الاجتماعية للمحامين، رد الأخير بكون المجلس الحالي أعد مشروعاً للتأمين الصحي بعدما زار وفد منه نقابتي المحامين في بلجيكا وفرنسا و"مقر الاتحاد الأوروبي للمحامين" للاستئناس بتجاربها في هذا المجال، "إلا أن وزارتي العدل والمال لم تتحركا في هذا الاتجاه"، على حد قول الصيد. وتلقي محاكمة الصيد المقررة نهاية الشهر ظلالاً كثيفة على الوضع في القطاع، كون محامين قريبين إلى الحكم هم الذين رفعوا الدعوى القضائية بحق زملائهم لإثبات أن الاضراب لم يكن شرعياً، لكن أكثرية المحامين تؤيد على ما يبدو موقف النقيب الذي اعتبره اضراباً "مهنياً واحتجاجياً دفاعاً عن المحامين وذوداً عن حقوق الدفاع". وهو أشار إلى كون المحامين الطاعنين بقرار النقابة مارسوا حريتهم بعدم الامتثال للإضراب ولم يتخذ المجلس أي عقوبات في حقهم. والأرجح ان الاجتماع النقابي المقرر الأحد المقبل سيدعم موقف مجلس النقابة في شأن المطالب المهنية التي سبق أن ضمنها مذكرة ارسلت إلى رئاسة الجمهورية ووزارة العدل العام الماضي وسيقف إلى جانب مبادرات المجلس الرامية إلى معاودة فتح باب الحوار مع السلطات، إلا إذا ما أدى مناخ الاحتقان الحالي إلى اتخاذ قرار بشن الإضراب. لكن الصيد شدد في تصريحات أدلى بها أخيراً على أن "نهجنا هو الحوار والتفاوض ثم الحوار والتفاوض أيضاً وأيضاً".