كان من المتوقع في اجواء سيطرة اليمين القومي والديني اليهودي المتطرف على دفة الحكم في اسرائيل، ان يسعى غلاة اليمينيين المتعصبين الى تشجيع الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967والبطش والتنكيل بسكانها الذين تخضع مدنهم وقراهم للاحتلال والحصار الاسرائيليين. وقد حدث هذا بالفعل وما زال يحدث يومياً داخل مدن الفلسطينيين وقراهم ومخيماتهم وعلى الحواجز العسكرية الاسرائيلية. وكان متوقعاً ايضاً ان يحرض غلاة اليمينيين ضد الاقلية العربية داخل اسرائيل، وهي أقلية سبق ان نكلت بها المؤسسة العسكرية - الامنية بمصادرة اراضيها منذ 1948 وحتى يومنا هذا، وبالتمييز ضدها في موازنات التعليم والبلديات وغيرها. وسعى غلاة اليمينيين اليهود في الآونة الاخيرة الى منع فلسطينيي 1948 هؤلاء من مواصلة نضالهم من اجل ترسيخ تمثيلهم ديموقراطياً وتحقيق المساواة مع المواطنين اليهود في دولة "جميع مواطنيها"، حسب تعبير الدكتور عزمي بشارة زعيم التجمع الوطني الديموقراطي. وهذا ما حصل فعلاً عندما قررت لجنة الانتخابات المركزية، التي سيطر اليمينيون على عضويتها، منع بشارة وحزبه ومنع النائب العربي في الكنيست احمد الطيبي زعيم الحركة العربية للتغيير من خوض الانتخابات الاسرائيلية العامة المقبلة. وجاءت قرارات لجنة الانتخابات المركزية الاسرائيلية تلك لتؤكد، اضافة الى اصرار رئيس الوزراء ارييل شارون على اتباع سبل عسكرية لانهاء الصراع مع الفلسطينيين ورفض اي مشروع سياسي معقول لتحقيق تسوية سلمية معهم، ان غالبية يهود اسرائيل تريد دولة تفرقة عنصرية يغلب عليها الشعور بالتفوق على العرب والفلسطينيين. وأوصلت تلك القرارات رسالة من اليمين اليهودي الحاكم الى فلسطينيي 48 مفادها أنهم لا يمكن ان يتمتعوا، على رغم كونهم مواطنين في دولة اسرائيل، بحقوق مساوية لتلك التي يتمتع بها اليهود في اسرائيل، وان الديموقراطية الاسرائيلية لليهود فقط ولا تشمل المواطنين العرب. وكانت ثقة المواطنين العرب في اسرائيل اهتزت هزة عنيفة في تشرين الاول اكتوبر 2000 عندما قتلت قوات الشرطة الاسرائيلية من دون اي مبرر 13 مواطناً منهم لمشاركتهم في تظاهرات للاحتجاج على الممارسات الوحشية للجيش الاسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين العزل إلا من الحجارة في بدايات انتفاضتهم الثانية ضد الاحتلال الاسرائيلي. وشكل موقف المؤسستين الامنية والسياسية الاسرائيليتين من فلسطينيي 48 في تلك الفترة رسالة فجة اليهم تنكر عليهم اي تعبير عن انتمائهم القومي والثقافي وأي انتصار لمبادىء العدل وحق الشعوب في التحرر من الاحتلال وتحقيق الاستقلال. ان قرار المحكمة العليا الاسرائيلية امس، اضافة الى الغائه قرارات عنصرية اتخذتها لجنة الانتخابات المركزية، من شأنه أيضاً أن يجعل اناساً كثيرين في العالم يتأملون شأن دولة زرعت في قلب عالم عربي بات يعرض عليها الاعتراف بها لقاء اعترافها بحق ضحاياها الفلسطينيين في الحرية والاستقلال...لكنها ترفض وتتملص.