يثير مقال الاستاذ ناصر الرباط المنشور على صفحات "الحياة" في العدد 14472 في 3/11/2002 عن غياب النقد المعماري في الدول العربية كثيراً من الامور التي تحتاج الى الوقوف عندها طويلاً. ولا يسع المتخصص في هذا المجال، او المطلع على شؤون العمارة في الدول العربية، الا ان يسلم بحقيقة ان الساحة العربية تفتقر الى نقد معماري متمكن ومبني على المعرفة يمكن له ان ينهض بالفكر في مجال العمارة، ثم بالواقع المعماري والعمراني للدول العربية. وتتعدد الاسباب وراء ذلك. منها ما هو تاريخي ومنها ما هو ثقافي ومنها ما هو مزيج بين التاريخي والثقافي ومنها ما هو مرتبط بطرق التعليم المعماري وممارسة المهنة، وكل ذلك مرتبط ارتباطاً عضوياً بالبنى الفكرية والاجتماعية السائدة في الدول العربية. وكثير من هذه الجوانب ما زال يحتاج الى المزيد من التحليل والفهم لهذه الظاهرة. وعلى رغم بعض الاسماء على الساحة العربية، في مجال النقد المعماري، الا ان هذه تظل حالات منعزلة لم يُبنى عليها ولم تستثمر نتائجها فكراً وممارسة كما يجب. يشهد على ذلك هجرة الاسماء الرائدة في مجال العمارة العربية. وهذه ظاهرة ملازمة للطاقات العربية في كل المجالات، وهي تعكس حال الاغتراب التي يعيشها المبدع والمتمكن من تخصصه في المجتمعات العربية. والعمارة نشاط انساني يمس افراد المجتمع. ولذلك فإن النقد المعماري، باعتباره نقداً لعلاقة العمارة بهذا النشاط، مرتبط عضوياً بالعوامل المتعددة الاتجاهات التي تنتج ضمنها العمارة. ونظراً لما تعانيه معظم الدول العربية من صعوبات في مجالات التنمية، انعكس ذلك بصورة مباشرة في العمارة، وبدا جلياً افتقار معظم الدول العربية الى عمائر مميزة تضعها على خريطة العالم. والمتصفح للدوريات المتخصصة يدرك ذلك بوضوح. ولأن العلوم الانسانية لا تحظى بكثير من الاهتمام في اولويات برامج الجامعات العربية، ادى ذلك الى غياب النقد المعرفي البناء للعمارة كعلم انساني. وأصبحت العمارة تقاس بحساب الكميات والسنتمترات، بدلاً من ان تقاس بمقاييس العلوم الانسانية المناسبة للعمارة، كفرع من فروع العلوم الانسانية. وهذا الفصل الحاد بين العمارة وحاضنتها الام العلوم الانسانية مسؤول الى حد كبير عن الغياب شبه الكامل لظهور اتجاهات اصيلة في النقد المعماري، وانتشار تصاميم معمارية تفتقر الى ابسط معايير الجمال. والعمارة ليست فناً خالصاً وليست علماً بحتاً كذلك. ولذلك اصبحت هدفاً سهلاً للتأويل والتفسير من كثير من الناس. وعلى رغم ان النقد البناء، وابداء الرأي، والاختلاف فيه، هي من لبنات العلوم الانسانية وهو ما ينسحب على النقد المعماري. الا ان النقد المعرفي في أي مجال وفي العمارة تحديداً له طرقه وأدواته ومناهجه. ويلاحظ، في هذا السياق، ان معظم الكتابات عن العمارة في الدول العربية، وهي شحيحة، تحوم حول العمارة ولا تقربها. والسبب واضح، وهو ضعف إلمام هذه الكتابات بأبجديات العلوم الانسانية التي هي وحدها المخولة تشريح العمارة كفن، وبناءها، وبناء مناهج نقدية عليها. وهناك كتابات تتناول العمارة من وجهات نظر ايديولوجية تسهم في ابتعاد النقد عن موضوعه المباشر . وبعض هذه الكتابات يتسم بطابع الفوقية، وفيها من التنظير ما يفقدها قيمتها نظراً لتجاهلها الجانب العملي الذي يميز العمارة كفن تطبيقي تقوم بوظائف نفعية بالدرجة الاولى. هناك وفرة نسبية في ما كتب عن العمارة الاسلامية، من المستشرقين تحديداً، الا ان هذه الكتابات، على رغم دورها الايجابي الذي يستحق الاعجاب احياناً في توثيق وحفظ كثير من معالم العمارة الاسلامية، الا انه ما زالت هناك حاجة ماسة للذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، والوصول الى البنى الثقافية الحقة التي شكلت واقع العمارة العربية منذ امد بعيد. فيتضح جلياً ان النقاد المعماريين العرب في امس الحاجة الى ارساء مفاهيم جديدة في النقد المعماري تنطلق من واقع وتاريخ وهموم المجتمع العربي نفسه. الدمام - هاني القحطاني جامعة الملك فيصل